29 - 06 - 2025

واشنطن بوست: رؤية الخليج للمخاطر الإقليمية تتغير .. ليست إيران الخطر بل "إسرائيل"

واشنطن بوست: رؤية الخليج للمخاطر الإقليمية تتغير .. ليست إيران الخطر بل

كان من الممكن أن تُعرّض الضربة الصاروخية الإيرانية التي استهدفت قاعدة جوية أميركية في قطر هذا الأسبوع، الجهود التي بذلتها الممالك الخليجية في السنوات الأخيرة لتخفيف عزلة طهران للخطر، تلك الجهود التي استندت إلى مبرر أن التقارب مع إيران سيجعل المنطقة أكثر أمانًا، إلا أن الهجوم - الذي جاء ردًا على غارات جوية أميركية استهدفت منشآت نووية إيرانية - سبقته تحذيرات من إيران.

ولم تُلحق التسعة عشر صاروخًا أي ضرر بقطر أو القاعدة الجوية الموجودة فيها، كما ان ردة الفعل الخليجية لم تتجاوز الإدانة الصريحة لطهران، مما يشير إلى أن دفء العلاقات مع إيران الامر الذي وفر بعض الحماية، وقد يستمر هذا الأمر.

وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للصحفيين يوم الثلاثاء، رغم إدانته للهجوم: "آمل أن تعود العلاقة الجيدة مع إيران إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن، فالشعب الإيراني جار لنا، ونتمنى لهم السلام والنمو والتطور".

وقدمت هذه الحادثة صورة واضحة عن مدى تغير نظرة دول الخليج للمخاطر الإقليمية وكيفية التعامل معها منذ ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، عندما دفعتهم المخاوف من إيران إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو التفكير في ذلك، لكن ترامب الآن يواجه واقعًا مختلفًا، في وقت تضغط فيه إدارته من أجل مزيد من اتفاقيات التطبيع، بما في ذلك بين السعودية وإسرائيل.

فقد تراجعت حدة الخطر الذي كانت دول الخليج تشعر به تجاه إيران، حيث حاولت هذه الدول في السنوات الأخيرة التقارب مع طهران على الرغم من التاريخ الطويل من العداء، على أمل أن يخفف ذلك من تهديد الميليشيات التابعة لها، ويجلب مكاسب أخرى، بما في ذلك اقتصادية.

وفي الوقت نفسه، أصبحت بعض الممالك الخليج أكثر حذرًا من إسرائيل، التي تُرى الآن كقوة عدائية وغير متوقعة بسبب عملياتها العسكرية في غزة ولبنان وسوريا ومناطق أخرى منذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023، حسب محللين.

وقال آل ثاني إن "المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة هو الصراع الدائر في غزة".

ويقول اتش ايه هيلير الزميل البارز في معهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن للدراسات الدفاعية والأمنية: "نظرت دول الخليج إلى إيران كأكبر قوة مهددة للاستقرار في المنطقة ولفترة طويلة، وكان لا بد من مواجهتها"، مضيفًا "لكن هذا الحساب تغيّر. الفاعل الأكثر زعزعة للاستقرار الآن هو إسرائيل"، بسبب عملياتها العسكرية الإقليمية، مضيفًا أن تلك المخاوف تعززت بسبب "مدى ضعف مقاومة الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، بل وحتى القيام بتمكينها"، وأضاف: "هذا الأمر أقلق الخليج بشدة".

ويقول محمد بهارون، المدير العام لمركز "بحوث" في دبي، إنه كان يرى أن اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل - بما في ذلك الاتفاق الذي وقعته الإمارات في عهد ترامب - كانت إيجابية لأسباب متعددة، من بينها احتمال أن تلعب الإمارات دورًا في تحقيق دولة فلسطينية، لكنه أضاف أن الأحداث في العامين الأخيرين، وصولًا إلى الهجوم في 13 يونيو على إيران، "أشارت لي على الأقل إلى أن إسرائيل لا تبحث عن السلام، بل عن الأمن - بل وعن تصورها الخاص للأمن"، وأضاف أن الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران غير مسبوقة.

لقد أعاقت حرب إسرائيل في غزة، ورفض حكومتها قيام دولة فلسطينية، الجهود الأميركية لتطبيع العلاقات مع السعودية، وقد صرحت المملكة مرارًا بأنها لن تُطبع العلاقات مع إسرائيل ما لم يتحقق تقدم نحو قيام دولة فلسطينية، لكن بعد التهدئة مع إيران، ألمح مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إلى إمكانية جني ثمار للسلام، وصرح ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، بأن مزيدًا من اتفاقيات التطبيع قد يُعلن عنها قريبًا، ونشر نتنياهو في حسابه على "إكس" أنه يعمل مع ترامب بسرعة "لتوسيع دائرة السلام"، وقد عكست هذه التصريحات المتفائلة تقييمًا بأن الضربات ضد إيران قد تؤدي إلى انفراجة.

لكن الضربات زادت من حالة القلق بدلًا من ذلك، على الأقل في الخليج، كما أنها عطلت المحادثات النووية التي كان من المقرر استئنافها في سلطنة عمان بين إيران والولايات المتحدة، وهي "محادثات اعتقد كثيرون أنها نقطة تحول"، بحسب بهارون.

وكان الامل يحدو دول الخليج، التي تخشى أيضًا حصول إيران على سلاح نووي، في نجاح تلك المحادثات، ويبدو أن الهجوم الإسرائيلي ضد إيران لم يكن فقط لإفشال تلك المحادثات، بل كان "محاولة" لعرقلة تطور علاقات طهران مع الخليج، حسب قوله.

ويقول هيلير: "انخرطت الولايات المتحدة في عملية تفاوض، ثم بدأت إسرائيل القصف في منتصف تلك العملية، وهذا يبعث برسالة معينة إلى الخليج".

وبينما قال ترامب إن إدارته ستعود إلى المحادثات، إلا أن طهران قد اتخذت موقفًا أكثر تشددًا بالفعل، معلنة أنها ستعلق تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، حتى تحصل على ضمانات بحماية منشآتها وعلمائها النوويين.

وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أيضًا إنه حريص على التخفيف من احتمالية حدوث قطيعة، وأضاف، في تصريحات نقلتها وكالة تسنيم الإيرانية، أن الهجوم الصاروخي الإيراني "لا ينبغي تفسيره على أنه مواجهة بين جمهورية إيران الإسلامية وجارتها الصديقة والشقيقة، قطر"، وذلك خلال حديثه مع أمير قطر.

وتقول آنا جاكوبس، الزميلة غير المقيمة في معهد دول الخليج العربية، إن الإدانات الخليجية التي أعقبت الهجوم "مهمة للغاية"، وأضافت أنه من المرجح أن تكون هناك "فترة تهدئة"، لكن دول الخليج لا تزال "ملتزمة جدًا بعلاقاتها مع إيران من أجل تهدئة التوترات الإقليمية".

وتابعت: "أعتقد أنهم يؤمنون حقًا بأن الاستراتيجية الصحيحة هي الحفاظ على العلاقات، والحفاظ على الحوار، خصوصًا عندما تكون المنطقة في وضع هش للغاية".
----------------------
واشنطن بوست