30 - 06 - 2025

حيلةٌ ماكرة !

حيلةٌ ماكرة !

هي فتاةٌ في العقد الثالث من العمر، أقربُ للطول منها إلى القصر، ترتدي عباءة سوداء، تُجسد تضاريس جسمها، فتثير شبق كلّ ذي غرض، اتخذت من هذا الزي (المُجسِّم) طُعما لصيد فرائسها، وسرقة ما بجيوبهم.

(كفصّ ملح وداب)، اختفت في عربة المترو وسط الرجال، تاركة عربتي السيدات بالقطار، وبدلا من أن تتخذ لنفسها مكانا قصيّا، يحميها من الاحتكاك بالداخل والخارج من العربة، وقفتْ أمام الباب تعوقُ حركة الركاب صعودا وهبوطا.

التطم بها - عن غير قصد - أحدُّ الشباب أثناء اندفاعه لدخول القطار قبل غلق الباب، فانهالت عليه شتما وسبابا، واتهمته بتعمد الاحتكاك بها، فاعتذر الشاب، مؤكدا أن احتكاكه لم يكن أمرا مقصودا، رفضت اعتذاره، وتمادت في (وصلة) الردح والسباب، واتهمت ركّاب العربة بالسلبية؛ لأنه لم يهمّ أحدٌ لنجدتها رغم تعرضها - بزعمها - لتصرف خادش للحياء، أثارت كلماتُها حمية أحد الركاب، فانبرى لتهدئة الموقف، ونَزعِ فتيلِ الشجار، فلانت الفتاة بعد جهد، وسكنَ صفيرُ التراشق، وبعد نزول الفتاة في أول محطة وقف بها القطار، فوجئ من تطوع بفضّ الاشتباك بأنّ حافظة نقوده قد سُرقت، وأنه كان ضحية لنشالة مُحترفة !

هذا المشهد، الذي كثيرا ما شاهدناه في أفلام السينما، والذي رأيته رأي العين، بإحدي عربات المترو، يكشفُ آثار الزحام السلبية بوسائل المواصلات العامة، خاصة قطارات السكة الحديد، ومترو الأنفاق، والذي يكون بيئة مناسبة للتحرشات، والسرقات، والشجار بين الركاب، وتأخير رحلات القطارات عن المواعيد المحددة، وتكون نتيجة ذلك كله أن يصل الراكب إلي عمله أو مصلحته مهدودا مكدودا لا يقوي علي العمل ولا يستطيع العطاء.  

وكخطوة من خطوات حل مشكلة الزحام، ومنع التحرش، لابد من زيادة العربات المخصصة للسيدات، وعدم الاكتفاء بوجود عربتين فقط بكل قطار؛ مراعاة لزيادة عددهن حاليا، مقارنة بعددهن في الوقت، الذي صدر فيه قرار التخصيص السالف،  إضافة إلى ضرورة تكثيف الوجود الشرطي داخل المحطات؛ لسرعة اللجوء لأفراد الأمن عند حدوث مشكلة، أو وقوع شجار؛ وذلك لاحتواء الأزمة قبل تفاقمها، أمّا سياسة التحرك بعد - خراب مالطا - فهي سياسةٌ فاشلة، وتأصيلٌ لدولة الفوضى التي تقف مصر علي قدم وساق لاجتثاث شأفتها، واقتلاعها من جذورها.

فضلا عن ذلك، لابد وأن يري المخطئ والمُقصرُ (العين الحمرا) ويُضرَب علي يده بعصا من حديد، حتي يرتدع، ويكونَ عبرة لغيره ممن يفكرون في خرق القانون، وذلك بتغليظ العقوبة، وفورية تحصيل الغرامة، مع شطب سياسة (الطبطبة والاستجداء) من صفحة حياتنا اليومية، لأنها سياسة معوقة، تُرسخ للفوضي، وتزيد من حالة الاستهتار، فمعلوم أنه إذا انعدمت العقوبة أُسيء الأدب . وحسنا فعلتْ الهيئة القومية لإدارة وتشغيل المترو بأن غلّظت غرامة تأخير القطارات لتكون بواقع ٣٠٠ جنيه للأفراد عن كل دقيقة تأخير، و ٤٠٠ جنيه للشركات .

إضافة إلي كلّ ما سبق فلا بد من تنمية روح المواطنة والانتماء، التي بها يعلم المواطنون أنّ عليهم واجبات تجاه هذا البلد، كما أنّ لهم حقوقا، والمنطق أن تؤدي ما عليك قبل أن تطلب ما لك، أمّا أن تأخذ كلّ حقوقك وتتهرب من أداء ما عليك، فتلك إذا قسمةٌ ضيزي.

وأخيراً دعونا نتفق علي أنّ مصر دولة ذات تاريخ وحضارة، وتمتلك كثيرا من الثروات الطبيعية، والموارد البشرية التي تضمن لها استعادة مجدها، شريطة أن تتضافر الإدارةُ السياسية مع الإرادة الشعبية؛ لتحقيق ذلك الهدف الأسمي، وحتي تتحقق تلك الرغبة المنشودة سنظل نعاني وجود هذه الحيل الماكرة.
-----------------------------
بقلم: صبرى الموجي
* مدير تحرير الأهرام

مقالات اخرى للكاتب

حيلةٌ ماكرة !