ارتفعت مكانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن بعض الناخبين بدأوا بالعودة من أقصى اليمين إلى حزب الليكود. هذا قد يمنح نتنياهو هامشًا أوسع للمناورة السياسية.
لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعيد رسم قواعد الدبلوماسية مباشرة على الهواء: لم يعد هناك تبادل وثائق معقدة خلف الأبواب المغلقة، بل منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بأحرف كبيرة.
لم يتم توقيع وقف إطلاق نار رسمي بين إسرائيل وإيران، بل تم التوصل إلى تفاهم غير معلن، مدعوم بتغريدات علنية من ترامب، الذي لعب دور الوسيط والحكم والسلطة النهائية.
منذ البداية، كان ترامب مترددًا في الدخول في حرب. هدفه كان توجيه ضربة سريعة، ثم قطع العلاقات وإنهاء القتال قبل أن يتصاعد إلى حملة طويلة قد تجرّ دول الخليج وتُهدد أسعار النفط. بعد الهجوم على منشأة فوردو النووية الإيرانية، بدأ العد التنازلي لوقف إطلاق النار.
المغامرة أتت أُكلها: فقد انخفضت أسعار النفط بنسبة 8% يوم الإثنين بعد الرد الرمزي الإيراني على قاعدة أميركية كبرى في قطر، واستمر الانخفاض في التداولات المبكرة ليوم الثلاثاء. وبذلك، تلاشت التهديدات المباشرة على الاقتصاد الأميركي.
وبحسب مصدر سياسي إسرائيلي، كان هدف ترامب وفريقه منذ البداية هو حصر الصراع في تفكيك البرنامج النووي الإيراني فقط، دون اهتمام بتغيير النظام أو تنفيذ مخططات أوسع كان يروّج لها وزراء من حزب الليكود الإسرائيلي.
بعد هجوم فوردو، تدخلت قطر — شريكة إيران في أكبر حقل غاز في العالم — وضغطت على طهران لقبول وقف إطلاق النار وتقليل الخسائر وإنهاء الحرب. بل عرضت قطر "استضافة" الضربة الإيرانية على قاعدة العديد الجوية الأميركية، وهي ضربة لم تُحدث أثرًا عسكريًا حقيقيًا، لكنها عطلت حركة الطيران في الدوحة، وهو قطاع حيوي لاقتصاد قطر.
وقد تم التوصل إلى وقف إطلاق نار كـ "ترتيب أحادي منسق": أعلن ترامب القرار للطرفين مستخدمًا تغريداته كسوط، وتوعد أي منتهك بتوبيخ علني. لم تُبرم اتفاقيات أخرى، بل تم فقط وقف إطلاق النار.
في الأيام القادمة، من المتوقع أن تستأنف الولايات المتحدة وإيران وقطر (الشريك الجديد في المفاوضات) محادثات بشأن اتفاق نووي دائم. خلال فترة القتال، التزم مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الصمت، كونه قناة الاتصال المباشر مع كبار المسؤولين الإيرانيين.
هذه المفاوضات لا يُتوقع أن تكون معقدة. فإيران تلقت ضربة قوية، وبرنامجها النووي تعرض لشلل شبه كامل، وليس لديها الكثير لتطلبه سوى الحفاظ على كرامتها. بالمقابل، يمكن أن تجني الكثير: تخفيف العقوبات، انتعاش اقتصادي، وهامش تنفّس للنظام الحاكم.
لكن ملف الصواريخ الباليستية أكثر تعقيدًا.
حتى الآن، لم تصرّح إدارة ترامب بأي شيء في هذا الشأن، على الرغم من أن نتنياهو يعتبره أحد الهدفين الرئيسيين من الحرب ومسببًا أساسيًا للتصعيد. ترفض إيران تمامًا مناقشة ترسانتها من الصواريخ، وتدّعي أن هذا الملف منفصل عن البرنامج النووي، رغم إمكانية تركيب رؤوس نووية على الصواريخ.
وفي إسرائيل، هناك قلق من أن إيران، بعد أن حُرمت من السلاح النووي، ستتجه لتوسيع ترسانة صواريخها التي أثبتت فاعلية تدميرية كبيرة، كما أنها أسهل تقنيًا من تطوير رؤوس نووية. تأمل إسرائيل في دعم أميركي بهذا الملف، لكن من غير الواضح مدى اهتمام إدارة ترامب به.
وفي هذه الأثناء، ومع انتهاء الحرب، يُتوقع تصعيد المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشأن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق نار دائم في غزة.
من وجهة نظر إدارة ترامب، فإن ضربة فوردو كانت معروفًا كبيرًا لإسرائيل، لكن الثمن سيأتي لاحقًا — وقد يكون على شكل ضغوط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة أيضًا.
وقال دبلوماسي من دولة خليجية لصحيفة هآرتس يوم الثلاثاء إن الرسائل الأميركية تؤكد على ضرورة "إنهاء هذا الملف والتوقف عن تبادل الأوراق". وكانت قطر والولايات المتحدة قد ناقشتا علنًا في السابق تقديم إطار لوقف إطلاق نار واتفاق دائم في غزة يتم فرضه على الطرفين. ويبدو أن هذا الاقتراح سيُعاد طرحه مجددًا. حتى نتنياهو يدرك أن أولوية الولايات المتحدة ودول الخليج الآن هي إنهاء حرب غزة.
وفي يوم الإثنين، أفادت الصحفية الإسرائيلية دافني لئيل على قناة 12 أن نتنياهو يستعد لـ"انتخابات مبكرة".
ورغم أن إسرائيل لا تمتلك آلية قانونية واضحة لإجراء انتخابات مبكرة، كما أن لجنة الانتخابات المركزية شبه معطلة وبطيئة، فإن التهديد موجه تحديدًا لوزيري اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين فقدا أوراق الضغط السياسية الأساسية.
فالغرض الأساسي منهما — إبقاء نتنياهو على يمين الخريطة السياسية — فشل خلال هذه الحرب. مكانة نتنياهو تعززت، وتشير الاستطلاعات إلى أن ناخبين ينتقلون من بن غفير إلى الليكود. وهذا يمنح نتنياهو مساحة أكبر للمناورة، سواء لإنهاء الحرب في غزة، أو الدخول في انتخابات وهو يعتلي خطاب النصر، لا كمن يرضخ للأحزاب الدينية المتشددة.
ومع دخول إسرائيل وإيران مرحلة توازن ردع جديدة، يظل الاتفاق النووي بعيد المنال.
للاطلاع على الموضوع بالانجليزية يرجى الضغط هنا