18 - 07 - 2025

شهاب الجانى والمجنى عليه

شهاب الجانى والمجنى عليه

كتبت فى هذا الموضع قبل بضعة أشهر ثلاث مقالات تباعًا بعنوان "سوفت مفقود وهارد متلوف"، وفيها ذكرت أنه لنقيم أمة صالحة ونشئًا مستقيمًا فعلينا إصلاح (سوفت وهارد) الشعب، وذكرت فيها أن (السوفت) الذى أعنيه هو التثقيف والتعليم مدرسيًّا وغير مدرسى، وأن (الهارد) هو مرافق الناس ومعايشهم وضرورات حياتهم، فلما بلغتنى مرئية "شهاب من عند الجمعية" وما بها من قبح اللفظ والرمز والإشارة التى جاء بها شهاب لقائد إحدى المركبات بالأوتوستراد، ثم بلغنى أن إحدى المحاكم قد قضت بعد ذلك على "شهاب" بإيداعه عامين بإحدى المؤسسات العقابية (الإصلاحية فى اللفظ المصرى الشائع)، وذلك لأنه حَدَث دون الثامنة عشرة.

وقد اختلف الناس فيه ما بين مشفق عليه لصغر سنه، وآخر قد أرضاه الحكم وقرَّ به عينًا ليكون لمن خلفه آية، وما بين المشفق على شهاب، والراضى عن الحكم، وقفت طائفة من الناس تزن فعل شهاب لا بميزان القانون، فقد أخذ القانون حق المجتمع من شهاب، لكن بميزان العدل فإن شهاب كانت له حقوق عند دولته ومجتمعه وقد ِحيل بينه وبينها، ولو أمكنته الدولة من حقه الذى هو له فلربما تبدل حال شهاب فكان مواطنًا أنفع وأصلح، ولو كان الأمر إلىَّ لجعلت شطر عقوبة شهاب على الوزارات التى أهملته هو وأمثاله، ولألزمتها إصلاح ما فسد.

فإنه مما يبدو للناظر من هيئة شهاب ومنطقه وكلام والده أنه بعيد من كل تعليم مدرسى أو غير مدرسى، وأن الوزارات المعهود لها بالتثقيف والتعليم كانت كذلك بعيدة منه ومن أشباهه، فهو متسرب من التعليم المدرسى، بل لعله لم يأتِ شيخًا فى كُتّاب قَطُّ، زد على ذلك أن والديه منفصلان، ولا أحسب أن وزارة الثقافة قد تعهدت مثله بندوة أو محاضرة  لتثقيفهم، ولا أظن أن دعاة الأوقاف قد تعهدوا أهل الدويقة بالزيارات والحلقات ليعلِّموهم الخير، ويكفوهم عن الغَىِّ، ويهدوهم سواء السبيل، فإذا كانت هذه مُدخلات (سوفت وير) شهاب، فأى مخرجات ننتظر من فمه ويده ومفكه؟!

لقد اشتمل شهاب على (سوفت وير) ردىء اجتمع له من غياب التعليم والتثقيف، ومن أغانى المهرجانات، وأبطال المسلسلات، وبلطجية المواقف، ومشاغبى الأحياء الشعبية، فهؤلاء هم قدوة شهاب ومعلموه، وهؤلاء هم من ثقفوه بالذى قد رأيناه وسمعناه.

أما (هارد وير) شهاب أو بيئته التى أخرجته للناس، فقد طالعنا بعضها على بعض المرئيات التى أُذيعت من حيّه ومسكنه، ولست أنا ولا القارئ بحاجة أن نفيض فى وصف بيئة شهاب إذا علمنا أن مسكنه بحى (الدويقة) الذى هو من أردأ أحياء القاهرة ومصر معيشةً وأمانًا ومرافقًا! وبعض حجرات أهله أشبه بحظائر غير الآدميين.

إن كثيرًا من الجرائم لا تحتاج فى منعها شرطة ولا قضاء، ولكن تحملها الشرطة والقضاء والمجتمع نيابة عن وزارات  قصّرت أو أريد لها التقصير فى الرعاية والعناية والإصلاح، ولو أنها قامت بعملها على الوجه المرجو فى إصلاح (سوفت وهارد) هذه الأمة الكريمة لقلّت تلك الجرائم، فلو تخيلنا أن شهاب هذا نال حظًّا من التعليم المدرسى، وتخولهم بعض دعاة الأوقاف بزيارات تدعو وترشد وتعلم، وأقامت لهم وزارة الثقافة ندوات تثقيف بأى أرض فضاء هناك، ولو أن الشؤون الاجتماعية أو غيرها قد تعهدت هؤلاء بإصلاح معايشهم، ورفع البؤس عنهم، وإعطائهم الحق الأدنى من المعيشة الكريمة، أكنت تظن أن يخرج علينا مثل شهاب؟!
-------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

شهاب الجانى والمجنى عليه