22 - 08 - 2025

الزِنادُ... خَطيئةٌ لا تُغتَفَر

الزِنادُ... خَطيئةٌ لا تُغتَفَر

في ظلّ الظروف الحسّاسة التي يمرّ بها العالم اليوم، فإنّ أيّ خطوة تؤدّي إلى تصعيد التوتّر قد تُدخل المنطقة والعالم في دوّامة من عدم الاستقرار والصراع. وفي هذا السياق، يُعَدّ تفعيل آليّة الزناد (Snapback Mechanism) في الاتفاق النووي الإيراني، ليس فقط خطوةً غير بنّاءة وبعيدة عن العقلانيّة السياسيّة، بل يُعَدّ تجاهلًا فاضحًا لكلّ الجهود الدبلوماسيّة والفرص السلميّة التي بُذلت طيلة السنوات الماضية. إنّ هذه الآلية، التي فقدت مشروعيتها بعد الانسحاب الأحاديّ للولايات المتّحدة من الاتفاق، قد تتحوّل اليوم إلى شرارة تُشعل نارًا ستطال الجميع.

لقد كان الهدف الأساسيّ من الاتفاق النووي (برجام) هو منع انتشار الأسلحة النووية، مع ضمان حقّ إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ورفع العقوبات المفروضة عليها. إلّا أنّ انسحاب أمريكا، وعدم التزام الأطراف الأوروبيّة بتعهّداتها في حفظ المصالح الاقتصادية لإيران في ظلّ العقوبات الثانويّة الأميركية، أدّى إلى اختلال التوازن في هذا الاتفاق. وفي هذه الأوضاع، فإنّ الإصرار على تفعيل آلية الزناد، لا يثير الشكوك القانونية فحسب، بل يفتقر أيضًا إلى أيّ مبرّر أخلاقي أو سياسي. إنّ هذه الخطوة، بالإضافة إلى إعادتها العقوبات الدولية القاسية، ستُغلق الباب أمام أيّ حوار أو تفاوض مستقبلي، وستخنق ما تبقّى من هوامش العمل الدبلوماسي.

أوروبا في قلب النار: تحذيرٌ من كارثة عالمية وشيكة

قد يظنّ بعضُ الساسة في العواصم الأوروبيّة أنّ تبعات أيّ صراع محتمل ستقتصر على منطقة الشرق الأوسط أو الكيان الصهيوني فقط، إلّا أنّ هذا الاعتقاد يكشف عن سوء فهم عميق للواقع الجيوسياسي في المنطقة، ولقدرات إيران الإقليميّة. إنّ هذا الخطأ الكارثي في التقدير قد يُكلّف القارة العجوز ثمنًا باهظًا، فصواريخ إيران لا تعرف حدودًا، وإن اشتعلت الحرب، فلن تكون هناك ضمانات باحتوائها في نطاق جغرافيّ محدد.

إنّ أوروبا، بحكم قربها الجغرافي واعتمادها الاقتصادي والأمنيّ المُركّب على الشرق الأوسط، ستتأثّر بشكل مباشر وبالغ من أيّ فوضى في هذه المنطقة. فاندلاع حربٍ شاملة سيؤدي إلى نتائج مدمّرة، منها:

حركات نزوح وهجرة غير مسبوقة وأزمة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها:

الحرب ستدفع بملايين اللاجئين نحو حدود أوروبا. هذه القارة، التي تعاني أصلًا من آثار الهجرة السابقة، لن تكون قادرة على امتصاص موجة جديدة من البشر، ما سيؤدّي إلى أزمات اجتماعيّة وأمنيّة واقتصاديّة خانقة، ويهدّد وحدة الاتحاد الأوروبي، ويُمهّد لصعود تيارات التطرّف والشعبوية.

انهيار اقتصاديّ وركود عميق نتيجة أزمة الطاقة:

الشرق الأوسط هو الشريان الحيوي للطاقة في العالم، والمصدر الأساسي للنفط والغاز في أوروبا. وأيّ خلل كبير في إمدادات الطاقة سيؤدّي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، وانهيار صناعات، وتراجع القدرة الشرائية، وانتشار البطالة، ما سيدفع أوروبا إلى ركودٍ اقتصاديّ لم تعرفه منذ عقود.

تصاعد الفوضى الأمنيّة وخطر الإرهاب:

الحروب تخلق بيئة خصبة لنموّ الجماعات الإرهابية والمتطرّفة. وستسعى هذه الجماعات إلى التسلّل وتنفيذ هجمات داخل الأراضي الأوروبيّة، ما سيهدّد الأمن الداخلي بشدّة، ويؤدّي إلى سلسلة من العمليات الإرهابية والتوتّرات الطائفية والعرقيّة.

ضياع الفرص الاقتصادية وتبدّل موازين القوى الجيوسياسية:

لطالما سعت أوروبا إلى توسيع استثماراتها في الشرق الأوسط، لكن أيّ حرب ستقضي على هذه الفرص بالكامل، وتحوّل المنطقة إلى أرض محروقة لا تصلح لأيّ تعاون اقتصاديّ لعقود مقبلة. والأسوأ من ذلك، أنّ الحرب قد تُعيد رسم خارطة التوازنات الدولية وتُضعف من مكانة أوروبا في النظام العالمي.

نتائج عسكريّة وأمنيّة لا يمكن التنبّؤ بها:

لا أحد يضمن بقاء الحرب ضمن حدود معينة. التجارب السابقة أثبتت أنّ الحروب كثيرًا ما تخرج عن السيطرة، وتمتدّ إلى خارج المنطقة الأصليّة للنزاع، الأمر الذي قد يجعل أوروبا طرفًا مباشرًا في صراع لا طاقة لها به.
-------------------------------
بقلم: سجاد عابدي *
* خبیر في الشؤون الأمنية والسيبرانية -طهران


مقالات اخرى للكاتب

الزِنادُ... خَطيئةٌ لا تُغتَفَر