14 - 07 - 2025

العجوز والحسناوات والذكاء الاصطناعي

العجوز والحسناوات والذكاء الاصطناعي

أولاً - بشرى للكهول: الكهل ذو المنقار الطويل والبكيني

عندما رأيته للمرة الاولى يتجول في بركة السباحة في الفندق الخمس نجوم، الذي أرتاد مرافقه مرتين كل أسبوع، ظننته هيكلا عظميا لجثة أخرجوها من المقبرة وقلت في نفسي (كيف نساك عزرائيل حتى الآن - فالرجل لا يقل عن ٨٥ عاما وربما يزيد). ما لفت نظري ليس جسده النحيل (جلد على عظم) ولا التجاعيد التي تملأ كل وجهه ولا شريط الشعر الأبيض بعرض ٢ سنتيمتر الذي يلتف كالأفعى أسفل رأسه على شكل نصف هلال ولا صلعته التي تشكل ٩٩ في المئة من مساحة رأسه، ولكن ما لفت نظري هو شكل أنفه الضخم الطويل العريض - ذي الفتحتين الواسعتين - الممتد للأمام مع انحناءة للأسف وكأنه سنم بعير. هذا الأنف يذكرني بمنقار طائر يسمى (أبو مركوب) ويذكرني كذلك بأشكال مناقير الطيور التي تتحدث عنها الأساطير اليونانية القديمة.

هذا العجوز ذو الأنف المنقار الذي تشبه فتحتاه شكمان (إجزوست) شاحنة ١٨ سلندر يعيش حياة رفاهية ويتشبث بما تبقى له من العمر بطريقة غريبة. على الرغم من أن ما يفعله العجوز يشي بأنه لا يحترم سنه ولا شيبته ولا وضعه الاجتماعي، ولكن سلوكه يرسل رسالة أمل لكل كهل أو مُسن قابع في دار العجزة أو جالس في الشرفة بجوار رفيقة عمره الطاعنة في العمر، يشكو من الأمراض ويسعى لإيجاد حلول لمشاكل أحفاده. في البداية ظننته من العراق لأن الفتاة الجميلة التي كانت معه في أول مرة أراه فيها في حمام السباحة كانت تتحدث بلهجة أقرب للهجة أهل العراق، وكنت أظن أنها ابنة حفيدته وقلت لنفسي (كيف يسمح هذا الكهل لهذه الفتاة الحسناء الفاتنة ذات القوام المهلبية أن تتعرى بهذا الشكل المثير للعاب الذئاب البشرية ويتركها ترتدي هذا المايوه البيكيني الوردي الذي لا يواري من عورتها شيئا ). 

كان الرجل في بعض ملامحه يشبه جاري العراقي ابن البصرة الحاج سلمان الذي كان يسكن بجواري في مدينة إنديانا في أمريكا في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، بعدما فر هاربا من نظام البعث العراقي. عموما تبين لاحقا أن الفتاة ليست عراقية بل من دولة مجاورة على حدود العراق. في كل مرة كنت اذهب فيها لحمام السباحة كنت أجد بصحبة الرجل أبو منقار فتاة صغيرة في السن أحيانا سمراء وأحيانا شقراء أحيانا خمرية البشرة وأحيانا ذات بشرة ثلجية اللون، أحيانًا آسيوية وأحيانا تشبه نساء أوروبا الشرقية وأحيانا عربية ونادرا إفريقية. وكان النادل يحضر لهما الويسكي والسجائر بجوار بركة السباحة وكانا يحتسيان النبيذ ويدخنان السجائر بعد قضاء فترة في المياه. 

كان حمام السباحة دائما شبه خال في الصباح، وكنت أذهب باستمرار في هذا الوقت المبكر لأسبح لمدة ساعة قبل أن تحرقني أشعة الشمس. كنت أذهب في الثامنة صباحا لأجد الرجل ومعه إحدى الفتيات جالسين على حافة بركة السباحة، وبعد فترة تبدأ الفتاة في خلع جميع ملابسها تاركة البكيني، وكذلك يخلع العجوز ملابسه وينزلان إلى الحمام، حيث تبدأ جولة تلو جولة من المداعبات التي كانت تثير اشمئزازي. العجوز أبو منقار يتصرف كشاب يافع - يحتضن الفتاة ويضمها لصدره الخالي من الشعر ويقبلها من حين لآخر ويمسك بصدرها ومؤخرتها ثم يطلب منها أن تستلقي على ظهرها ثم على بطنها ويحملها بين ذراعيه النحيلين. كنت أشاهد ما يحدث وأراقب رد فعل الفتاة التي كنت أشفق عليها وأتساءل عن الأسباب التي دفعتها للوقوع في شراك هذا العجوز الذي أكل الدهر عليه وشرب. ولكني كنت أركز على منظر أنف الرجل المخيف وهو ينظر للفتاة من حين لآخر وكانت عيناه تشبه عيني ذكر الحرباء، بينما كان يبتسم ويداعب الفتاة بكلمات لا أسمعها.  

في يوم السبت الموافق ١٢ من يوليو ٢٠٢٥، وهو اليوم الذي كتبت فيه هذه المدونة ذهبت باكراً لنفس المكان، وجاء الرجل متأخرا نصف ساعة وكان بصحبته فتاة تشبه فتيات دول أمريكا اللاتينية وبعدما خلعت الفتاة ملابسها وتعرت تماما، وجدت أن جميع مناطق جسدها لا تخلو من رسمات بالتاتو - صلبان على يديها وأشكال حيوانات وحشرات على فخذيها وظهرها وصدرها ورقبتها وكأنها رسمت حديقة الحيوان على جسدها. الفتاة في بداية الثلاثينيات وهي جميلة ومثيرة مثل باقي النساء اللائي يأتين مع الرجل أبو منقار. شربا البيرة معا وهما بجوار البركة وكان الرجل يدخن سيجار وهي تدخن سيجارة إليكترونية - فيب. 

بسبب تكرار مشاهداتي لهذا العدد الكبير للفتيات في صحبة هذا الكهل قررت أن أجمع عنه بعض المعلومات. ناديت أحد العمال وكان قد أخبرني من قبل أنه من الذين يعملون في الفندق منذ سنوات طويلة وأعطيته مبلغا من المال وسألته عن الرجل والفتاة، فقال لي أن الفتاة من المكسيك والرجل لبناني يقيم في جناح في الفندق منذ أكثر من ١٠ سنوات وهو صاحب بيزنس أو شركة في المدينة وفي كل أسبوع تأتي فتاة مختلفة لتقيم معه وقلما استمرت الفتاة أكثر من أسبوع. استمرت مشاهدتي للفزع الأكبر (هذه الأجساد الممشوقة العارية المثيرة) لمدة تربو على تسعة شهور. 

وبعدما رأيت كل ألوان المايوهات البكيني - أسود وأحمر وازرق ووردي وبنفسجي الخ. تذكرت أحد سكان قريتنا وكان فلاحا قرويا يعمل لدينا في الحقل. ذات يوم طلب مني اصطحابه معي إلى مدينة بور سعيد عندما كانت منطقة حرة قبل أن يخربها لصوص الحزب الواطي/ الوطني الديمقراطي أيام مبارك. كانت الملابس هناك رخيصة وكان القروي يريد شراء ملابس لأولاده. في بورسعيد كانت الملابس الداخلية للنساء تباع فوق عربات في الشارع التجاري الشهير في بورسعيد.  وبينما كان القروي يبحث عن محل لبيع ملابس الأطفال لفت نظره نوعيات أخرى من الملابس فوق إحدى العربات في الشارع. 

التقط الرجل قطعة منها تشبه المايوه البكيني وسألني ما هذه؟ قلت له إنها كذا …. تعجب القروي وأصابته حالة من الدهشة وقال لي بأن سروال زوجته يكلفه ثمن ٤ أمتار من القماش وأنها عندما تغسله وتضعه فوق المنشر (حبل الغسيل) في الجهة الخلفية من المنزل، فإنه يغطي مساحة تبلغ ٢ متر ع الأقل لأن حبل الغسيل الذي يكفي بالكاد لوضع السروال عليه يمتد من الشباك/ النافذة إلى الشباك الآخر. وعندما عاتب زوجته لاحقا وطلب منها سراويل أصغر أصرت على رأيها وقالت بأنها تفضل السراويل التي تحميها من برد الشتاء القارس.  لذلك أدعو كل الزملاء والإخوة من الكهول والعواجيز الذين يعانون من سطوة نفس النوعية من السراويل، أن يغيروا نمط حياتهم بسرعة ويتخذوا من هذا الكهل اللبناني الجريء نموذجا يتبعونه ويسيرون على دربه.

لقد رفض هذا العجوز اللبناني وعلى عكس جميع أقرانه - أن يتحول إلى (بَرَكَة) ويقبع بجوار الحاجة أم العيال التي تحمل المسبحة وتدعو له بالشفاء من تصلب المفاصل وارتخاء وضمور عضلات الساقين. وكلمة (بركة) في العامية المصرية تعني (الرجل الذي سلم النِمَر) حسب القول الشعبي السائد بين العوام في مصر. ولفظة (النمر) تعني (لوحات السيارة) وعادة تطلب شرطة المرور من أي شخص أصبحت سيارته خارجة عن الخدمة أو احترق محركها أو لم تعد صالحة للاستعمال - يطلبون منه (تسليم اللوحات للمرور) ثم تحويل السيارة إلى خردة. إذن نحن بصدد مصطلح (بركة) ويعني الرجل الذي يشبه (القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) والقول الشعبي (فلان خلاص سلم النمر) ويعني نفس الشيء. 

توضيح وإخلاء مسؤولية: 

فقط أردت أن أوضح في هذا السياق أنني كتبت هذه المقالة ليس لأي أهداف خبيثة أو شريرة قد تخطر على بال بعض المواطنين الشرفاء، ولكني كمستشار في قطاع الترجمة التحريرية والشفوية أردت أن أوضح أن برامج وأنظمة الترجمة الآلية المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لا يمكنها ترجمة لفظة (بركة) العامية ولا القول الدارج (عليه العوض –فلان الفلاني خلاص سلم النمر) ولا عبارة (توتو على كبوتو) ولا المثل الشعبي الشهير (إللي مش عاجبه يشد في حواجبه) أو بعض العبارات الخالدة الواردة في الأغاني الشعبية مثل (أديك في الجركن تركن) أو (السح الدح إمبو) أو (كاتش كادر في الألولو) أو غيرها من كنوز العامية المصرية التي لم يستطع الذكاء الاصطناعي اختراق حصونها.

ثانيا - لا ثقة مطلقة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي

 بلا ريب يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل رائع في العديد من الأمور ولكن يجب اتخاذ الحذر عند استخدامه في أمور أخرى. منذ بضعة شهور استلمت عددا من رسائل الدكتوراه والماجستير من بعض الجامعات بهدف إبداء الرأي فيها وتحديد نسبة استخدام الطلبة للذكاء الاصطناعي أثناء إعداد الأطروحات والبحوث في تخصصات الترجمة وطرق تدريس اللغة الانجليزية واللغويات والأدب المقارن والادب الانجليزي والامريكي ورسالة واحدة في دراسات الميديا ورسالة في الدراسات المسرحية. في البداية قمت باستخدام بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي (أيه آي) التي تحدد نسب الكتابة باستخدام هذه الوسائل وجاءت النتائج لتؤكد أن نسبة تتراوح بين ٧٨ و ٩٣ في المئة من البحوث قد كتبت باستخدام الذكاء الاصطناعي، ولكنني لم أقتنع بذلك لان مستوى بعض الاطروحات كان متدنياً جدا وتشوبه العديد من الأخطاء التي يستحيل أن تمر هكذا على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

 قمت بعمل اختبار مصداقية للذكاء الاصطناعي، فسألته في البداية عن الوزير المتطرف (بن حمير) عقلة الإصبع أبو طاقية الأهبل الذي يطالب بتهجير الفلسطينيين، فأعطاني نتائج مبهرة وحقيقية ويبدو أنه حتى (ال أيه آي) يكره هذا الخنزير القذر. بعد ذلك سألته سؤالا قليل الأدب عن ترامب (أبو حنان) فرفض الإجابة. ثم انتقلت للمسائل المهمة فقمت بكتابة فقرة من ١٠ سطور من بنات أفكاري وبها كلمات بالعامية، وسألت البرنامج عن نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي فجاءت النتيجة ٨٨ في المئة وهنا عرفت أنه كذاب أشر. 

بعد ذلك طلبت منه مرادف لكلمة واحدة في نفس الفقرة، وبعدها سألته عن نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي بعد التغيير الذي تم من خلاله وجاءت النتيجة ٩٩ في المئة.  بعد ذلك استخدمت مقتطفات من قصص كُتاب مثل هيمنجواي وأنطون تشيكوف وقصص أخرى، كتبت في القرن التاسع عشر وقصص ليوسف إدريس وبعض كتابات المنفلوطي وأجزاء من مسرحيات سعدالله ونوس، وجاءت النتيجة أن هؤلاء الكتاب الذين نشروا هذه القصص والمسرحيات عندما كان الذكاء الاصطناعي حيوانا منويا أو جنيناً في رحم أمه - ادعى سعادته أن هؤلاء الأدباء قد استخدموا الذكاء الاصطناعي في مؤلفاتهم بنسب تتراوح بين ٧٩و ٨٤ المئة.  لذلك وجب التنبيه على الزملاء في الجامعات والمراكز البحثية حتى لا نظلم الطلبة وندمر مستقبلهم ونرفض مناقشة رسائلهم تحت ذرائع واهية، ويجب أن نعتمد على العنصر البشري في تقييم هذه الأطروحات مع التأكيد على أن تطبيقات كشف السرقات العلمية، وعلى عكس برامج الذكاء الاصطناعي تعطي نتائج حقيقية يمكن البناء عليها.

طابت أوقاتكم.
------------------------------
بقلم:
 د. صديق جوهر 
* أكاديمي وناقد 


مقالات اخرى للكاتب

العجوز والحسناوات والذكاء الاصطناعي