23 - 07 - 2025

الأقباط وثورة يوليو

 الأقباط وثورة يوليو

جمعتنى الظروف مع شاب مصرى مسيحى من بلدتنا ( القوصية ). ولما كنت فى العقد الثامن من عمرى فأنا اعرف والد هذا الشاب ( زميلا ) واعرف جده أيضا . كان جده يعمل كلافا ( يرعى الماشية سقيا واكلا وترويضا ) لدى بعض ملاك الأراضى المسيحيين فى القوصية . تعاملت مع والد الشاب فى الدراسة وكنا نتزامل فى ساندويتش الطعمية ذات التعريفة ( خمس مليمات والجنيه الف مليم ) !!!. حصل والده على بكالوريوس تجارة وأصبح مديرا لأحد البنوك. هذا الشاب طالب بكلية الطب .

تطرق الحوار إلى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢

 كنت أتصور أن هذا الشاب يدرك من خلال التواتر والحكايات التى سمعها من والده عن جده والمعاناة القاسية التى واجهها والده حيث كان يستعمل الملابس القديمة بعد استعمالها من أبناء الرجل الذى كان يعمل والده لديه كلافا !!!!

وعلى ذلك يدرك الدور الحقيقى الذى أحدثته ثورة يوليو لهذه الطبقة من المصريين والتى كانت تمثل الأغلبية الغالبة من المصريين.

ولكن صعقت من كلام هذا الشاب الذى أخذ يكيل من السباب الشتائم والمعلومات المغلوطة التى لا علاقة لها بأى حقيقة أو موضوعية !!! لعبد الناصر والثورة .

فماذا قال؟ قال أن عبد الناصر قد أمم مصانع واستولى على أراضى المسيحيين لأنهم كانوا هم المالك الأكبر والأهم للملكية الزراعية ولذا قضى على أى دور لهم !!! قال أن مصر كانت متقدمة وتمتلك اقتصادا قويا أهدره عبد الناصر واصبحنا شعبا متخلفا !!  

قال أن ناصر أراد تغيير الهوية المصرية الفرعونية ( أصل المسيحية كما قال ) بهوية عربية إسلامية غيرت من انتماءاتنا للفرعونية إلى العربية الإسلامية !!! قال إن ناصر أدخلنا فى حروب مع إسرائيل وهى صاحبة الحق فى فلسطين فهى أرض الميعاد وأنهم هم شعب الله المختار الذى وعدهم بها !!!

استغربت كثيرا ليس لهذا الكلام المكرور الذى يتم ترديده وتوريثه دون فكر أو روية ولكن هى الأرضية الطائفية .  

هنا لا نقول لهذا الشاب المغيب الناكر للجميل المنفصل عن طبقته والمتعالى على أصله نتيجة لأمراض نفسية باحثا عن ذات مغيبة .

أولا: الثورة لم تؤمم مصانع ولم تستولِ على أراضى المسيحيين دون غيرهم من الملاك. بل استولت حسب القانون على كل من تزيد ملكيته عن مائتى فدان سواء كان مسلما أو مسيحيا . الأهم إذا كان الموروث والمقصود التشويه على أرضية طائفية. نقول إن الاستثناء الوحيد الذى لم يطبق عليه قانون نزع الملكية كانت أراضى الدير المحرق بالقوصية الذى كان يمتلك خمسة آلاف فدان حينها !!!

ثانيا: كانت مصر متقدمة وحدث العكس بعد الثورة. هنا لا يحسن الحديث غير الأرقام الرسمية أي الدولية، وليست أرقام حكومة الثورة. تلك الأرقام التى سجلت للتاريخ أكبر نسبة نمو اقتصادى فى مرحلة الستينيات حسب تقارير المنظمات الدولية. أما على المستوى المعيشي فليسأل الشاب والده عن جده الذى لم يلبس حذاء طوال حياته ووالده الذى كان يمشى حافيا بعد خروجه من المدرسة حتى اليوم التالى !!!

ثالثا: أما الهوية المصرية فهى بيت القصيد. هذه القضية تمثل ذلك الموقف الطائفى المقيت من جانب المواطن المسيحى الطائفى والمسلم الطائفى. فكلاهما يقف عند حقبة تاريخية مسقطا باقى الحقبات. متناسين أن الحضارات تراكمية وتفاعليه وتكاملية. والحضارة المصرية حقبات متراكمة (مصرية قديمة ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية). وأن الشخصية الحضارية المصرية هى بنت تلك الحقبات تلك الشخصية المصرية الواحدة أيا كانت ديانتها. مع العلم أن الحقبات قبل القبطية هى حقبات مصرية، والأهم أن مايسمى بالحقبة القبطية تعنى المصرية ولا تعنى المسيحية لأنه لم يكن فى تاريخ مصر أى فترة زمنية سياسية يطلق عليها مسيحية. ( ولكنها الأوهام ). والاشكالية هنا تلك الجماعات الرافضة العروبة والعربية والإسلامية ويحلمون بل يتآمرون على الوطن بفكرة استبدال حضارة بحضارة أو لغة بلغة فهذا خيال مريض يهدد سلامة الوطن .

رابعا: أما حكاية شعب الله المختار. فهذه قضية خطيرة ممتدة ومتشعبة تاريخيا ونتيجة التفسيرات الخاطئة التى كانت نتيجة للاختراق اليهودى والصهيوني المسيحية (وهذا يحتاج إلى حديث منفصل) .

هنا نسأل: لماذا نشاهد هذه الحالات التى تدعى المعرفة وامتلاك المعلومات وهى لاعلاقة لها لا بمعلومة أو حقيقة. الأهم لماذا يأخذ الإنسان موقفا من من أخذ بيده وأوجد له فرصة الترقى الاجتماعى كمواطن حر له الحق فى هذا الترقى؟ أهى جينات العبودية مستقرة فى القاع الوجدانى؟ أهى حالة تمازج بين المستبد والمستغل وبين المستبد به والمستتبد ؟ هل تصور مريض أن ملكية من يستغلنى اقتصاديا وانسانيا هى ملكية شخصية لى؟ أم هى أحد امراض الأقليات بكل انواعها مستوياتها على مر التاريخ؟

يوليو انتهت عمليا بعد وفاة ناصر. ناصر توفى منذ أكثر من نصف قرن. فلماذا هذا الجدل الفارغ كل يوليو وكل مناسبة تخص يوليو وناصر؟ لأن يوليو وناصر سيظلا فكرة ومبدأ وموقف يصلحان طوال الوقت لكل أمل فى التحرر والاستقلال والتقدم والعدالة الاجتماعية التى لا تستقيم الأمور بدونها. حفظ الله مصر. شعبها العظيم . وكل عام ومصر والمصريين بكل الخير والسلام .
-------------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

 الأقباط وثورة يوليو