دخلت أزمة رواتب موظفي إقليم كوردستان منعطفًا حاسمًا اليوم، الخميس 17 يوليو 2025، بعد أن صادق مجلس الوزراء الاتحادي العراقي، برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على مذكرة التفاهم الموقعة مع حكومة الإقليم والمتعلقة بملفات النفط والإيرادات غير النفطية وصرف الرواتب، في خطوة وُصفت بأنها “اتفاق تاريخي”.
لكن وراء هذا الإنجاز يقف بافل جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، الذي لعب الدور الأبرز في تفكيك عقدة الخلافات المتراكمة بين أربيل وبغداد. فقد تحرك طالباني بحنكة سياسية عالية، قاد خلالها سلسلة من المفاوضات واللقاءات في بغداد مع كبار المسؤولين، أبرزهم رئيس الوزراء السوداني ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، ما مهّد الطريق لإنجاح الاتفاق بعد سنوات من الجمود.
وتكللت جهوده بزيارة حاسمة إلى بغداد، جاءت بعد الاجتماع التاريخي الذي عُقد في 13 يوليو الجاري بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني. هذا الاجتماع لم يكن مجرد لقاء اعتيادي، بل شكّل تحولًا استراتيجيًا عندما أعلن الحزب الديمقراطي دعمه الكامل لمبادرة طالباني. بذلك، توحد الموقف الكوردستاني لأول مرة منذ فترة طويلة حول هدف واحد: إنهاء أزمة الرواتب وإعادة بناء الثقة مع بغداد.
وأكدت تقارير أن مجلس الوزراء وافق على إرسال رواتب شهر مايو لموظفي ومتقاعدي الإقليم، مقابل التزام حكومة كوردستان بتحويل 240 مليار دينار عراقي من الإيرادات غير النفطية عن شهري مايو ويونيو إلى الخزينة الاتحادية. الاتفاق لم يقتصر على الرواتب فقط، بل شمل تفاهمات أوسع حول إدارة الموارد المالية وآليات تبادل المعلومات، بما يعزز الشفافية ويغلق أبواب الخلافات المستقبلية.
مصادر مطلعة شددت على أن هذا الاتفاق لم يكن ليبصر النور لولا الجهود الاستثنائية التي بذلها طالباني، الذي أعاد وضع ملف الرواتب في صدارة أولويات الحوار بين أربيل وبغداد. المراقبون وصفوا دوره بـ”القاطرة” التي سحبت قطار المفاوضات المتعطل لسنوات.
وفي السياق ذاته، اعتبر الخبراء أن الدعم المعلن من الحزب الديمقراطي الكوردستاني لمبادرة طالباني كان الضمانة السياسية لإنجاح التفاهم، حيث تخلت الأحزاب الكوردية عن خلافاتها الداخلية واصطفت خلف هدف استراتيجي يتمثل في تأمين حقوق موظفي الإقليم.
الاتفاق يأتي في ظل أزمة مالية عميقة تعود جذورها إلى سنوات من الخلاف حول صادرات النفط وتقاسم الإيرادات، وهي أزمة تفاقمت في الآونة الأخيرة مع توقف صرف الرواتب لفترات طويلة، ما أثار غضبًا شعبيًا وضغوطًا سياسية متزايدة.
ويرى محللون أن نجاح هذا الاتفاق يشير إلى ولادة مرحلة جديدة في العلاقة بين بغداد وأربيل، تقوم على المصالح المشتركة والحوار البنّاء، مؤكدين أن ما تحقق يعود الفضل فيه بدرجة كبيرة إلى القيادة السياسية التي مارسها بافل جلال طالباني، وحكمة إدارة التوازنات التي أظهرها في التنسيق مع القوى الكوردية الأخرى، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
ومن المتوقع أن يسهم هذا التفاهم في تخفيف الاحتقان الشعبي في الإقليم، وتخفيض حدة التوتر السياسي بين أربيل وبغداد، وفتح الباب أمام حلول أوسع تشمل ملف تصدير النفط عبر تركيا وحصة الإقليم في الموازنة العامة.
ويرى المراقبون أن هذه اللحظة السياسية تشكّل علامة فارقة في مسار العلاقات الاتحادية الكوردية، حيث نجح الاتحاد الوطني الكوردستاني، بقيادة طالباني، في أن يكون صانع الحل ومهندس التفاهم، بدعم حزبي واضح من الحزب الديمقراطي الكوردستاني.