دائمًا ما أحرص في كتاباتي على الدفاع عن حق المريض، وتسليط الضوء على أي تقصير أو معاناة يتعرض لها، لأن ذلك هو واجبي كصحفي مسؤول عن الملف الصحي.
لكن ما استدعاني لكتابة هذا المقال اليوم، هو موقف شخصي مررت به خلال الأيام الماضية، جعلني أضع يدي على جانب آخر مهم جدًا في منظومة الرعاية الصحية، وهو: واجبات المريض.
فقد تلقيت اتصالًا من مريض يطلب مساعدتي في حل مشكلة واجهته داخل إحدى المستشفيات الحكومية. وبالفعل، تواصلت مع مدير المستشفى – وهو شخصية محترمة – وطلبت منه تيسير الإجراءات لهذا المريض، وبكل ترحيب حدد له موعدًا لاستقباله.
لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن متوقعًا.
فقد ذهب المريض إلى مدير المستشفى، وطلب منه ما لا يجوز إداريًا – مثل ختم روشتة علاج صدرت من عيادة خاصة على أنها صادرة من المستشفى - ليتمكن من صرف العلاج مجانًا بحسن نيه منه على ان ذلك تعاون ومساعدة لتسهيل اخذ حقه في الدواء.
وعندما رفض المدير هذا الطلب، وهو محق تمامًا في ذلك، قام المريض برفع صوته عليه، وقال له: "أنت متعرفش أنا مين.. أنا جايلك من طرف الصحفي والإعلامي فلان، ولازم تنفذ اللي بقولك عليه!"
تلقى المدير المحترم هذه الطريقة بأسى، واتصل بي فورًا وأسمعني لهجة الشخص وهنا لم أتمالك أعصابي، وانفعلت بشدة على هذا الشخص، وقلت له بالحرف: "لو لم تعتذر فورًا، للمدير سأشرع في اتخاذ الإجراءات القانونية ضدك بنفسي!"
فأنا لا أقبل أبدًا أن يُستغل اسمي أو صفتي المهنية للضغط على أحد أو ليّ ذراع مسؤول ملتزم، فأنا فقط اقوم بهمزة الوصل بين المريض والطبيب دون أن أتخطى احترامي وتقديري للطبيب وبالحفاظ على كرامة المريض.
وهنا أفتح ملفًا مهمًا:
الاحترام المتبادل بين المريض والطبيب هو أساس العلاج.
لا يجوز أن نتحدث إلى الأطباء بأسلوب انفعالي أو تهديدي، ولا أن نطلب منهم وصف أدوية معينة حسب أهوائنا. الطبيب مؤتمن على صحة الناس، وله اختصاص لا يجوز تجاوزه.
ومن السلوكيات غير المقبولة كذلك:
التحدث بمكالمة هاتفية خاصة داخل العيادة، بينما هناك مرضى ينتظرون دورهم ونرجع نسأل هو ليه الطبيب متنرفز!
دخول عدد كبير من المرافقين مع المريض، في حين أن شخصًا واحدًا مرافقًا يكون كافيًا.
في أقسام الرعاية المركزة، يجب احترام التعليمات، وإذا قيل لنا إن الزيارة غير مسموح بها، علينا أن نلتزم ونسأل فقط عن تفاصيل الحالة وصلت إلى أين في الوقت المخصص للزيارة.
لكن ماذا إذا أخطأ الطبيب؟
وهذا قد يحدث في حالات فردية نادرة.
في هذه الحالة هناك طريقتان للتصرف:
1. إثبات المخالفة بالدلائل أو المستندات.
2. التوجه بشكوى رسمية:
إذا كانت العيادة خاصة: تقديم شكوى لقسم العلاج الحر بالمنطقة أو المديرية .
إذا كان الخطأ داخل مستشفى: التوجه أولًا لمدير المستشفى، وإن لم تُحل المشكلة، يتم التوجه إلى المديرية او المحافظة .
أما في حالة وجود تجاوز خطير أو اعتداء أو خطأ طبي جسيم، فهناك حق قانوني في اللجوء لقسم الشرطة مباشرة.
وفي المقابل، فإن تجاوز المريض بحق الطبيب سواء بالسب أو الاعتداء، هو أمر مرفوض أيضًا وقد رأيت بعيني خلال جولة ميدانية مع وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، كيف يوجه باتخاذ الإجراءات القانونية الفورية ضد من يعتدي على الأطقم الطبية، تمامًا كما يحرص على محاسبة الطبيب إذا أخطأ.
خلاصة قولي: أنا منحاز للمريض دائمًا، وهذا هو دوري كصحفي. لكن انحيازي هذا لا يعني أن أتغاضى عن الواجبات.
المريض الواعي هو من يطالب بحقه باحترام وأسلوب راقٍ، ويعرف حدوده مثلما يعرف حقوقه. فالمنظومة الصحية لن تستقيم إلا إذا احترم كل طرف دوره.
-----------------------------
بقلم: أحمد صلاح سلمان