مما عمّت به البلوى ـ ولله المشتكى ـ أنّه لم يعد يمر يومٌ دون أن تعكر أسماعنا أصواتٌ نشاز، رأى أصحابها أنّ فرس الرهان لتحقيق الشهرة والذيوع هو هدم الثوابت والتجرؤ على الدين؛ ظنًّا أنه ليس له ربٌ يحميه.
فبنظرة سريعة لما أُثير من قضايا لاكتها الألسنة مُؤخرًا، نلحظ استفحال خطر أعداء الدين، الذين جعلوا جُلّ همهم هدم الثوابت والتشكيك في القيم، التي تربى عليها سلفنا الصالح، وأسهمت في تخريج كوكبة من العلماء والمفكرين، سادوا الدنيا، ونشروا العلم في شتى ربوع الأرض.
إنّ ما جرى من لغط وبلبلة جراء الدعوات المغرضة التي روّجها أصحاب الغرض منذ ثورة يناير، التي أكدت أنه ليس هناك مستحيل، أكبرُ دليل على عدم فهمنا لمعنى الثورة، التى كُنا نطمح من ورائها تحقيق الأمن والعدالة والرخاء، فخرجت عن إطارها الصحيح، وصارت ثورة على القيم والأخلاق والفضائل.
والدليل أنه لم تخمد عواصف المشككين فى التراث أمثال البحيرى، والشاتمين للصحابة أمثال ميزو، والمبيحين للزواج العرفي، والموالين للشيعة، حتى دوّى رعدُ الشوباشي، داعيًا إلى خلع الحجاب عبر تظاهرة، تخرج فيها النساء الرافضات للعفّة، ويحميها الرجال الذين يقرون الدياثة، ويروجون للسفور.
إنّ وسطية الإسلام، التي وصف الله بها أمة حبيبه ومصطفاه محمد، كما أنها تعني عدم الإفراط، أي: المبالغة والتشدد، فإنها تعني أيضًا عدم التفريط، أي: تضييع الدين وفكّ عراه.
فمهلًا أستاذ الشوباشي! فمصر التي شرّفها الله كمكان في كتابه العزيز، فقال سبحانه: (اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم)، وقال أيضًا: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، ومدح النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - أهلها فقال: (استوصوا بأهل مصر خيرًا، فإن لنا فيهم نسبًا وصهرًا)، لن تقبل التطرف الفكري بنوعيه: (الإفراط أو التفريط)، فكما أنها تحارب الإرهاب وتتصدى للفكر الداعشي، الذي يستهين بالدم، ويُثمن القتل والحرق والتعذيب، فإنها ترفض أيضًا وبشدة التفريط في الشرف والعفة، ومحاربة الحجاب الذي هو من أصول الدين، وارتدته أمهاتنا الأوليات.
إنّ غضّ الطرف عما نعانيه من مشاكل اقتصادية، تتطلب تضافر كلّ القوى الاقتصادية لحلها، ومشاكل أمنية في مقدمتها الإرهاب الأسود، والانشغال بقضايا فكرية تُثير اللغط وتنشر البلبلة، نوعٌ من الخلل الفكري، الذي نربأ بمفكرينا أن يتصفوا به.
وحسنًا فعل علماء الأزهر الأثبات، الذين تصدوا لذلك الخطر الفكري، وأوقفوا مدّه، بما عقدوه من مناظرات، منها ما كان بين البحيري والدكتور أسامة الأزهري، بمصاحبة الحبيب بن علي الجفري - هداه الله -، حيث كشفا حينها ضلالات البحيري الذي بدا مُضطربًا، خائرًا، ضعيف الحجة، عاجزًا عن الرد. كما رفض الأزهر وبشدة دعوة الشوباشي لخلع الحجاب؛ إيمانًا بأنّ الحجاب دليلٌ على الحياء والعفة، اللذين يعدان من ثوابت الدين.
والمؤكد أنه إن لم تجابه تلك الدعوات الهدّامة وبشدة، سيكون هذا مُسوغًا لظهور دعوات أشد قبحًا، تأباها الفطر، وتُحرمها الأديان، فهل نحن منتبهون؟
(مقال استعادي.. ضمن سلسلة تصحيح الفكر)
--------------------------
بقلم: صبرى الموجي
* مدير تحرير الأهرام