26 - 06 - 2025

ما وراء أبواب الجحيم الشرق أوسطى

ما وراء أبواب الجحيم الشرق أوسطى

الحروب، تحملُ الدمار للبشر والحجر، والدماء والقتلى، ومعها صخب خطابات التضليل والمراوغة، والتعمية، والمناورات السياسية، وملكة إدارة الجيوش، والذكاء الاصطناعى، والثورة الرقمية فى عالمنا المتغير.

ما وراء الدمار، والإبادة فى قطاع غزة، والحصار الجماعى، وتدمير ثلثى القدرات الصاروخية لحزب الله، وعديد من رموز قيادات الصف الأول، والثانى، وبعض الثالث.. جاء العدوان على المنشآت النووية الإيرانية فى فوردو، ونطنز وأصفهان، واغتيال أعداد من علماء الذرة، وقادة فى الحرس الثورى، وضربات صاروخية إيرانية على بعض المواقع فى داخل إسرائيل.

وسط العدوان الأمريكى على المواقع النووية الثلاث تنفجر مع القنابل والصواريخ والطائرات المتطورة، عديد الأسئلة الأساسية ما حالة وراء الدمار، والافتخار الأمريكى بالقوة المفرطة، ومعها خطابات الدعم الأوروبى - البريطانى والفرنسى والإيطالى - ، لتصفية البرنامج النووى الإيراني والسعي الكامن لتغيير طبيعة النظام الإيراني، ومساندة ودعم إسرائيل علي كافة الصعد؛ وتوظيف مصطلح الدفاع الشرعى عن نفسها دون مسوغاته، وأسبابه فى القانون الدولى العام، وقانون الحرب، والدولى الإنسانى واللامبالاة بالمحكمة الجنائية الدولية، والعدل الدولية وقرارها الاستشاري بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة بعد عدوان الخامس من يونيو ١٩٦٧.  خطاب القوة المفرطة العسكري والذكاء الاصطناعي والرقمي، يحمل وفى أعطافه النزعة النيوامبريالية الكونية، والنيوليبرالية المهيمنة على القادة الأمريكيين، والأوروبيين.

السؤال ما هى مرجعية هذه الخطابات السياسية للقوة الكونية فى مواجهة بعض العالم العربى، والإسلامى؟ وما هى دلالته وانعكاساته على شعوب، وثقافات المنطقة؟

مع وصول ترامب إلى السلطة، ومعه خطاب أمريكا أولا، ولنجعل أمريكا عظيمة مرة أخريMAGA، يبدو حاملاً لنزعة شعبوية– واوليغاربشية، والاستبداد وفق بيرني ساندرز، في ضوء سلوكه إزاء الكونجرس وبعض الولايات والهجرة - محمولة على بعض من الغرابة، والمفاجأة ،  والانطباعية المرسلة وتناقضاتها الصاخبة فى الخطاب السياسى الترامبي وشعاره - وفق الكاتب مايكل وولف "أفعل .. لن أفعل ..لا سأفعل "- الذى تم هندسته، وتوظيفه فى إنتاج الارتباك، والاضطراب السياسى وبعض من الفوضى الجزئية في بيئة العلاقات الدولية، لكى تستطيع الإدارة الجمهورية، التفاوض من أجل تحقيق المصالح القومية السياسية، والاقتصادية الأمريكية، وتحقيق مكاسب داعمة للجمهوريين في الداخل حزبيا. إن نظرة على خطاب ترامب بعد ضرب الطائرات الشبحية B2 للمواقع النووية الإيرانية الثلاث، ومعه وزير دفاعه بيت هيجست الذى قال "تم استعادة الردع الأمريكى، وحينما يتحث الرئيس يجب أن يستمع العالم"، وترداد القول أن الجيش الأمريكى أقوى جيش فى العالم تشير هذه النزعة الافتخارية بالقوة المفرطة إلي سمت شعبوي وعرقي وقومي يميل إلى مغازلة الوزير الأمريكى لرئيسه، ومداعبة شعوره المتضخم بالعظمة والتفرد، وميله الاستعراضى الانطباعى والمدروس، وغرائبيته!

ثمة نزعة مفرطة للاحتفاء بالقوة العسكرية والذكية والاقتصادية، والاستعراض الخطابى السياسى، للعدوان على إيران، وهو ما يعكس مفهوم الاستعلاء النيوامبريالى والنيوليبرالى المفرط المسيطر على عقل الإدارة الجمهورية ورئيسها، والشركات الكونية الكبرى، فى كافة المجالات، وخاصة  العسكرية، والرقمنة والذكاء الاصطناعى التوليدى.

ثمة استعلاء ثقافى وعرقى كامن فى هذا الخطاب، ونزعة قومية. هذا النمط من الشعبوية الاستعلائية يرمى إلى تعبئة مؤيدى ترامب، وغيرهم فى الولايات المتحدة، وذلك تمهيدا للانتخابات القادمة للكونجرس. فى ذات الوقت، استدعاء وتنشيط النزعة المسيحية الصهيونية.

خطاب القوة قبل وبعد ضرب المنشآت النووية الإسرائيلية يستهدف استعادة مفهوم الردع، ورسالة إلى الصين وروسيا فى الصراع الدولى.

الولع والشغف والافتخار الشعبوى بالقوة المفرطة، يمثل استعادة، وتجديدا لبعض من النظرات الكولونيالية، والإمبريالية إزاء الثقافات الأخرى الادني ومستمد أيضا من نظرة الرجل الأبيض المحتل لأمريكا والهنود الحمر من السكان الأصليين، والتمركز الثقافى الأورو-أمريكى حول الذوات العرقية والثقافية، ومفهوم الرجل الأبيض المتقدم إزاء الآخر – أيا كان عرقه ولغته وثقافته - الأدنى على نحو ما أظهرته الكتابات النقدية ما بعد الكولونيالية، وخاصة الانثربولوجيا الكولونيالية وما بعدها.

إعادة النيوامبريالية، ومعها النيوليبرالية بعض من هذا المفهوم الاستعلائى إزاء المنطقة العربية، وثقافاتها، وفى دعمها لإسرائيل فى مواجهة الفلسطينيين، وعدوانها على قطاع غزة وسياسة الإبادة الجماعية، وأيضا العدوان الأمريكى الإسرائيلى على إيران، بقطع النظر من الطبيعة الأوتوقراطية لنظام الملالى، ونزعته الإمبراطورية مع تركيا وإسرائيل فى محاولات الهيمنة على النظام الشرق أوسطى.

النيوليبرالية ترى الإنسان محضُ مستهلك وسلعة، وشئ يمكن تشكيله، وتحفيز وتوليد دوافعه ورغباته الاستهلاكية! لا شك أن هذه النظرة مع الثورة الرقمية، ونظام البيانات الضخمة، هيمنت على العقل النيوليبرالى الذى يؤثر على العقل السياسى للقادة الأمريكيين، والأوروبيين ما بعد الحرب الباردة!

هذه النظرة الدالة على استعلاء الطبقة النيوليبرالية الأمريكية والأوروبية واليابانية  تمتد إلى النظرة إلى الإنسان فى الثقافات الأخرى على أنه مادة، وشئ، يمكن تشكيله كجزء من الجموع الرقمية الغفيرة، ومن ثم هو محض رقم ضمن البيانات الضخمة، خاصة في جنوب العالم والدول الفقيرة، والمتوسطة، وفى العالم العربى وإيران حيث الاستعلاء له جذور تاريخية كولونيالية وعرقية، ودينية، وتخلف تاريخى مركب ومستمر. نظرة استعلائية ذات جذور فى الاختلاف الثقافى والدينى، والمذهبى، وهيمنة الاستبداد، والتسلط السياسى الشعبوى ما بعد الاستقلال، وإعادة إنتاج التخلف السياسى والاجتماعى.

تزايدت النزعة الأمريكية/ الأوروبية الاستعلائية بعد فشل الفوضى الخلاقة، وما أطلق عليه مجازاً الربيع العربى، استمدادًا من الربيع الأوروبى - ١٨٤٨- فى القرن التاسع عشر، وربيع براغ.

غرور القوة الرقمية والذكاء الاصطناعى التوليدى ولدت، ونشطت حوافز الشعور لدى القادة فى أمريكا –الحزب الجمهورى وغيرهم - بالقوة الذكية المفرطة إزاء المنطقة العربية، واستغلال القوة المالية لدول اليسر، في ظل رهابُ الخوف من التمدد الإيرانى، والقوى المساندة له فى الإقليم حزب الله، والفصائل الشيعية المسلحة فى العراق، وحماس والمقاومة، والحوثيين فى اليمن.

مفهوم القوة المفرطة، والردع حاولت أمريكا تكريسه بضرب إيران، والمقاومة، وحزب الله ، وهو ما يشير إلى أن مفهوم القوة الأمريكى/ الإسرائيلى/ الأوروبى فوق التنظيم الدولى، والشرعية الدولية، وهو ما تكرس فى سياسات القادة الأمريكيين من جورج بوش الإبن إلى بايدن وترامب إزاء اللامبالاة بالقانون الدولى العام ، والحرب ، والدولى الإنسانى من غزو العراق، وإزاء القضية الفلسطينية وحرب الإبادة فى غزة والعدوان علي ايران .

إن غرور القوة العسكرية والذكية النيوليبرالية، والنيوامبريالية، يتمثل فى التلاعب وإزاحة مفهوم السلام العالمى لصالح القوة المفرطة- والعدوان- التى تبنى السلام، وفق رؤية اليمين الإسرائيلى واليمين التوراتى الأسطورى المتطرف، وهو ما بدا منذ اتفاقيات إبراهام فى ولاية ترامب الأولى، والعدوان على غزة، وإيران، وضرب الأذرع الإيرانية فى لبنان، واليمن، والعراق بين الحين والأخر.

غرور القوة المفرطة العسكرية والذكية أدى إلى نزع الأقنعة الأخلاقية عن توظيف القيم الليبرالية السياسية والإنسانية فى مواجهة الإمبراطورية السوفيتية الشيوعية، وإزاء الشعبويات السياسية ما بعد الاستقلال فى المنطقة العربية، ودول جنوب العالم.

نهاية قناع الليبرالية السياسية –الديمقراطية-، والحريات، وحقوق الإنسان، لصالح النيوليبرالية، أدى إلى دعم النظم الاستبدادية، والتسلطية فى المنطقة، ومن ثم إلى إضعاف منظومة وأجيال حركة حقوق الإنسان عالميا، ومعها المنظمات الأهلية الحقوقية.

من ثم أدت السياسات النيوليبرالية، والنيوامبريالية إلى تجديد إعادة إنتاج  شبكات التبعية الاقتصادية من خلال الشركات النيورأسمالية الكونية ، وهيمنة سياسات مؤسسات التمويل الدولية على السياسات الاقتصادية، وخاصة فى دول العسر العربية، وجنوب العالم.

أدت هذه السياسات إلى تفكيك النظام العربى، ومحاولة إعادة بناء مواقع القوة الجيوسياسية فى المنطقة، على نحو ما تسعى إليه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ودعم السياسة الإسرائيلية فى تصفية المسألة الفلسطينية، وحل الدولتين، وتوسيع اتفاقات إبراهام.

لا شك أن العدوان على إيران، وقبلها على أذرعها الإقليمية، سيؤدى إلى عديد التغيرات فى الشرق الأوسط، وموازين القوى الإقليمية ، إلا أن ذلك لا يعنى تحقق كل أهداف أمريكا وإسرائيل، فى منطقة معقدة، وقد يفتح ذلك  المجال امام عودة الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية وظاهرة الذئاب المنفردة في أوروبا وأمريكا، وهو مايشكل بعضا من أبواب الجحيم في الشرق الأوسط.
-----------------
بقلم: د. نبيل عبدالفتاح

مقالات اخرى للكاتب

ما وراء أبواب الجحيم الشرق أوسطى