في سرية تامة وهدوء قاتل، وبعيدًا عن الإعلام وعن الناس اللئام، قررت الدولة المصرية أن تجري الاستحقاق البرلماني الأول "مجلس الشيوخ".
فجأة تذكر المواطن أن هناك غرفة أخرى في البرلمان المصري، وأن انتخاباتها قد حضرت سريعًا، وأن عليه أن يتابع، وربما يشاهد، وإن كان لديه وقت فراغ أن يصوت فيها قدر الإمكان.
في الحقيقة أن المواطن في الأساس غير مهتم، وربما يكون ارتفاع سعر أسطوانة البوتاجاز أهم لديه من الحياة البرلمانية ذاتها، وخاصة بعدما فقدت تمامًا وظيفتها الأولى وهي "الرقابة"، فطبقًا للدستور المصري "دور البرلمان هو التشريع والرقابة"، فبقدرة قادر أصبح دوره التشريع فقط، حتى أنه أصبح عاجزًا عن إحضار وزراء بعينهم للمجلس، ومع أن هذا يكفله له القانون والدستور، ولكن ربما له محاذيره الخاصة "على طريقة العظيم أحمد زكي في فيلم ضد الحكومة".
الحقيقة تابعت الأسماء المرشحة في كل محافظات الصعيد، وخاصة الذين تمكنوا من النجاح فعليًّا قبل الانتخابات نفسها بثلاثة أسابيع، فيما عرف بنظام "القائمة"، وهو للحقيقة - كما ذكره "جان جاك روسو" في كتابه الشهير "العقد الاجتماعي" عام 1762 - أحد أسوأ النظم الانتخابية في العالم، خاصة إن كان في مجتمعات غير ديمقراطية، وأن وجوده مقترن بوجود مجتمع صحي يفرز أكثر من ثلاثة قوائم، يقودها شخصيات متوازية ومتوازنة، إلى جانب وجود شروط تتعلق بالدعاية والسماح بالانتشار العادل.
لا أعرف أسس الاختيار، ولكن عن تجربة شخصية في محافظتي، لا أعرف من بين مرشحي القائمة - وأنا المنوط بي بحكم عملي المتابعة - لا أعرف بينهم إلا مرشحًا واحدًا بحكم الصداقة والزمالة، ولم يتطرق سمعي للآخرين، وهو ذات الحال في محافظات مجاورة.
لا أعلم هل الديمقراطية تتغير بتغيير المكان والزمان، أم هي ثابتة وتعني "حكم الشعب للشعب"؟ وقطعًا فإن مصر تعج بقيادات عظيمة في جميع المجالات، وفي الأساس فإن مجلس الشيوخ يفترض أن يتشكل من "الحكماء" الذين يتدارسون القوانين في هدوء وخبرة قبل تحويلها لمجلس النواب، والصعيد به ما يقارب 50 ألف حامل دكتوراه، وما يوازي 7 آلاف أستاذ جامعة؛ بينهم وزراء سابقون وقضاة عظام، كنا نراهم يزينون قاعة المجلس في السابق.
وأما أجمل ما في هذه الانتخابات التي تولد "في هدوء" هو إصرار قطاع من الشباب على المشاركة، وخوض التجربة، وإسماع صوتهم أيًّا كانت النتائج، وهذه هي الإيجابية الوحيدة في هذه الرواية حتى الآن، ونحن نساند تجربتهم، ونساندهم لضخ دماء جديدة في شرايين أصيبت بالتصلب والانسداد، ولا حياة فيها ولا دماء.
---------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ