في مشهد إقليمي يعاد تشكيله بهدوء، تشهد العلاقات المصرية-الخليجية، وتحديدًا مع السعودية، تحوّلات استراتيجية تتجاوز المجاملة، وتقترب من إعادة تعريف الدور والمكانة. لم تعد القاهرة تُجامل أو تنتظر، بل تمضي في رسم سياستها الخارجية من منطلق السيادة والمصلحة الوطنية، بعيدًا عن منطق "الدعم المشروط" الذي ساد لسنوات.
لطالما نُظر إلى مصر في بعض العواصم الخليجية على أنها الدولة التي لا ينبغي أن تسقط، ولكن لا يجب أن تنهض أيضًا. لكن القاهرة، بتاريخها العميق وجيشها القوي وموقعها الجغرافي الفريد، لم تعد تقبل بأن تُحاصر في أطر ضيقة تقيّد دورها الإقليمي.
خلال السنوات الأخيرة، تراجع الدعم المالي المباشر لمصر لصالح استثمارات تجارية محدودة، في وقت ضُخت فيه تريليونات الدولارات في صفقات تسليح غربية، بينما ديون مصر لا تشكّل سوى نسبة ضئيلة من تلك الأرقام. في المقابل، رفضت عدة مبادرات مصرية مثل الجيش العربي الموحد، قناة برية مع السعودية، ومشروعات زراعية استراتيجية، رغم أنها كانت قادرة على تشكيل نواة لوحدة اقتصادية وأمنية عربية حقيقية.
إلى جانب ذلك، ظل الرهان الخليجي على واشنطن حاضرًا بقوة، وهو ما أضعف الموقف العربي المشترك في ملفات محورية مثل السودان، ليبيا، سد النهضة، وغزة، وأدى أحيانًا إلى تقاطع مع الدور المصري.
اليوم، تقف مصر عند مفترق جديد، تعلن فيه بوضوح: لا إملاءات، لا تنازلات في قناة السويس، ولا صفقات سياسية مقابل الإعفاء من الديون. إنها لحظة استعادة للدور والقرار، تؤكد أن مصر دخلت مرحلة ما بعد التبعية، وأن الندية أصبحت شرطًا لأي شراكة مقبلة.
عاشت مصر حرة مستقلة
-------------------------
بقلم: إبراهيم خالد