28 - 06 - 2025

"مجزرة أشمون" تفضح واقع عمالة الأطفال في مصر: 18 زهرة تُسحق على طريق الفقر

في صباحٍ مأساوي جديد، استيقظت قرى محافظة المنوفية على وقع فاجعة راح ضحيتها 19 شخصًا، بينهم 18 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عامًا وسائق الحافلة، إثر حادث تصادم على الطريق الإقليمي بمركز أشمون. كانت الفتيات في طريقهن إلى أحد أماكن العمل مقابل أجر يومي لا يتجاوز 130 جنيهًا، حين اصطدمت حافلتهن بسيارة نقل ثقيل، فلقين مصرعهن قبل أن تبدأ حياتهن.

هذه الحادثة المروعة سلطت الضوء مجددًا على ظاهرة تشغيل الأطفال، وفشل الدولة في تأمين بيئة عمل آمنة ولائقة، خاصة في الاقتصاد غير الرسمي الذي يستنزف صغار السن دون أدنى درجات الحماية.

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد الأطفال العاملين في مصر يُقدّر بأكثر من 1.6 مليون طفل، يمثلون قرابة 9.3% من إجمالي الأطفال في الفئة العمرية بين 5 و17 عامًا. ومن بين هؤلاء، يعمل ما يزيد على 46% في ظروف تصنّف على أنها خطرة أو مخالفة لقوانين العمل المصرية والدولية، بما في ذلك التعرض للمواد السامة، أو العمل في أماكن مغلقة دون تهوية، أو لفترات طويلة.

كما كشفت تقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية في مصر أن 70% من الأطفال العاملين لا يتمتعون بأي نوع من التغطية الصحية أو التأمين الاجتماعي، فيما يعمل أكثر من نصفهم في الزراعة والصناعات الصغيرة والمصانع المنزلية دون إشراف أو ترخيص.

أما على مستوى السلامة المهنية، فقد سجّلت مصر أكثر من 15 ألف حادث عمل في عام 2023 وحده، وفقًا لتقديرات نقابات عمالية مستقلة، بينها ما لا يقل عن 600 حالة وفاة ناتجة عن حوادث في مواقع عمل تفتقر إلى معايير السلامة، لا سيما في قطاعات التشييد والصناعة والنقل.

رغم تعهدات الحكومة المصرية بتحسين بيئة العمل، كما أعلن وزير العمل محمد جبران في ديسمبر 2024 خلال إطلاق مشروع مع منظمة العمل الدولية، فإن الواقع يكشف انفصالًا تامًا بين الخطاب الرسمي والتطبيق على الأرض. فالمصانع والمشاغل غير المرخصة تستقبل آلاف الأطفال يوميًا، دون سن قانونية، وغالبًا بلا تعاقدات أو تأمين، بينما تُنقل الفتيات في سيارات متهالكة وسط طرق غير ممهدة.

والأخطر، أن هذه الظواهر لم تعد استثناءً، بل باتت نمطًا شائعًا. ففي فبراير الماضي، لقي 6 أطفال مصرعهم في حادث مماثل بمحافظة بني سويف، أثناء توجههم للعمل في ورش تصنيع ملابس. وفي مايو، أصيب 13 طفلًا في حادث سقوط سقف مصنع غير مرخّص في الشرقية.

في تناقض لافت، تزامنت هذه الفاجعة مع مشاركة وفد حكومي مصري في مؤتمر منظمة العمل الدولية بجنيف، لمناقشة قضايا "العدالة الاجتماعية" و"العمل اللائق". ورغم ما تحمله هذه المشاركة من رمزية دولية، فإنها لم تمنع وقوع هذه الكارثة، ولم تنعكس في تحسين الواقع الذي تعيشه آلاف الأسر في الأقاليم الفقيرة، التي تُجبر أطفالها على العمل المبكر هربًا من الجوع، فتلحقهم بمصانع بلا تراخيص أو ضمانات.

في أعقاب الحادث، أصدرت منظمات حقوقية ونقابية عدة بيانات تطالب بفتح تحقيق مستقل وشفاف يُعلن للرأي العام، يشمل تحديد هوية أصحاب العمل، وشروط تشغيل القاصرات، ومحاسبة الجهات المقصّرة في الرقابة. كما دعت هذه الجهات إلى إعلان **خطة طوارئ وطنية لمكافحة عمالة الأطفال، تبدأ بتوفير بدائل تعليمية واقتصادية جادة للأسر، وتشديد الرقابة على وسائل النقل والمصانع غير المرخصة.