18 - 07 - 2025

رشقة افكار | سوار كاحل مكهرب.. لمراقبة الصحفيين الجدد!

رشقة افكار | سوار كاحل مكهرب.. لمراقبة الصحفيين الجدد!

(قبل أن تقرأ)

قررت ادارة قرية مراسي  في الساحل الشمالي  ان تفرض على الزوار ارتداء سوار كاحل مكهرب.. لضمان التزامهم ومنعهم من ارتكاب أي مخالفات مثل الاقتراب من البيتش أو التفكير في السويمنغ في البحر أو الاستفسار عن أي شيء يتعلق بالشاطيء.

السوار مرتبط بغرفة تحكم.. يستطيع فيها الموظف المناوب التحكم في قوة الموجة الكهربائية.. الموجهة للزوار المخالفين، كل حسب مخالفته ومدى الحكم علي وقاحة تصرفاته.

يبدو أن الفكرة ملهمة بلا حدود.. فإذا كانت قرية سياحية تريد التفتيش والرقابة على الزوار وضبط إيقاع وجودهم فيها والتحكم التام فيه .. فإن الفكرة ليست ملهمة فقط بل مغرية، لكل مسؤول صحفي مخابراتي او مباحثي.. يسعى  في ارض مؤسسته الصحفية لنقل دبة النملة فيها - وفى  الوسط الصحفي كله إن أمكن - إلى أبينا الذي في المباحث.

***

بعيدا عن دهشتي الممزوجة بالحزن.. من عزوف  يحيي قلاش نقيب الصحفيين الأسبق عن الترشح للمنصب في دورات سابقة .. كونه رمزا للعطاء النقابي والجسارة.. إلا أنه في واقع الأمر مازال كثير منا - بمن فينا النقيب الحالي خالد البلشي - يتعامل مع "قلاش" على أنه مايزال نقيبا شرفيا.. يشار اليه كرمز للاستقلال في المواقف.. و الانتصار للحريات.. مارس دوره هذا بمزيج من الصمود واللباقة في آن واحد.

يضاف إلى ذلك أيضا انه يشار إليه  كرمز للاستغناء .. لعزوفه عن الترشح والاستمرار في موقعه .. مؤثرا أن يدعم دماء جديدة .. تجدد شرايين العمل النقابى.. وتنخرط  - كما فعل .. هو ونقباء - يشار إليهم بكل التقدير - في الدفاع عن حقوق واماني ومطالب الصحفيين .. واستقلالهم  المهني والفكري ..واستقلال نقابتهم تماما عن السلطة.

لذلك لم يكن غريبا أن يكون التيار الذي ينضوي - قلاش - تحت لوائه.. ونحن معه - هو تيار الاستقلال الذي حمل مجددا النقيب الحالي خالد البلشي إلى منصبه للمرة الثانية باغلبية كاسحة.

- قبل سنوات قلائل حمل الى المنصب الرفيع نقباء من وزن جلال عارف وكامل زهيري [نقيب النقباء كما يسميه يحيي قلاش].

تيار الاستقلال يصيب "الآخرين" بالارتكاريا .. بأكزيما لا علاج لها.. يراجعون متخصصين كثر: أطباء .. دجالين.. أمنيين .. يلتزمون بوصفات طبية كثيرة.. ولكن  دون جدوى.. مازالوا على هذا الحال حتى الآن ..  تثور حفيظتهم كلما ذكر اسمه - الاستقلال - فهو يغلق عليهم باب الغرف من ملذات "السلطة" ..  السلطة  بالنسبة لهم  "بابا وماما وأنور وجدي".. لا يستغنون عنها أبدا.. ولتذهب المبادئ والحريات والمهنية والاستقلالية إلى الجحيم.

دائما كان هناك نفر من زملائنا {بكل اسف} ممن تتسق تركيبتهم النفسية مع السلطة .. فيطيعون الأوامر.. إلى حد أنهم يعملون كمخبرين .. وربما يتقاضون مرتباتهم مرتين.. من الصحافة ومن المباحث. لا يتورعون عن الوشاية أو الخيانة - لافرق - يكتبون التقارير عن زملائهم .. وعند مواجهتهم لا يتورعون  عن الرد  - والردح - وفقا لمعطيات مثل عامي شهير يقول:" كلم {ال ….} تلهيك وترزيك .. واللي فيها تجيبه فيك".

هؤلاء موجودون بكل مافيهم من  انحدار .. يمتلئون  بكل ما هو دخيل من سلوكيات وأفكار على مهنتنا المقدسة.. بكل مافيهم  كـ" قطع قماش ممزقة" بتعبير ساخط للكاتب الكبير صلاح عيسى.

مخبرون دخلاء على مهنة الصحافة ..  يتكاثرون ببجاحة.. توالدوا فى فترات صراعات انتخابية سابقة ..  

عندما تلاقت إرادة بعض الكبار - الصغار في الحقيقة -  مع نفر من العاملين تحت إمرتهم يحققون مصالحهم..  أوعزوا إليهم بأن يجهزوا أوراقهم ولو بالتزوير .. وهكذا ولد تحالف النماذج المشوهة.. من مسؤولين كبار {..} في المؤسسات.. وصغار السكرتارية و الشماشرجية والتشهيلاتية المؤتمرين بأوامر اسيادهم.. وهكذا قدم مخبرون وأمنجيون أوراقا جاهزة ومكتملة.. ومزورة بالطبع .. وقيدوا بجداول النقابة.. و اصبحوا كوتة أصوات - نفايات في واقع الأمر - تستخدم في المعارك الصحفية.. سبا وقذفا وبلطجة وتفتيشا أمنيا و مكارثية جديدة في العقول والضمائر.

هؤلاء الذين أدخلوا النقابة بليل يشبهون عساكر المراسلة.. ينفذون التعليمات بالضبط .. فقد كانوا سكرتارية رؤساء ومدراء تحرير.. وربما  "مخبرين " - او مخربين - للمؤسسة الأمنية بفروعها ودرجاتها.. هؤلاء  المراسلة ربما وصل بعضهم الآن الى مناصب مؤثرة في مؤسساتهم الصحفية.. وبالتالي يريدون أن يحولوها فروعا للمباحث.. ولعلهم يستلهمون من فكرة سوار الكاحل - انظر أعلاه- التي طبقتها قرية مراسي على الزائرين.. وعن طريقه تتحكم في كل تصرفاتهم .. فيفعلون ذاك مع الصحفيين الجدد للسيطرة عليهم.

ذات بوست كنت أكتب منتقدا استمرار أزمة عدم إفصاح الحكومة - وتحديدا وزارة المالية- عن  أي معلومات تخص بدل التدريب والتكنولوجيا.. كانت المفاجأة أن زميلين انبريا للدفاع عن الحكومة والوزير !  

- هذان الزميلان لا يقبلان أن يوجه نقد الى وزير المالية.. أو إلى الحكومة .. والدولة برمتها.. وإنما يسعدهما أن يلبس الصحفيون الجدد "سوارا في الكاحل" يمنعهم من تأييد تيار الاستقلال أو يشيد بالبلشي او يمجد سلالم نقابة الصحفيين.. وإنما يوجه النقد والتوبيخ الى النقيب وتياره باعتباره تيارا يساريا يمثل وبالا علي النقابة لأنه  يعادى الدولة.. ويتحداها ويسمح للقوى الوطنية بتحويل سلالم نقابة الصحفيين إلى منصة للتعبير العلني عن معارضة النظام والمطالبة بالحريات وجعلها منبرا  للمقاومة.

نحن في زمن تبجح فيه أصحاب المصالح بطلباتهم .."عاوزين خدمات مش عاوزين نضال.. عاوزين أرض زراعية وشقق سكنية وأضخم زيادة في البدل"..

هؤلاء لا تعنيهم قضايا المهنة ولا استقلال الصحفي ولا حريته.. ولا تجديد الدماء في  المؤسسات.. بل لا يتورعون عن مطاردة الصحفيين الجدد والتفتيش في انتماءاتهم وأفكارهم !

في جانب من هذه الافكار الأمنية نشأت بكل قسوة أزمة الصحفيين المؤقتين.. فهناك من يريد أن يضمن دخول الجميع الحظيرة ولا يشذ عن القطيع.

فكرة التفتيش في عقول وأفكار وانتماءات الصحفيين المؤقتين في المؤسسات تنبت فقط في عقول المباحثيين.. والذين لا يريدون حلا للمؤقتين قبل ضمان ولائهم و غسيل مخهم بالكامل.

يريدون لهم قبل اتمام تعيينهم أن يرتدوا "سوار الكاحل" إياه لمنعهم من الخروج على أي نصوص تناويء الدولة!

كيف يعمل هذا العقل المنافق؟

لماذا يحاول بعضهم الآن إعادة انتاج المكارثية وتوظيفها  هنا في مصر .. رغم أنها أساليب عفى عليها الزمن.

المكارثيون الجدد يريدون أن يقلدوا  محاكم التفتيش الأميركية.. ويفكروا في إعادة إنتاج المكارثية في الصحافة المصرية ..

- يريدون السيطرة من المنبع على الأجيال الجديدة.. فمن كان منهم من ذوي الضمائر الحرة.. التي تنادي بالحرية للصحفي في عمله .. والحصانه له في مجتمعه.. لا  يتم دعمه ومساعدته وبالتالي عدم تعيينه؟  هذه النماذج مرفوضة من جانبهم وبالتالي يرفضون تعيينهم .. فإما أن يرتدوا سوار الكاحل المكهرب الذي يفتش عليهم ويراقبهم ويرفع التقارير عنهم.. أو يبقون  هكذا في مكانهم مثل البيت الوقف أو الزوجة الناشز ..

التعيينات فقط لنماذج السمع والطاعة للفاشية الجديدة "الأمنجية والدولجية".. تلك هي مسوغات التعيين .. اغسل مخك القديم ..على طريقة انسف حمامك القديم - و انسف كذلك ما رسخ في وجدانك وقر في عقلك بأن "حرية الصحافة هي واحدة من أعظم حصون الحرية ".!

(بعد ان قرأت:)

التحدي الرهيب الذي يواجه  الصحفيين المصريين ونقابتهم العريقة هو: هل تستطيع أن نطبق توصيات المؤتمر العام السادس.. حتى نجدد دماء المهنة ونوقف أساليب تجميد التطور البشري الحاصل الآن في مؤسسات تمنع التعيين سنوات وسنوات .. أم  سيلبس الصحفيون تباعا سوار الكاحل المكهرب.. ويدخلون الحظيرة.. ثم نبتهل جميعا ونسبح بحمد أبينا.. الذي يدير أحوال المخبرين؟
-------------------------------
بقلم: محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

رشقة افكار | سوار كاحل مكهرب.. لمراقبة الصحفيين الجدد!