قبل سنوات قليلة وعند تجديد رخصة سيارتي، فوجئت بمطالبات بقيمة تزيد عن 19 ألف جنيه، وبالفحص قيل لي أنها غرامات ومخالفات ورادارات، ووو.. طبعا لم استسلم، وقلت لجهات الاختصاص أنني سائق ملتزم وأحترم الطرق والقانون، وكان الرد أننا لا نأخذ تلك الأموال لنا، بل للدولة لتمهيد الطرق والصيانة، وهو ما أعلمه جيدا.
وطلبت ضرورة الفحص، والتأكد من المخالفات وبعد أيام من الفحص تبين أن 90% من المخالفات غير دقيقة، وبعض المخالفات بالخطأ، وبعضها مُرحل من عام إلى أخر، ولفض الجدل وبناء على نصيحة وكيل النيابة، سددت حوالي 800 جنيه، وانتهى الأمر.
ولكن دار حوار مع وكيل النيابة، وتوافقنا مع قلته له انني أتمنى من كل قلبي أن يتم هذا التتبع والرصد للمخالفات مع المخالفين الحقيقيين، ومرتكبي المخالفات جهارا نهارا على طرق المحروسة، وعلى السائقين المتهورين على طرق مصر، وقيام الدولة بدورها بتوفير كاميرات المراقبة، وتوفير خدمات فعلية على كل الطرق وليس على طرق بعينها، مع أعمال صيانة حقيقية، والوصول بالطرق للمناطق المنسية.
تذكرت هذا، وأنا أتابع هذا الحادث المأسوي، والذي تسبب في وفاة بل استشهاد 19 ضحية، منهم 18 من بنات مصر الفقيرات والباحثات عن قوت يومهن في غيطان المحروسة، وهن في أعمار لا تتجاوز الـ23 عاما، في واقعة متكررة على الطرق السريعة، والتي تلمع ولكن دون أي أمان، وتفتقد كل وسائل السلامة.
وفي حادث مثل هذا الذي وقع لبنات قرية كفر السنابسة بمحافظة المنوفية، لو حدث في بلد آخر، لعقدت الحكومات الاجتماعات لتحري الأسباب، وإعلان مدى مسؤوليتها بوضوح، لا اصدار بيانات الطبطبة، والتي تحدث في كل مرة، وإعلان التعليمات بصرف مبالغ هنا وهناك لأسر الضحايا من المصابين، بينما نسمع عويل الأمهات ونرى أمطار دموع الرجال تنهمر على ضحاياهم من الباحثين والباحثات عن لقمة "عيش ناشف" في زمن عز فيه جبر الخواطر، ونيل الحقوق.
صحيح أن المساعدات المالية مهمة، ولكن يبقى الأهم هو حل المشاكل، وأسباب تأخير صيانة الطرق المأهولة، وذات الكثافة، وأولويات الإنفاق عليها، بدلا من الطرق المهجورة، ومحاسبة المسؤول أو المسؤولين عن عدم توفير الخدمات في وقتها قبل أن تقع الحوادث، خصوصا أن حادث كفر السنابسة بأشمون ليس الأول، فقد سبقته حوادث مماثلة، ولكن سرعان ما تذهب التصريحات والتوجيهات مع رياح النسيان.
المسؤولية هنا لا تتجزأ ولا يتحملها الصغار فقط، بل يجب أن تكون هناك شجاعة من الكبار ليعترفوا بمسؤوليتهم عن الحادث، والذي راح ضحيته 23 من زهرات بناتنا، ومنهن 19 في رحاب ربهم، والباقيات تحت رحمة الله، والمحاسبة يجب أن تشمل كل مؤسسات الدولة المعنية، لتلافي أسباب مثل تلك الحوادث، التي شهدها الطريق الإقليمي.
وسبق حادث "السنابسة" 6 حوادث في ستة أشهر، منها، حادث في مارس الماضي بين سيارتين بالمنوفية، أسفر عن إصابة 13 شخصا، وآخر في مايو بين سيارة نقل ثقيل وأتوبيس أعلى الطريق الإقليمي بمحافظة الشرقية، أسفر عن إصابة 20 شخصا، وفي أبريل الماضي حادث تصادم مروع بمركز الباجور بالمنوفية، بين سيارة نقل وأتوبيس تسبب في مصرع رجل وسيدة، وإصابة 15 آخرين، ولقي 3 أشخاص مصرعهم وأصيب 13 آخرين في حادث تصادم بين سيارة ميكروباص وأخرى سوزوكي أعلى الطريق الإقليمي بمحافظة الشرقية، وذلك في يناير الماضي، بينما وقع تصادم بين 5 سيارات في أكتوبر الماضي وأصيب فيه 22 شخصا.
أصوات شهيدات لقمة العيش "هنا ومروة وآية، وميادة وشيماء، ورويدا، وملك، وتقى وجنى، وهدير، وشروق، وأسماء، وحبيبة، وآيات واسراء، وأدهم، وغيرهن، ستظل تطاردنا جميعاَ عن أي تقصير في حقوقهن، وتطالبن بالقصاص، فيمن تسبب في أي شكل من أشكال الإهمال.
ولا يمكن أن ننسى ونحن نتحدث عن حادث بنات كفر "السنابسة"، حوادث أخرى شهيرة، ومنها حادث انفجار خط غاز الواحات، والخيط المشترك بينما وهو الإهمال، وغياب أمان وسلامة الطرق، الذي لا يريد أن يعترف بها كبار المسؤولين في وزارة النقل، وكأنهم منزهون عن الخطأ، صحيح أن سائق "التريلا" متهور ويستحق العقاب، لكنه سبقه إهمال أهم وأفظع وهو ترك الطرق دون رقابة، وتحديد سرعات وعقاب رادع، ودون صيانة، واستكمال أعمال من أجل أولويات يغلب عليها "الشو" الإعلامي، دون استفادة منها في الواقع.
---------------------------
بقلم: محمود الحضري