توقف القتال فى حرب الاثنى عشر يوما بين إيران و (إسرائيل وامريكا) بشكل سينمائى هوليودى غير مسبوق فى الحروب السابقة . فمن المعروف أن من يبدأ الحرب لايستطيع ولا يملك توقيت وكيفية إيقافها. ولكننا وجدنا ترامب قد أجاد اللعبة بإيقاف الحرب بين الفرقاء فى الوقت الذى هو فيه أخطر الفرقاء!!
وما يعنينا هنا بديلا لتلك المهاترات المعتادة فى مثل هذه الظروف والتى يأخذ فيها كل طرف منحاز لأحد الأطراف دور المحلل العسكرى والإستراتيجي الذى يقنعنا بانتصار الطرف المنحاز إليه انتصارا مظفرا، ولا مانع أن يكون سبب هذا الانتصار هو تمسك طرفه بالدفاع عن الدين فى مواجهة اعداء الدين وكأن الحرب دينية فى المقام الأول . ولأن هؤلاء واولئك لا علاقة لهم بالتحليل الموضوعى غير انكفائهم على أفكار دينية متطرفة تستغل الدين اسوأ أستغلال، يتناسون ويجهلون أن الحروب أولا وأخيرا وعلى مدى التاريخ لا علاقة لها بالأديان، ولكن لها كل العلاقة باستغلال الأديان لصالح تحقيق مصالحها الاستعمارية فى المقام الأول .
لذا وعلى ذلك ما يعنينا هنا فى المقام الأول هو: ماهى تلك الدروس المستفادة من التحليل العلمى والموضوعى بعيدا عن النظرة الطائفية لهذه الحرب؟
أولا: أثبتت هذه الحرب أن المواجهات العسكرية الفاعلة والمحققة لنتائج ملموسة لم تعتمد على القوى العسكرية التقليدية (أفراد جيوش) أسلحة تقليدية (طيران دبابات ...الخ) ولكن كان الاعتماد على التقدم التكنولوجى والذكاء الاصطناعي والأسلحة غير التقليدية (صواريخ فرط صوتية ومسيرات متقدمة) .
ثانيا: رغم التقدم التكنولوجى ولكن تم التعامل مع ( الجبهة الداخلية ) كقوة مساندة وفعالة فى كل الأحوال . فكانت أكبر عملية اختراق مخابراتى اسرائيلى لعمق الاعماق الإيرانية، حتى أن الضربة الأولى كان لها تأثير عميق خاصة فى عملية استهداف القيادات العسكرية النافذة وعلماء الذرة، الأمر الذى اثر على الروح المعنوية فى البداية .
ثالثا: كانت بداية الضربة الاسرائلية والتى ساهمت فيها أمريكا بعملية التمويه تحت زعم استمرار المفاوضات بين أمريكا وايران وصولا للضربة الأمريكية للمفاعلات الثلاث النووية الايرانية انتهاء بإعلان ترامب بإيقاف القتال، تؤكد وتعلن أن حماية الكيان الصهيونى باعتباره الممثل الشرعى والفعلى فى المنطقة للاستعمار الأمريكى والغربى حقيقة مؤكدة .
رابعا: أن طبيعة الأمور وسنن الحياة وقانون الوجود ترفض المطلق تحت أي زعم . فلا يوجد قوة مطلقة تفعل ما تريد وقت ما تريد. ولكن هناك نسبية تعطى كل الأطراف الحق والفرصة فى التواجد والدفاع عن النفس. فبالرغم من امتلاك امريكا والكيان (ومن وراءهما فى المنطقة وخارجها) من إمكانيات ولكن وجدنا هناك مقاومة وإرادة سياسية ساهمت فى إيجاد رد فعل إيرانى أجبر ترامب على إيقاف الحرب بتلك الطريقة الهوليودية .
فهل لنا نحن كمصريين (شعبا ودولة ونظاما) أن نستوعب ونعى جيدا تلك الدروس. خاصة أن التناقض مازال وسيظل بيننا وبين الكيان غير أي تناقض آخر بين الكيان وبين دول المنطقة. باعتبار أن المشكلة الرئيسية هى القضية الفلسطينية التى يرتبط بها أمننا القومى. المشكلة تلك السردية التوراتية التى تعتبر أرض سيناء أرضا يهودية مقدسة . المشكلة أن مصر بالرغم من مايسمى باتفاقية السلام مع الكيان فلا أمن ولا أمان مع من لايؤمنون بغير سلام لهم على حساب البشر على اعتبار اوهامهم بأنهم شعب الله المختار. هنا لابد من أن ندرك المخاطر والتحديات التى تواجه الوطن . وهذا يتطلب الاستفادة من رسائل تلك الحرب فى إطار الجديد فى المواجهة العسكرية. التحقق تماما من محاولات اختراق الجبهة الداخلية خاصة فى الإطار الطائفى الذى دائما ما يستغل طوال الوقت. وكذلك إعداد الجبهة الداخلية والتى هى السند الأساسى والحصن الحصين لأى مواجهة عسكرية .
هذا يتطلب من الحكومة التحرك الفاعل على أرض الواقع بعيدا عن المكاتب المكيفة . التفاعل مع المطالب الشعبية المتاحة والممكنة اعتمادا على الحوار الدائم مع الجماهير وفتح باب الحوار بإعطاء الفرصة الحقيقية للرأى الآخر . فكلنا فى مركب الوطن ونجاتها هى مسؤولية الجميع . والتاريخ لا يرحم . حفظ الله مصر وشعبها العظيم .
----------------------
بقلم: جمال أسعد