29 - 06 - 2025

نبيل بهجت يجمع الأعمال الشعرية لمحمد الههياوي في كتاب من 600 صفحة

نبيل بهجت يجمع الأعمال الشعرية لمحمد الههياوي في كتاب من 600 صفحة

صدر عن الهيئة العامة للكتاب كتاب "محمد الههياوي الأعمال الشعرية"؛ جمع ودراسة وتحقيق د. نبيل بهجت، تقديم ومراجعة د. سعد عبد العزيز مصلوح. يقع الكتاب في 600 صفحة ويضم قصائد الشاعر محمد الههياوي التي نشرها في مجلة "الكشكول" ما بين عامي 1928 و1939 وكانت في باب الشعر السياسي الساخر. ويضم الكتاب أيضا نماذج شعرية له في موضوعات مختلفة، كما يضم ردود بعض الشعراء عليه. الكتاب يكشف صفحة مجهولة من تاريخ الأدب والسياسة في حقبة ساخنة من حقب التاريخ المصري، والصراع الحزبي في بواكير حقبة الليبرالية، وقد أصطبغ شعر الههياوي بصبغة ساخرة. ترك الههياوي تراثا شعريا ونثريا في مجالات متعددة، وكتب مواجها الانجليز وذيولهم رافعا شعارات الحرية والاستقلال والعدالة والمساواة، مما جعله هدفا لسهام خصومه فحكم عليه بالسجن بسبب كتاباته ولولا صدور العفو عنه لنفذ هذا الحكم. 

ولد الههياوي في مركز ههيا بمحافظة الشرقية عام 1883، وتوفي في القاهرة 1943واسمه بالكامل "محمد مصطفى محمد سيد أحمد الههياوي" ووالده هو الشيخ مصطفي الههياوي أحد كبار علماء الأزهر في مطلع القرن العشرين. احترف  محمد الههياوي العمل الصحفي فعمل محررا في جريدة "وادى النيل" وأسس "المنبر" 1906م ورأس تحرير جريدتي "الأمة" و"الأفكار"، وساهم في تحرير عدد كبير من الصحف والمجلات كـ "مصر الفتاة"، و"البلاغ"، و"السياسة" و"الأهرام"، و"اللواء"، و"الدستور"، و"الجريدة"، و"السيف"، و"الكشكول". وتنوعت كتاباته بين السياسة والأدب والأديان، وموضوعات السخرية والفكاهة حيث يذكر حسين شفيق المصري أنه تناوب مع الههياوي كتابة المقال الافتتاحي ومقال "أخلاق وعادات" في مجلة "السيف" الفكاهية. وكان لإبداع الههياوي حضور بارز في مجلة "الكشكول".ويشيد زكي مبارك في مقال نشره بعنوان "حديث ذو شجون" بمجلة "الرسالة" بما كان ينشره الههياوي فيها من شعر ساخر مؤكدا أنه كان شاعرا من الطراز الجيد، ولو جُمعت قصائده الجدية لكان في مجموعها ديوانا نفيسا، أما قصائده الهزلية فهي غاية في اللطافة، وكانت توقع باسم "الشاعر إياه" في مجلة "الكشكول". وترك الههياوي عددًا من المؤلفات منها كتاب "ترجمة القرآن الكريم: غرض للسياسة وفتنة في الدين"، وكتاب "مصر في ثلثي قرن بين الماضي والحاضر"، وكتاب "الطبع والصنعة في الشعر"، وكتاب "الفرائد" ويضم مختارات من مقالاته في الأدب والاجتماع، وكتاب "قصص المنفلوطي: رسالة نقدية في العبرات". وقد أشار الزركلي لديوان له لم يطبع وقصائد نشرها في مجلتي "أبولو" و"الهلال"، ونشر دراسة عن الشيخ على الليثي في مجلة "السياسة". ويعد كتابه "مصر في ثلثي قرن" أحد منشورات ثورة 19 السياسية حيث صدر أثناء الثورة للرد على ادعاء الانجليز بدورهم في تحديث مصر مؤكدا بالبيانات والإحصاءات أنهم تعمدوا دفع مصر نحو التخلف. وأعلن بوضوح أن الاستقلال التام هو أمنية الحياة، فإما هو أو الموت، وكما قال: "هيهات أن يرضي شعب لنفسه ما يرضى للسلعة تنتقل من يد إلى يد بغير ثمن أو بثمن". وفي كتابه "الطبع والصنعة في الشعر" ينطلق من أن للشعر دورا في تأسيس الوعي القومي بشكل يتجاوز الوظيفة الجمالية، لذا دعا لتحرير الشعر من تلك الموضوعات التي لا تحرك الشعوب نحو حريتها. ويقسم الههياوي الشعر على ثلاثة أقسام "شعر الفطرة، وهو الأصيل، وشعر الصنعة، والثالث الساقط من الحساب شعر الغفلة"، فكلما كان الشعر صادرا عن ذات نفس الشاعر، كان هو شعر الطبع أو شعر الفطرة، وكلما كان صادرا عن غير ذات نفسه فذلك شعر الصنعة أو الافتعال، والشاعر المطبوع هو الذي يفيض قلبه إحساسا فيفيض إحساسه شعرا. أما الفكاهة عند محمد الههياوي فهي ممازحة مرتبطة بالواقع، ونُصْحٌ مؤسسٌ على الانحياز للإصلاح، وأحد أشكال المقاومة الوطنية في مواجهة الخيانة والفساد.

ولقد خلق الههياوي مستويات من الحجب ليستتر خلفها مخفيا هويته ليضمن الحماية لنفسه. لذا لم يوقع قصائده بشكل صريح واكتفي (بالشاعر إياه) منتحلا أصوات بعض معاصريه لذا كان إبهام اسم الشاعر، والراوي الوهمي، وانتحال الشعر على لسان معاصريه، واختراع شخصية "إياه" كوسيلة لحمايته من الملاحقات كما انتحل الشعر على لسان عدد من الشخصيات كان أبرزها شخصية محمد نجيب الغرابلي، لتصبح شخصية "إياه" الخيالية مستودعا للسخرية ولسانا للنقد. وبالإضافة إلى ذلك، ابتكر الههياوي راويا شارحا لقصائده نسمع صوته في المقدمات النثرية ونرى شروحه في الهوامش المختلفة بالرغم من أننا لا نعلم من يكون ليؤكد حضوره غياب الشاعر من مشهد الإرسال والتلقي، وليصبح حجابا إضافيا بين مبدع النص والمتلقي بهدف الحماية والتحرر.

كما اعتمد الههياوي على الترميز كاستراتيجية أساسية لتكثيف الدلالة والانفتاح على الواقع بسياقاته المختلفة لبناء رؤية مختزلة وكاشفة. وكانت شخصيتا "سيرين"، و"جون بول" من أهم تلك الرموز التي كشفت التواطؤ وفساد الواقع بشكل عام.

 وأيضا اعتمد الههياوي على الأحداث التي عاصرها آنذاك موضوعا للقصيدة، فأصبحت في مجملها تعقيبا على ما يجري على أرض الواقع وتعريضا به. فاستفاد من الأحداث والقضايا العامة في صياغة الفكاهة في القصيدة التعقيبية، ومن تلك الأحداث والقضايا: قضية السودان، والنيل، والجلاء، والسيادة الوطنية، والمفاوضات، والانتخابات، وتشكيل الوزارات، وقدوم ورحيل المندوب البريطاني، واجتماعات الأحزاب، والمعاهدات، والأعياد والمناسبات، وإنذارات إنجلترا، وأزمة الجيش، مشاكل القطن، والري، والسفارات، والامتيازات، وقضايا العمال والفلاحين والموظفين... وغيرها.

 وكذلك التقط الههياوي بعض الأنماط وجعلها مدخلا وموضوعا لعدد من قصائده، خاصة الأنماط التي تكشف وعيا انعزاليًا معاديًا للمجتمع وقد تناول من خلال تلك الأنماط القيم المنهارة التي تحبط الآمال العامة في التحرر والاستقلال والعدالة والمساواة، لتأتي السخرية من تلك الأنماط إجازة من القهر والاحباط وإيقاظًا للوعي الجمعي وتنبيهاً على هشاشة السلطة وإمكانية مقاومة ظلمها. لقد اتخذ الههياوي من القصيدة الساخرة وسيلة لبناء الوعي وتعزيز المواقف الرافضة للقهر وبناء العقل النقدي نحو الحرية والاستقلال، لذا فإن ما كتبه الههياوي يتجاوز اللحظة الزمنية الذي ابدع فيه ليصبح نموذجا للشاعر المسؤول الذي يعالج بالسخرية والنقد مشاكل الوعي في جميع العصور وشكلا مميزا للإبداع في النصف الأول من القرن العشرين عكس حراكا سياسيا واجتماعيا استمرت آثاره لعقود طويلة.