23 - 07 - 2025

من الموانئ إلى الملفات الإقليمية.. العلاقات المصرية - العُمانية تتقدّم بثبات في 2025

من الموانئ إلى الملفات الإقليمية.. العلاقات المصرية - العُمانية تتقدّم بثبات في 2025

في خضم مشهد إقليمي متقلّب، يتسم بتسارع التحالفات وتباين الأولويات الاستراتيجية، تبرز العلاقات المصرية العُمانية كحالة استثنائية من الثبات والتعقّل، تجسيدًا لدبلوماسية هادئة لكنها مؤثّرة. 

ورغم غياب الطابع الاحتفالي أو الإعلان المتكرر عن تقارب مباشر، فإن سنة 2025 شهدت طفرة نوعية في مستوى التنسيق بين القاهرة ومسقط، شملت ملفات استراتيجية تتراوح بين الأمن الإقليمي، والاستثمار، وتكامل الموانئ، مرورًا بتفاهمات دقيقة حول قضايا فلسطين، اليمن، والممرات البحرية الحيوية.
إن العلاقة بين مصر وسلطنة عُمان لم تكن يومًا علاقة مصالح عابرة، بل تأسّست على قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم التدخّل، والدور المتوازن الذي لطالما تبنّته كل من القاهرة ومسقط في أزمات المنطقة.

 ومع تطور السياقات الدولية والإقليمية، وخاصة ما بعد 2020، أصبحت هذه العلاقة أكثر انفتاحًا على الأبعاد الاستراتيجية، وهو ما تجلّى بوضوح خلال العام 2025، سواء على مستوى التنسيق الثنائي، أو على مستوى التمركز الهادئ في قضايا الإقليم.
تعود العلاقات المصرية العُمانية إلى بدايات سبعينيات القرن العشرين، حين تبادل البلدان التمثيل الدبلوماسي الكامل في أعقاب استقلال سلطنة عُمان، وتولي السلطان الراحل قابوس بن سعيد الحكم، ومنذ ذلك الحين، حرصت القاهرة ومسقط على الحفاظ على خيط متين من التواصل السياسي والدبلوماسي، حتى في أحلك فترات الخلافات العربية.
اتسمت هذه العلاقات في العقود الماضية بالتوازن والخصوصية؛ فقد كانت عُمان من أوائل الدول الخليجية التي دعمت مصر في ملفات إقليمية حساسة، ورفضت عزلها إبان فترات سياسية صعبة، في حين كانت القاهرة سندًا مستمرًا لمسقط في المحافل الدولية وفي ملفات إقليمية مثل اليمن والخليج.

هذا الإرث التاريخي لم يتوقف عند الثوابت الدبلوماسية، بل شهد في العقد الأخير تحولات باتجاه الشراكة الاستراتيجية، خصوصًا بعد صعود السلطان هيثم بن طارق إلى سدة الحكم عام 2020، وتجديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لخطابه الإقليمي الذي يركّز على التكامل العربي-العربي. 

زيارة مؤثرة: مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر وعمان - مركز رع للدراسات  الاستراتيجية

 الشق السياسي والدبلوماسي 

يمكن وصف العلاقة السياسية بين مصر وسلطنة عمان بأنها علاقة ناضجة ومستقرة، قائمة على الحوار والتنسيق في القضايا الإقليمية والدولية، ولم تكن هذه العلاقة يومًا خاضعة للمزاج الإقليمي أو الاستقطاب السياسي، بل حافظت على نهج مستقل يعكس خصوصية كل طرف.

كانت زيارة الرئيس السيسي إلى عُمان في يونيو 2022 لحظة فارقة، أعادت ضبط العلاقات وفق معايير جديدة، تتجاوز المجاملات البروتوكولية نحو تفاهمات فعلية قائمة على المصالح المتبادلة.

وخلال هذه الزيارة، وُقعت عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والأمن الغذائي، والاستثمار، إلى جانب التأكيد على أهمية التنسيق بين البلدين في المحافل الدولية.

وفي المقابل، زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو 2023 في زيارة رسمية استمرت يومين، عُقدت خلالها قمة مصرية-عُمانية ناقشت مستقبل العلاقات الثنائية، وملفات الأمن الإقليمي، والتحديات الاقتصادية العالمية، والحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها على الطاقة والغذاء في المنطقة العربية.

كما استقبلت القاهرة في مارس 2024 وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، في لقاءات تناولت تطورات الوضع في قطاع غزة، حيث أكدت مسقط دعمها لوقف إطلاق النار، والمبادرات المصرية لتهدئة الأوضاع الإنسانية، مما يعكس الانسجام بين البلدين في مقاربة قضايا الشرق الأوسط.

من الناحية المؤسسية، تُعد اللجنة المصرية العمانية المشتركة، التي عقدت دورتها الخامسة عشرة في القاهرة في مايو 2023، أبرز آليات التنسيق السياسي والتنموي بين الطرفين. 

وقد ناقشت اللجنة حينها أكثر من 20 ملفًا، شملت الشراكة الاقتصادية، وأمن الطاقة، والتعاون في مجالات الثقافة، والتعليم، والإعلام.

وتتميز السلطنة بموقفها المتزن حيال القضايا الإقليمية الحساسة، مثل الأزمة اليمنية وسوريا، ما يتلاقى مع السياسة المصرية القائمة على التفاوض، ورفض التدخلات الخارجية، والدعوة للحلول السياسية. كما تساند عُمان بقوة المطالب المصرية بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي، وضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني عادل وملزم حول قواعد الملء والتشغيل.

السيدة انتصار السيسي زيارتي لسلطنة عمان تعكس عمق ومتانة العلاقات وروابط الأخوة بين البلدين

دلالات رمزية ناعمة.. زيارة السيدة انتصار السيسي 
في شهر مايو 2025، شكّلت زيارة السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، إلى سلطنة عُمان بدعوة من السيدة الجليلة عقيلة السلطان هيثم بن طارق، علامة فارقة في مسار العلاقات الثنائية. فرغم كونها زيارة بروتوكولية ذات طابع اجتماعي وثقافي، فإنها حملت رسائل سياسية هادئة تؤكد عمق العلاقات على مستوى القيادة والعائلة الحاكمة، وانفتاحها على البعد الإنساني والتواصلي.
وقد شملت الزيارة لقاءات في قصر العلم العامر، بالإضافة إلى فعاليات ثقافية واجتماعية سلطت الضوء على الروابط التاريخية بين الشعبين، ودور المرأة في المجتمعين المصري والعُماني، ما اعتبره مراقبون جزءًا من دبلوماسية التواصل المجتمعي التي تعزّز الاستقرار السياسي بين الدول.
كما جرى خلال الزيارة مناقشة عدد من المبادرات المشتركة في مجالات رعاية الطفولة، ودعم المرأة، والتعليم، والحفاظ على التراث الثقافي، ما يكرّس فكرة أن العلاقات بين القاهرة ومسقط لم تعد مقتصرة على النخبة السياسية أو الاقتصادية، بل باتت تنسج خيوطها أيضًا من خلال المجتمع المدني ومؤسسات الأسرة.
تلك الزيارة النسائية الرفيعة كانت الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، وعكست الاحترام المتبادل والتكامل الثقافي، فضلًا عن تثبيت صورة السلطنة كشريك موثوق لدى الدولة المصرية، على كافة المستويات، الرسمية وغير الرسمية.

وزير الاستثمار والسفير العماني بالقاهرة يشهدان توقيع مذكرة تفاهم

 الشراكة الاقتصادية والتجارية 

رغم الطابع التقليدي للعلاقات التجارية بين مصر وسلطنة عمان، فإن العقد الأخير شهد قفزات نوعية في هذا المجال، خاصة بعد تأسيس عدد من المشاريع الاستثمارية المشتركة، وتوسيع نطاق التعاون في القطاعات ذات الأولوية، مثل اللوجستيات، والطاقة، والزراعة، والتصنيع الغذائي.

تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 714 مليون دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة قدرها 21% مقارنة بعام 2022، و858 مليون دولار خلال عام 2024.

وتصدرت المنتجات الغذائية والكيماويات والحديد والأسمنت قائمة الصادرات المصرية إلى سلطنة عمان، بينما جاءت المنتجات البترولية واللدائن والمواد الخام ضمن أبرز الواردات العمانية إلى مصر.

في مارس 2023، أعلن "الصندوق العماني للاستثمار" عن ضخ أكثر من 250 مليون دولار في مشاريع تنموية داخل مصر، خاصة في مجالات تطوير الموانئ، والخدمات اللوجستية، والمستشفيات، ومصانع الأدوية. ويُعد ذلك جزءًا من توجه عماني أوسع لتنويع الاستثمارات الخارجية، بما يواكب "رؤية عمان 2040" التي تركز على تقوية الاقتصاد الوطني من خلال شراكات دولية استراتيجية.

كما تم التوقيع على اتفاقية تعاون جمركي بين البلدين في أواخر 2022، تهدف إلى تسهيل حركة السلع والبضائع، وتبادل المعلومات المسبقة، وتبسيط الإجراءات، مما سيُسهم في زيادة حجم التبادل التجاري إلى مليار دولار سنويًا خلال السنوات الثلاث المقبلة، بحسب تصريحات وزارة التجارة والصناعة المصرية.

وفي قطاع الطاقة، تبحث شركات مصرية كبرى عن فرص في السوق العمانية، خاصة في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، بينما تدرس شركات عُمانية كبرى مثل "أوكيو" و"العمانية العالمية القابضة" فرصًا استثمارية في منطقة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة، والصعيد.

وفي 12 فبراير 2025 ، شهد المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية والسفير عبد الله الرحبي سفير سلطنة عمان بالقاهرة توقيع مذكرة تفاهم بين جهاز التمثيل التجاري المصري ممثلاً عن وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العمانية في مجال ترويج الاستثمار وتنمية الصادرات، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

يُضاف إلى ذلك التعاون السياحي، إذ تستهدف مصر جذب أكثر من 50 ألف سائح عماني سنويًا بحلول 2026، من خلال تسهيلات التأشيرة، والترويج للوجهات الجديدة مثل العلمين الجديدة، والأقصر، وسيوة، في حين تشجع عُمان السياحة المصرية في مسقط وصلالة عبر برامج تبادل سياحي وثقافي.

وعُقدت الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين مصر وسلطنة عُمان في القاهرة في 1 يوليو 2025، برئاسة وزيري خارجة البلدين، تم توقيع عدة مذكرات تفاهم وتنظيم برامج تنفيذية في مجالات الاستثمار، القوى العاملة والتدريب، الإعلام، سلامة الغذاء، الثروات المعدنية، والشؤون الدينية والتنمية البشرية.

 كما أكّد الجانبان على أهمية تفعيل دور القطاع الخاص ومجلس الأعمال، وحثا على الربط الاقتصادي بين المناطق الحرة مثل منطقة قناة السويس وميناء الدقم. 

من الناحية السياسية، أكّد وزير الخارجية العُماني دعم عمان الكامل للموقف المصري في القضايا الإقليمية مثل غزة وسد النهضة، وأصر على مبدأ الأمان القومي العربي الذي "لا يقبل التجزئة"

مصر وعُمان توقعان 7 مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية 

 اتفاقية النقل البحري والموانئ تم التصديق عليها
في 8 يناير 2025، صدّق مجلس الوزراء المصري على اتفاقية التعاون البحري التي وُقّعت في عام 2022 خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان. الاتفاقية تهدف إلى تنسيق وتيسير حركة الملاحة والتجارة عبر البحر بين البلدين، وتطوير القدرات اللوجستية، والتعاون في صيانة السفن والإدارة المينائية، وتبادل الخبرات في تشغيل الموانئ
الهيئة الوطنية للصحافة

اتفاقية استثمار وتجارية جديدة 12 فبراير 2025
وقّع الجهاز التجاري المصري والوزارة العمانية للتجارة والاستثمار مذكرة تفاهم لتعزيز التصدير والترويج للاستثمارات. الاتفاق يُعد إطارًا منظمًا للتعاون في قطاعات محورية مثل الزراعة، الأمن الغذائي، النقل، البنية التحتية، الصناعة، تكنولوجيا المعلومات والسياحة. 

وأُعلن أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تضاعف مؤخرًا ليصل إلى حوالي 1.3 مليار دولار، مع توقّعات ملموسة بمزيد من النمو قريبًا.

 لقاءات فنية حول البنية التحتية 6 يناير 2025
التقى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بوزير التجارة العماني قيس اليوسف في يناير 2025، لمناقشة فرص التعاون الاستراتيجي في مجالات متقدمة مثل الطاقة المتجددة، الهيدروجين الأخضر، النقل البحري، المستحضرات الطبية، ومشروعات الربط بين المناطق الاقتصادية: مثل منطقة قناة السويس الاقتصادية ومنطقة الدقم الاقتصادية في عُمان. وأكد الوزير المصري اهتمام بلاده بمشاركة الشركات المصرية في مشاريع البنية التحتية العُمانية الكبرى بناءً على رؤية Oman Vision 2040.

حجم التبادل التجاري والاستثماري في 2025
بحسب بيانات الاتفاق التجاري الموقّع في فبراير 2025، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وسلطنة عُمان نحو 1.3 مليار دولار، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة بالأعوام السابقة التي بلغت فيها 858 – 908 مليون دولار فقط في 2023–2024، هذا النمو يُعزى إلى التوسّع في التداول بالمنتجات الزراعية والصناعية وتعزيز الشحن البحري والتسهيلات اللوجستية .
أما بخصوص الاتفاقيات البحرية والجمارك الجديدة، فإن توقيعها في عام 2022 وتصديقها عام 2025 يعكس إرادة مشتركة وخارطة طريق لتعظيم التجارة وتحسين التكامل الاقتصادي عبر محور السويس–الدقم.

ملتقى للطلبة العمانيين في الجامعات المصرية - الموقع الرسمي لجريدة عمان

 التعاون الثقافي والديني والتعليمي 

على الصعيد الثقافي، تمتلك مصر وسلطنة عمان إرثًا غنيًا من التبادل الفكري والديني والتعليمي.، ويُعد الأزهر الشريف أحد أهم جسور التواصل، إذ يستقطب سنويًا مئات الطلبة العمانيين في مختلف التخصصات الدينية واللغوية.

بحسب إحصائيات وزارة التعليم العالي المصرية لعام 2023، يُقدّر عدد الطلاب العُمانيين في الجامعات المصرية بنحو 1300 طالب، موزعين على جامعات القاهرة، وعين شمس، والإسكندرية، والزقازيق، وبدر، وتشمل تخصصاتهم الطب، والهندسة، والعلوم الإنسانية، والإعلام، والعلوم الشرعية.

كما تشارك السلطنة بانتظام في الفعاليات الثقافية المصرية، مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، ومهرجان الموسيقى العربية، وبينالي القاهرة للفنون التشكيلية، بينما تستضيف عمان معارض كتب مصرية، وأسابيع ثقافية، شارك فيها كبار الكتاب والشعراء المصريين.

في المجال الإعلامي، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للإعلام العماني والهيئة الوطنية للإعلام المصري في 2023 لتبادل الخبرات وتنسيق البرامج، فضلًا عن التعاون بين إذاعة سلطنة عمان وصوت العرب المصرية.

أما التعاون الديني، فيتمثل في زيارات علمية متبادلة بين وزارة الأوقاف المصرية ونظيرتها العمانية، وورش عمل حول الخطاب الديني وتجديد الفقه، إلى جانب إرسال علماء من الأزهر الشريف إلى السلطنة للمشاركة في المؤتمرات الدينية الكبرى.

 الأمن والدفاع والتنسيق الإقليمي 

رغم أن سلطنة عمان ليست طرفًا مباشرًا في التحالفات العسكرية الإقليمية، فإنها تحتفظ بعلاقات دفاعية وتنسيقية مهمة مع مصر، تتجسد في تبادل الخبرات، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وتأمين الممرات البحرية، والتدريب العسكري المشترك.

وفي عام 2022، جرت مناورات بحرية مشتركة بين القوات البحرية المصرية والعُمانية في بحر العرب، شملت تمارين حماية السفن التجارية، وعمليات الإنزال السريع، ومحاكاة مواجهة القرصنة، وقد ساهمت هذه التدريبات في تعزيز التنسيق الأمني، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة للممرات البحرية الحيوية.

وتشارك سلطنة عمان بفعالية في الاجتماعات الأمنية العربية التي تنظمها مصر، سواء في إطار الجامعة العربية، أو مجلس وزراء الداخلية العرب، كما تحتفظ بعلاقات وثيقة مع جهاز الاستخبارات العامة المصرية، ضمن التعاون في مواجهة الإرهاب والتطرف.

ويُنظر إلى عمان باعتبارها وسيطًا هادئًا في أزمات إقليمية معقدة، مثل الحرب في اليمن، والملف النووي الإيراني، وأمن مضيق هرمز، وهي ملفات تتقاطع فيها المصالح المصرية بشكل مباشر، خاصة فيما يتعلق بتأمين الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي.


السفير عبد الله الرحبي .. دبلوماسية فاعلة تُترجم رؤية السلطنة
في مشهد العلاقات المصرية العُمانية المتنامية، يبرز اسم السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عُمان لدى القاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، كأحد الأعمدة الفاعلة في دعم الشراكة بين البلدين.

 فمنذ تقديمه لأوراق اعتماده رسميًا، جسّد السفير الرحبي نموذجًا متميزًا للدبلوماسي المحترف الذي يجمع بين العمق السياسي، والمرونة التفاوضية، والدراية المتقدمة بخصوصية العلاقات العربية–العربية.
عمل السفير الرحبي على مدار السنوات الماضية على تفعيل قنوات التواصل الرسمية وغير الرسمية بين القاهرة ومسقط، وساهم بشكل مباشر في الدفع نحو تطوير خارطة التعاون الثنائي، سواء عبر الزيارات الرسمية، أو من خلال تنسيق الفعاليات الاقتصادية والثقافية التي احتضنتها العاصمة المصرية. 

وقد لعب دورًا محوريًا في دعم اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، وفي الإعداد اللوجستي والتقني لمختلف الاتفاقيات التي تم توقيعها في مجالات الاستثمار، والتعاون البحري، والطاقة المتجددة، خلال عامي 2024 و2025.
ولم يقتصر حضوره على الأطر الرسمية، بل امتدّ إلى التواصل الإعلامي والثقافي، إذ حرص على الظهور في عدد من المنصات الفكرية والندوات الدبلوماسية التي تنظّمها الجامعات والمراكز البحثية في القاهرة، مؤكدًا على أن العلاقات بين السلطنة ومصر "ليست فقط علاقات دبلوماسية، بل علاقات أصيلة تضرب بجذورها في وجدان الشعبين".

 وقد شهدت الفعاليات التي حضرها السفير الرحبي طرح رؤى استراتيجية حول أمن البحر الأحمر، استقرار منطقة الخليج، ومسارات الحل في فلسطين واليمن، وهي ملفات تُعد جوهرية في السياسة الخارجية لكل من مصر وعُمان.
وقد كان له كذلك دورًا بارزًا في تيسير زيارة وفود رجال الأعمال العمانيين إلى مصر، وعقد لقاءات مباشرة مع مستثمرين مصريين لعرض فرص التعاون في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والمناطق الصناعية العُمانية، إضافة إلى دعم برامج تبادل طلابي وثقافي بين الجامعات المصرية والعُمانية، ما عزز البعد الإنساني للعلاقة.

ولعل أكثر ما يميز أداء السفير الرحبي هو تبنّيه دبلوماسية هادئة ولكن فاعلة، تتماشى مع النهج العام للسياسة العُمانية التي تتجنب الاصطفاف، وتدفع باتجاه بناء الجسور، لا الجدران.

 وبفضل هذا النهج، ساهم في تعزيز صورة سلطنة عُمان لدى النخبة المصرية والرأي العام على السواء، كشريك موثوق، عقلاني، وملتزم بمبادئ الأمن القومي العربي.
إن قراءة دوره في عام 2025 تحديدًا تكشف عن تصعيد نوعي في مستوى التنسيق الثنائي، فقد كان واحدًا من أبرز المُيسّرين لعدد من اللقاءات غير المعلنة بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين، تمخّضت عنها تفاهمات حساسة في ملفات إقليمية معقّدة.

 كما دعم بشكل مباشر ترتيبات زيارة وفد رفيع المستوى من رجال الأعمال العُمانيين إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في أبريل 2025، وهي الزيارة التي أثمرت عن توقيع مشروع مشترك في قطاع الحاويات والخدمات اللوجستية بقيمة تجاوزت 250 مليون دولار.
السفير عبد الله الرحبي لم يكن مجرّد ممثل دبلوماسي، بل فاعل سياسي واقتصادي وإعلامي ساهم في صياغة واحدة من أكثر العلاقات العربية استقرارًا ووضوحًا في زمن يعاني من ارتباك التحالفات وتذبذب الشراكات.
الدراسة في مصر للعمانيين | الدليل الكامل للدراسة في مصر

 تحالف ناعم في بيئة صلبة

تشير كافة المؤشرات إلى أن العلاقات بين مصر وسلطنة عمان ستظل من بين الأقوى والأكثر تماسكًا في العالم العربي، بفعل إرث طويل من الثقة المتبادلة، والرؤية المشتركة لقضايا الأمن القومي، والتعاون الاقتصادي المتزايد.

ويري مراقبون أنه رغم التحديات الإقليمية، فإن هذه العلاقة مرشحة للمزيد من التوسع، خاصة إذا ما تم تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية بشكل أسرع، وتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وتوسيع التعاون في المجالات التكنولوجية والتعليمية والطاقة المستدامة.

ويشير مراقبون إلي أن ما يميز العلاقة بين القاهرة ومسقط ليس فقط استقرارها، بل اتساعها أيضًا لتشمل كل المستويات: من القمة إلى القاعدة، ومن المشاريع الكبرى إلى التبادل الشعبي، مما يجعلها نموذجًا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات العربية-العربية في القرن الحادي والعشرين.