الموضوع جد خطير، وآثاره تتعدي مناطق العمليات إلي الأراضي القريبة منها ، وقد اعترفت أمريكا وحلفاؤها باستخدامه في ضرب العراق وأفغانستان، وهناك دلائل قوية علي أن إسرائيل تستخدمه حاليا في غزه، ومن المؤكد أنها استخدمته مؤخرا في إغارتها علي إيران.
منذ نهاية القرن الماضي، أصبح اليورانيوم المنضب (Depleted Uranium, DU) سلاحًا مفضلاً لدى بعض الجيوش بسبب كثافته العالية وقدرته الهائلة على اختراق الدروع. إلا أن ما غاب عن الكثيرين — أو جرى تجاهله عمدًا — هو الثمن الصحي والبيئي الفادح لاستخدام هذا المعدن السام.
إن مخلفات ذخائر اليورانيوم المنضب تتحول بمرور الوقت إلى غبار دقيق عالق في الهواء، تنقله الرياح من منطقة إلي أخري، يستنشقه المدنيون والجنود والحيوانات على حد سواء، أو يتسرب إلى التربة والمياه، ليبقى مصدرًا طويل الأمد للتلوث.
رغم أن النشاط الإشعاعي لليورانيوم المنضب أقل من اليورانيوم الطبيعي، إلا أن خطورته تكمن في كونه معدنًا ثقيلًا سامًا يسبب أضرارًا بالغة للكلى والجهاز التناسلي، ويرتبط بزيادة معدلات السرطان والتشوهات الخلقية، إضافة إلى اضطرابات عصبية وسلوكية لا تزال تحت البحث العلمي.
أما البيئة، فهي الضحية الصامتة لهذه الأسلحة. فالتربة تتلوث بجزيئات اليورانيوم المنضب لسنوات طويلة، فتتعطل دورة الحياة فيها، وتؤثر سلبًا على خصوبة الأراضي، وعلى النباتات التي تمتص هذه المواد السامة وتنقلها إلى باقي السلسلة الغذائية. وما لم نتدارك ذلك، فإن هذا التلوث سيظل يهدد التنوع البيولوجي، ويزيد من معاناة المجتمعات التي تعتمد على الزراعة والرعي.
إن استمرار استخدام اليورانيوم المنضب يمثل، في رأيي، جريمة مستمرة ضد الإنسانية، لأنه يخلف دمارًا صامتًا يتوارثه الأبناء والأحفاد. فالأطفال الذين يولدون في المناطق الملوثة معرضون للتشوهات والأمراض المزمنة، دون أن يكون لهم ذنب في نزاعات لا يختارونها.
إن المبادئ الأخلاقية والقانونية تفرض على المجتمع الدولي أن يقف بحزم أمام إنتاج وتداول واستخدام هذا النوع من الذخائر. كما يجب المطالبة بمسح شامل للمناطق الملوثة، وإجراء دراسات شفافة ومستقلة لرصد الآثار الصحية والبيئية، مع تعويض المتضررين ومساعدتهم على إعادة إعمار حياتهم.
ومن المؤكد أن مصر ليست بعيدة عن التأثيرات الضارة الناتجة عن أستخدامات إسرائيل لهذه الذخائر المحرمة ، بل إن من حقنا مطالبة الأمم المتحدة بتعيين لجنة فنية لتقصي الحقائق وتحديد التعويضات ، وإذا تعذر ذلك فيجب السعي للحصول علي رأي إستشاري لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلق بتحقق الضرر علي مصر من استخدام إسرائيل لهذه الذخائر التي تلوث بيئة الشرق الأوسط .
إنها مسؤوليتنا جميعًا أن نرفع الصوت عاليًا، ونقول: أوقفوا أستخدام إسرائيل اليورانيوم المنضب. لا يمكن أن نتحدث عن حقوق الإنسان أو العدالة أو الحفاظ على البيئة بينما نسمح بسلاح سام يزرع الموت البطيء في تراب الأرض وأجساد البشر.
----------------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق