29 - 06 - 2025

ضوء | الطغاة العرب

ضوء | الطغاة العرب

"لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"،

فمتى يتغير حال العرب؟

أعتقد أنَّنا نصبح أمة لها تقديرها بين الأمم،

أولا: إذا احترمنا بعضنا البعض، واعتبرنا أنَّ كل رأي يكمل الآخر، فلا تكفير ولا تخوين، ولا اعتبار صاحب الرأي الآخر عدوًّا لنا، وحتى لو وجدت مجموعات أخرى تؤمن بعكس مبادئنا، أو عكس مبادئ النظام السائد والمجموعات الموالية له، علينا ألا نعتبرها عدوة، بل نعتبرها مكملة ومصححة ومصلحة؛ فالاختلاف من طبيعة البشر، وهو سر التنوع والجمال والثقافة والحضارة.

تخيلوا معي لو دخلتم حديقة ولم تجدوا فيها إلا نوعا واحدا من الزهور، أو تخيلوا لو خلق الله البشر كلهم متشابهون في الشكل واللون والطول والوزن والرأي والتفكير.

ويمكن أن يتغير حالنا ثانيا: إذا احترمنا البيئة التي نعيش عليها، وحافظنا على كوكب الأرض الذي يحملنا، لا أن نلوث البراري والأنهار والبحار والهواء، ونقتل الأخضر واليابس.

وثالثا: نصبح أمة محترمة إذا احترمنا أنفسنا وأصبحنا نظاميين منظمين، وإذا وضعنا القانون وطبقناه على الجميع سواسية، صغيرًا وكبيرًا، وزيرًا وخفيرًا، لا أن يضرب الفساد جذوره في مجتمعاتنا، وأن تسود المحسوبية في كل مكان.

هناك من يتمنى العودة إلى عهد الدكتاتور الذي حكم البلاد بالحديد والنار وسام شعبه الويلات، وهذا أمر محزن حقاً.

وهناك من يقول أن حكم العسكر هو سبب هوان أمتنا العربية، ولولا الأنظمة العربية الفاسدة والخائنة لما نجح المشروع الصهيوني؛ فالشعوب العربية قادرة على تحرير كل شبر من فلسطين، لكن لا يوجد القادة الذين يوحدون الشعب العربي على كلمة واحدة، وأغلب الأنظمة العربية، سواء ملكية وراثية أو جمهورية عسكرية، عندما تعتلي العرش تبطش بشعوبها وتنهب ثروات البلاد، وتصبح أغنى من قارون، وشعوبها تعاني البؤس والفقر والجوع، والبعض يؤكد أنه ما لم نتحرر من حكامنا الطغاة، لا يمكن أن نحرر أرضنا المغتصبة؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والشعوب العربية ترزح تحت وطأة البطش والتشريد، أسيرة الخوف مسلوبة الإرادة، فكيف لها أن تحرر أرضًا وهي لم تحرر نفسها من الخوف والطغيان؟

لكن الشعب العربي يقارن حالياً بين المّر والأمر منه، بين حكم العسكري والدكتاتور والتاجر والمرابي والذي تلاه، فيرى أنَّ الظلام والفساد هو الذي استشرى، ويرى أنهار الدماء لا تتوقف، ويرى الأمن والأمان قد أصبحا مجرد أضغاث أحلام، ويرى انتشار الظلم والفساد، فيقارن بين الماضي والحاضر، ويوقن أنَّ الحاضر أكثر طغيانًا وبؤساً واستبدادًا.

والحقيقة أنَّ التسميات ليست مهمَّة: جمهورية أم ملكية أم نظام العسكر،  كل ما يهم الشعب هو الوضع على أرض الواقع، الحياة المعيشية والبنية التحتية، الأمان والأمن والسلام والطمأنينة، التعليم والخدمات الصحية، الوظيفة والمسكن المناسب، الشعور بالكرامة لكل مواطن في وطنه، ما يهم الناس هو الأفعال والسلوك، وليس الأقوال والأشكال والتنظيرات والمسميات.

يقارن الناس بين وضع العراق في عهد (صدام) مثلاً ووضعه الآن، بين الجامعات المتقدمة والمدارس الحديثة والمستشفيات الراقية والشوارع والجسور العامرة، وبين الدمار والخراب الذي حلّ بالعراق، يقارن بين وضع علماء العراق في العهد السابق ووضعهم الحالي، بين حجم السرقات والفساد، بين عزة المواطن وهوانه.

وبالطبع ينطبق الوضع نفسه على ليبيا وسوريا واليمن وغيرهم.

(ستالين) و (هتلر) و (موسوليني)، كلهم طغاة، لكنهم كانوا يفكرون في بناء دولة قوية وفي مصلحة أوطانهم وشعوبهم حتى لو بطريقة خاطئة في نظرنا، وحالهم كحال (صدام) و (القذافي) وغيرهما، ربما كانوا طغاة لكنهم كانوا يحبون أوطانهم ويفكرون في نهضتها، على عكس الأنظمة والعصابات الفاسدة التي جاءت من بعدهم، التي لا تفكر إلا في كيفية نهب البلاد والعباد، والبقاء على الكرسي بأي وسيلة، تلك الأنظمة المهترئة لا تفكر إلا في الغنيمة، ومصلحة ذاتها فقط، وآخر ما تفكر فيه الوطن والشعب والأجيال القادمة.

والأمور نسبية؛ ففي كل شيء يوجد الإيجاب والسلب، فإن غلبت الإيجابيات زادت النهضة والتنمية، وإن غلبت السلبيات زاد التخلف والفساد والرشوة.

نعم الأوطان لا تُبنى بالحديد والنار، لكنها أيضا لا تبني بالتطبيل والطاعة العمياء، كما لا تُبنى بالتدمير والعنف والحرق.

الاستبداد السياسي المنظم لأي نظام مستبد، ليس بأكثر خطورة من الاستبداد الديني، لكن الاستبداد السياسي هو الذي يغذي الآخر؛ لذلك فإنَّه الأسوأ

والذي نفسي بيده "عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها انا إلى ربنا راغبون".
-------------------------
بقلم:
د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الاوروبية للتنمية والسلام


مقالات اخرى للكاتب

ضوء | الطغاة العرب