تحية إلى كل الشهداء الذين تضرّج دمهم بتراب فلسطين المقدس، وتحية خاصة إلى شهداء الأقصى والضفة وغزة، وليفكر أي إنسان قبل أن يتخذ أي موقف من القضية الفلسطينية، أن يسأل نفسه: ما الدافع الذي يدفع شباب كالورد يذهبون إلى الموت بأقدامهم؟
من يعش ولو يوماً واحداً على أرض فلسطين يعرف الإجابة حتمًا، إنه الإرهاب الصهيوني.
تذكر الكاتبة رندة النابلسي، والتي شغلت منصب سفيرة دولة فلسطين في كتابها (الصوت والصدى)، والصادر 2009، إحصائيات دقيقة، تؤكد سياسة المحتل الصهيوني الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، والتي لم تبدأ منذ ٧ أكتوبر، لكن حتماً تلك الاحصائيات تضاعفت عشرات المرات بعد ذلك التاريخ، وتقول الأستاذة رندة في كتابها:
" بلغ عدد المستوطنات 440 مستوطنة، وفي كل يوم تُقام مستوطنة جديدة، والاستيطان هو الاسم الصهيوني للسرقة، ويبلغ عدد الحواجز العسكرية 650 حاجزاً ، وعدد الأسرى 11 ألف أسيراً ، وعدد النساء الفلسطينيات اللواتي دخلن السجون عشرة آلاف فتاة، وتبلغ حصة الفلسطيني من الماء 60 لتر يوميًا فقط، في حين تبلغ حصة الصهيوني المستوطن 800 لتر يومياً من المياه الفلسطينية في الضفة! وبلغ عدد الفيتو الأمريكي ضد فلسطين في مجلس الأمن 86 فيتو!".
تنقسم الأراضي في فلسطين المحتلة عام 1967، إلى أراضي (أ) وأراضي (ب) وأراضي (ج)، الأولى: تعني أن الأراضي تحت السيطرة المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية، وتشمل رام الله، وأريحا، وطولكرم، ونابلس، وجنين، وجزء من الخليل، لكن قراها وبلداتها تعتبر ضمن أراضي (ب) والتي تعني وجود سلطة مدنية فلسطينية، لكن السلطة الأمنية كلياً للصهاينة، وهي تشمل الأراضي ذات الكثافة السكانية العالية في فلسطين مثل مخيم شعفاط والرام وكوبر والأمعري، حيث يحق للجيش الصهيوني دخول هذه الأراضي في أي وقت يشاء وبلا إنذار للسلطة الفلسطينية، أما أراضي (ج) فهي التي لا يحق للسلطة الفلسطينية أن تكون مسؤولة عنها لا مدنياً ولا إدارياً ولا أمنياً، وهي تشمل 80% من أراضي 1967، ويدخل من ضمنها كافة المناطق الزراعية حول القرى الفلسطينية، والشوارع والطرقات المؤدية للمدن والقرى والبلدات الرئيسة.
أما القدس فيعتبرونها اسرائيلية بالكامل وخارجة عن التصنيفات الثلاثة.
باختصار كانت ٨٠٪ من أرض فلسطين محتلّة، وبعد ٧ أكتوبر أصبحت كل فلسطين مُحتلة.
تقول الصديقة سميرة حليلة من فلسطين:
"لا يحق لأي فلسطيني أن يحفر بئر ماء في أية قرية أو مدينة فلسطينية، وخاصة في القدس، لزراعة أرضه، حتى لو كان يملك الأرض التي يريد أن يحفر فيها، ولا يمكن للفلسطيني أن يُعطى تصريح للبناء على أية قطعة في أرض فلسطين، وبالطبع التشديد الأكثر على عرب القدس، ولا يحق للفلسطيني شراء أي أرض أو استملاك أي عقار في القدس، ولا يمكن لأي فلسطيني أن يسجل أولاده في أية جامعة مقدسية حتى لو كان من عرب أراضي 1948".
أليس هذا هو الإرهاب بعينه؟
وتتحدث أفنان الفلسطينية المقدسية عن معاناتها من تعسف المستوطنين اليهود في القدس قائلة: "كان لي بيت صغير في القدس ورثته عن أبي، وأبي ورثه عن جدي، وكان كل ما يحتويه غرفة وحمام ومطبخ، ويتوسط البيت مكان صغير زرعت فيه كل ما يمكنني زراعته، وكنت مضطرة أن أغادر بيتي إلى رام الله لمدة أقصاها شهر واحد لظروف العمل بين الفينة والأخرى، وذات يوم اضطررت أن أبقى لمدة شهر متواصل في رام الله، وبعدما رجعت إلى داري في القدس، فإذا بي أجد أن مفتاح بيتي لا يفتح بابه، فكسرت القفل ودخلت وسكنت في بيتي، وبعد أيام قليلة، فإذا بالجيش الصهيوني مع أحد المستوطنين، يحاصروني، ويأمرونني بالخروج من البيت، وعلى الرغم من القوة والعنف والإكراه قاومت، وصرخت قائلة: هذا بيتي ورثته عن أبي وجدي، وهو ليس للبيع مطلقًا، فرد المستوطن بل هو للبيع، وهذه ورقة شرائي له سواء شئت أم أبيت! لجأتُ أنا وأهلي إلى محامي، وصرنا نطرق عتبات المحاكم كل يوم، فأرسلوا عصابة لسرقة الأوراق الثبوتية لملكيتي للبيت من مكتب المحامي، وأحرقوا مكتبه بما فيه، وفي كل مرة يصدر حكم من المحكمة بأن البيت لي، لكن واقعياً لا أستطيع دخول بيتي ولا العيش فيه، وصرنا في لعبة التحدي، فكلما غيرت قفل الباب، كسره المستوطن ووضع قفلاً جديدًا، وسكن فيه، وهو كلما غير القفل كسرته أنا ووضعت قفلاً جديدًا وسكنت فيه، لم أذق طعم النوم منذ 2002 وحتى 2007 وأنا على هذا الحال والمنوال، إلى أن جاءت اللحظة القبيحة التي لم يعد فيها حتى أستطيع أن أكسر قفل باب بيتي، حينما واجهني المستوطن عند الباب، وأشهر المسدس في وجهي، ووضعه على رأسي قائلاً: إن رأيتك هنا مرة أخرى، فإني سأفرغ كل ما في هذا المسدس في رأسك العنيد، وأدفنك هنا بكل سعادة".
كل ذلك حدث قبل ٧ أكتوبر، يسرقون الأرض ويطردون الناس من بيوتهم عنوة، يقتلون، يحرقون الشجر، أليس هذا هو الإرهاب؟
هذا غيض من فيض لما يعانيه شعبنا في الأرض المحتلة، في القدس الشريف، وغزة والضفة، منذ ٧٥ عاماً، وللمفارقة وللتذكير يا عرب، فإن الصهيوني لا يُسمي الفلسطيني إلا بلقب العربي، والقدس عروس عروبتكم..
فيا أيتها الشعوب العربية تضامنوا بكل الوسائل مع قدسكم وأقصاكم، ويا عرب الأعراب متى تنقذون عروبتكم؟
-----------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو