28 - 07 - 2025

وزارات الأمن المجتمعى

وزارات الأمن المجتمعى

عادةُ أكثر الناس إذا ما رابهم شىء، أو أنكروا أمرًا، أو بلغهم أن حادثة وقعت أن يبادروا فيسألوا لائمين عن الشرطة: أقد حضرت؟! لو حضرت الشرطة من فورها لم يكن ما كان! ولولا تأخرها لتداركت الأمر! ولو أرهبت أرباب السوابق من قبل لامتنعوا اليوم! وليس عجيبًا من القوم سؤالهم عن الشرطة، فأنا كذلك مثلهم أذكر الشرطة إذا ما كانت حادثة أو أمرا مريبا، لكنى ولأمر فلسفى فى نفسى أجعل سؤالى عن الشرطة آخر ما يكون، فأبدأ قبل سؤالى عنها أو لومها أن أسأل: هل حضرت وزارة الشؤون الاجتماعية؟! وهل حضرت الأوقاف والإعلام؟! ومالى لا أرى وزارة التعليم والثقافة حاضرة؟! فإنه لو حضر هؤلاء من قبل الواقعة لما وقعت الواقعة، فمذهبى أن حفظ الأمن فى المجتمع قبل أن يوكل إلى وزارة الداخلية فإنه موكول إلى وزارات (الأمن المجتمعى): الشؤون الاجتماعية، والأوقاف، والتعليم، والثقافة، والإعلام.. ، فإذا كلفت الدولة هؤلاء جميعًا بأعمالهم، فأدوها على الوجه الأَتَمِّ، فلن تجد هذه النزاعات والخصومات بين الناس، وإن وجدتها فلن تكون  على هذه الكثرة، ولا على هذه الحدة.

ولعل قارئًا قرأ فسأل: وكيف تكون الأوقاف والإعلام والثقافة وزارات (أمن مجتمعى) تحفظ الأمن، وتردع الجناة قبل وزارة الداخلية؟! فنقول: إذا أحسنت تعليم وتثقيف المواطن فى خطب المساجد، ودروس المدارس، وعلى الشاشات، وفى الندوات، فعرف حق جاره، وحق طريقه، وحق مجتمعه، فحينئذ يمتنع أن يبادر الناس بأذى،  ويكف عن بسط يده بالشر إلى الناس، ولن تراه يُسيّر مركبته عكس الطريق فيقتل ويصيب، ولن تجده يعتدى على حُرَم جاره فيصطخبا أو يقتتلا، ولن تجده فى فرحه ولا ترحه يرفع صوتًا بقراءة ولا غناء، ولن تراه ينصب سرادقًا على ظهر طريق فيقطعها، فإذا كان أكثر أهل المجتمع على هذه الأخلاق لم تقع بينهم عداوة ولا بغضاء، ولا اضطروا إلى مهاتفة النجدة، ولا إلى التشاكى فى الأقسام والمخافر، إذًا فهذه الأخلاق هى الحارس للمجتمع من أن يعتدى بعضه على بعض، وهذه الأخلاق هى الشرطى (الضمائرى) الذى يحفظ الأمن للناس قبل المخفر والدورية والكمين، وإنه لتتمكن هذه الأخلاق فى نفوس الناس، ويعملوا بها فينبغى أن تقوم وزارات الأوقاف، والتعليم، والثقافة، والإعلام، بالدعوة المستمرة إليها، فيراها الناس ويسمعونها على الشاشات، وفوق اللافتات، وفى الندوات، وفى سرادقات على أرصفة الطرقات، وفى خطب الواعظين والواعظات؛ فترشد أفعالهم، وتتثقف نفوسهم، وتتهذب أخلاقهم، وكذلك ينبغى حضور وزارة الشؤون الاجتماعية لتكون عضدًا مؤازرًا لغيرها من الوزارات، فتتعرف المساكين وتغنيهم، وتتحسس خبر الفقراء فترعاهم، وترقب المشردين من أهل الشوارع فتضمهم وتؤويهم، فإذا ما سدت فاقتهم، وكفوا حاجتهم لم تعد بهم حاجة إلى سرقة ولا تسول ولا إيذاء، ولا يجد الناس الحاجة إلى الشرطى إلا للأخذ على يد الشاذ الآبق المُصِرّ على الغى والأذى بعد قطع أعذاره. فإن كانت هذه الوزارات بهذا القدر والخطر الذى بيَّناه، فلماذا نراها أخس الوزارات والدواوين الحكومية قدرًا، وموظفيها أقل العاملين أجرًا؟! ولماذا لا يفرض لها من النفقات إلا أقلها؟!

إن وزارات الشؤون الاجتماعية، والأوقاف، والتعليم، والإعلام، والثقافة لا ينبغى وزن قدرها بقدر ما تدخله من مال إلى خزائن الدولة، فهى ليست متاجر تجبى الريع، ولا هى أراضٍ تغل الأموال، لكنها بالعربى الفصيح وزارات (أمنية)، نعم، وزارات الشؤون الاجتماعية، والتعليم، والأوقاف، والإعلام، والثقافة هى وزارات (أمنية)، فعملها كما أسلفنا هو تحصين وتأمين الأمة حقًّا لا مجازًا ولا مبالغة، وهى إن اعتُنى بها فستقوم بالعبء الأكبر الذى أثقل كاهل الشرطة والقضاء، فلا يصل إلى الشرطة والقضاء إلا ما استعصى من التنازع والخلاف، فإن كثرة البلاغات والأقضية والتنازع بين الناس إنما مرجعه إلى ما مَسّ هذه الوزارات من ضعف، فضعفت عن القيام بما كان ينبغى عليها القيام به، فزادت الجرائم، وزاد العدوان بين الناس، فزادت أثقال الشرطة، وزاد رمى الناس لها بالتقصير؛ لأن الشرطة إذا ضبطت مخالفًا بمخالفته، فستستمر المخالفات مع مخالفين آخرين، ولن تقيم الدولة شرطيًّا لكل إنسان عند رأسه ليحصى عليه أعماله، ويضربه على يديه إن أخطأ، لكنها تستطيع أن تقيم لكل إنسان وازعًا من نفسه يمنعه الزيغ، والخطأ، والتعدى إن هى (الدولة) عرفت لتلك الوزارات قدرها فى (الأمن المجتمعى)، وأعانتها على عملها، وأجرت على تلك الوزارات ما ينبغى لها من النففات.
-----------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

عقدة ٦٧