19 - 07 - 2025

مصر في مواجهة التحديات.. شعب لا يعرف الانكسار

مصر في مواجهة التحديات.. شعب لا يعرف الانكسار

تمرّ مصر في هذه الفترة بلحظات دقيقة ومفصلية، إذ تتعدّد التحديات على مختلف الأصعدة، من اقتصادية ومعيشية، إلى تحديات إقليمية ودولية تفرض ضغوطًا على القرار الوطني، بينما يواجه الشعب المصري صعوبات يومية ترتبط بغلاء الأسعار وتراجع القوة الشرائية، إلى جانب توترات سياسية إقليمية. وفي ظل هذه الظروف، تبرز تساؤلات حول قدرة الدولة والشعب على تجاوز هذه الأزمات، وكيفية الخروج من النفق المظلم نحو أفق أكثر استقرارًا وأمانًا.

لكن قراءة التاريخ المصري تكشف أن ما تمرّ به مصر اليوم، ورغم صعوبته، ليس جديدًا على هذا الوطن. فقد واجهت مصر محنًا أشد قسوة، واستطاعت النجاة بل وصناعة مجد جديد في كل مرة، حين توفرت القيادة الحكيمة، والإرادة الشعبية، والتضحية من أجل الوطن.

ومن أبرز اللحظات التاريخية التي يمكن استدعاؤها للمقارنة، تلك التي عاشتها مصر في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، حين اجتاحت جيوش التتار العالم الإسلامي بعد أن دمّرت بغداد وأسقطت الخلافة العباسية، وبدأت تزحف نحو مصر، آخر قلاع العالم الإسلامي آنذاك. كانت مصر آنذاك تعيش فوضى سياسية بعد مقتل السلطان أيبك، وصراعات على الحكم بين أمراء المماليك وشجرة الدر، في ظل خيانات داخلية وتآمر من بعض القوى.

في خضم هذه الفوضى، وُلد الأمل من قلب المحنة. ظهر سيف الدين قطز، القائد الذي جاء من خلفية متواضعة، وكان مملوكًا صغيرًا قبل أن يرتقي في سلّم القيادة بفضل حنكته وشجاعته. لم تمنعه الظروف ولا الفتن من تولّي المسؤولية، فوحّد صفوف المماليك، وأعدّ الجيش، وواجه التتار في معركة عين جالوت عام 1260م، وحقق نصرًا تاريخيًا أعاد للمسلمين ثقتهم وغيّر مجرى التاريخ.

إلى جانبه، لمع نجم الظاهر بيبرس، القائد الشجاع والسياسي الذكي، الذي واصل الدفاع عن مصر وأسس لاحقًا دولة قوية امتدّ نفوذها، وكانت ملاذًا للمسلمين الفارّين من بطش المغول. كل ذلك حدث رغم الخيانات، ورغم أن كثيرين فقدوا الثقة في القدرة على الصمود.

الرسالة التي يقدمها هذا التاريخ أن الأزمات تفرز القادة، وأن الشعوب القوية لا تنهار تحت الضغوط، بل تخرج من داخلها من يحمل لواء النجاة. وهذا ما يحتاجه المصريون اليوم: تذكّر أن الشدائد لا تعني النهاية، بل قد تكون لحظة ميلاد لقادة جدد، وأفكار جديدة، ووحدة وطنية تُخرج مصر مما هي فيه إلى ما تستحقه.

ولعلنا اليوم، وسط كل هذه الضغوط، بحاجة إلى زرع الأمل، وإحياء قيم مثل الشجاعة والانتماء، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام التحديات. فكما قال سيف الدين قطز قبل معركة عين جالوت: "يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن؟"
------------------------------
بقلم: إبراهيم خالد


مقالات اخرى للكاتب

مصر في مواجهة التحديات.. شعب لا يعرف الانكسار