08 - 07 - 2025

ولكم فى القِصاص حياة !

ولكم فى القِصاص حياة !

لم تقتصر حُرمة الدم على المسلمين فقط، بل كان من عظمة الشريعة الإسلامية أن اتسعت حُرمة الدماء، فشملت غير المسلمين من المُعاهدين والذميّين والمُسـتأمَنين، ووردت فى ذلك أحاديثُ كثيرة، منها مارواه عبدُ الله بن عمرو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما).

هذا هو مُعتقَد ذوى الألباب، الذين فهموا الإسلام فهما صحيحا بعيدا عن العصبية والتطرف - اللذين يقفان على طرفىّ نقيض مع منهج الوسطية - الذى جاء به الإسلام، وأمر المسلمين بأن يجعلوه شعارهم سلما وحربا.

ووِفق هذا المنهج، أعنى

ـ الوسطية ـ اقتفى الخلفُ أثر السلف، دون أن يشذّ عن ذلك سوى شراذم، كانوا إمّا صاحب فهم سقيم، هداه عقلُه القاصر إلى التطرف والغلوّ، وإمّا صاحب مأرب، أنساه مأربُه سماحة الإسلام، التى دخل الناسُ بسببها فى دين الله أفواجا.

وإلى جانب هذين النوعين من الشراذم، الذين أساءوا للإسلام أبلغ إساءة، ظهرت مؤخرا فئةٌ ثالثة، كانت أشبه بحيةٍ ملساء، تسللت بليل لتدسّ فى الناس سمّها الناقع، وهى فئةُ المأجورين والمتآمرين، الذين ترنو لحاظُهم إلى ترويع العباد وخراب البلاد، فانطلقوا فى طول البلاد وعرضها، يقومون بأعمال إرهابية خسيسة، فجّرت شلالات الدم، وروّعت الآمنين، ورمّلت النساء، ويتّمت الأطفال، وضاعفت من أعداد الأمهات الثكلى.

ولا يخفى أنّ الحارس التركى الذى تلطخت يده بدم السفير الروسى الأعزل بالأمس القريب، هو أحد تلك النماذج التى أساءت للإسلام أيما إساءة؛ إذ هدم فى لحظة، ما عكف سفراءُ الإسلام يبنونه فى سنين، وينشرونه عن سماحة الإسلام، ولين جانب المسلمين.

أريد أن أقول إنّ هذه الأعمال الإرهابية الجبانة لا يُعقل أن تبدر عن مسلم آمَن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ رسولا، ومُقتضى العدل أنه لو ثبت تورط أحد من المسلمين فى ذلك، فلابد من القصاص، الذى فيه حياةٌ لبقية المسلمين!

وأخيرا أقول إنّ سماحة الإسلام، هى كالشمس فى وضح النهار، ليست بحاجة إلى دليل، وما يبدُر عن أفراد موتورين لا يزيد على كونه أفعالا فردية، تسيء إلى صانعيها، وليس للإسلام، وهذا ما يؤكده الغربيون أنفسهم، إذ يقول ديورانت: (لقد كان أهلُ الذمة من المسيحيين والزرادشتيين واليهود والصابئين، يتمتَّعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، وكانوا يتمتَّعون بحُكْم ذاتي يخضعون فيه لعلمائهم وقضاتهم وقوانينهم).

وبعد .. فعبارة ديورانت هي حجر نلقمه فمّ من يتهم الإسلام بالدموية والإرهاب، اللذين هو منهما براء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب.

(مقالٌ استعادي أضعه معلمَ طريق عبر نافذة صحيفة المشهد المشرقة).
--------------------------
بقلم: صبرى الموجي
* مدير تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

ولكم فى القِصاص حياة !