كنت ركزت في مقالي السابق عن واجبات المريض التي يجب اتباعها قبل المطالبة بحقوقه وفي هذا المقال اتحدث عن واجبات الطبيب لأن مهنة الطب، ليست وظيفة اعتيادية تؤدى في ساعات محددة، بل عن رسالة إنسانية سامية، اختص الله بها فئة من عباده، ورفعهم بها درجات في الدنيا والآخرة، فقال في كتابه الكريم: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا".
لكن للأسف، ومع تعقيدات العمل اليومي وضغوط المهنة، قد ينسى البعض – عن غير قصد – أن المريض لا يأتي للطبيب فقط بحثًا عن علاج عضوي، بل يحمل معه في زيارته همًّا نفسيًا، وقلقًا، وخوفًا، وتعبًا قد لا يُرى، لكنه يُحس ويُثقل القلب.
وهنا تحديدًا، تظهر أولى واجبات الطبيب قبل أن يُطالب بحقوقه:
المعاملة الطيبة، والتوجيه الصادق، والكلمة الحسنة.
حتى لو لم يكن المرض في تخصصك، حتى لو لم تكن الحالة عاجلة أو خطيرة، حتى إن لم تملك الحل الطبي المناسب، تبقَى الكلمة الطيبة نصيحة، والابتسامة صدقة، والتوجيه الصحيح دليل خير.
فالناس، يا سادة، لا تحتاج فقط دواءً كيميائيًا، بل دواءً نفسيًا وإنسانيًا، قد يكون أثره أعمق وأبقى.
الطبيب ليس مجرد موظف في منشأة صحية، بل هو قامة علمية وضمير حي.
هو الذي يلجأ إليه الناس في أضعف لحظاتهم، يتكئون على علمه، ويبحثون في وجهه عن الأمان.
فإن قسى، زادت ألامهم، وإن لان، طيّب وجدانهم قبل أجسادهم.
ولذلك، فإن من أهم وأوجب واجبات الطبيب:
حُسن المعاملة والرحمة.
النصيحة والتوجيه مهما كانت الحالة.
الاستماع الجيد دون تعالٍ أو استهزاء.
توفير الوقت والجهد على المريض بقدر المستطاع.
أن يكون العمل خالصًا لوجه الله، لا فقط من أجل راتب أو مظهر.
فأنت – أيها الطبيب – في أعلى درجات السلم العلمي، في موضع تكريم وثقة، وفي كل موقف، تملك فرصة عظيمة لكسب الأجر:
"تبسمك في وجه أخيك صدقة"
فما بالك بمن تأتيه الوجوه متألمة، والقلوب واجفة، والأنفاس لاهثة؟
كل يوم تمر فيه على المرضى، أمامك فرصة لربح عشرات الصدقات، لا بجهد كبير، بل بنية صافية، وكلمة حلوة، وضمير صاحٍ.
لا نُنكر أن للطبيب حقوقًا مهملة، وظروفًا قاسية، وضغوطًا لا يعلمها إلا من عاشها.
لكننا فقط نُذكّر:
كما للمريض واجبات قبل أن يطلب حقوقه،
فللطبيب كذلك واجبات إنسانية قبل أن يطلب الإنصاف.
لكم منا، أنتم جيش مصر الأبيض، كل التقدير والدعاء، ونرجو أن تظلوا دائمًا أهلًا للثقة والعطاء.. فأنتم في قلوبنا دائمًا.
-----------------------------
بقلم: أحمد صلاح سلمان