مازالت كل من إيران والكيان المحتل يراجعان نتائج وخسائر ومكاسب الحرب بينهما على مدى 12 يوما، وبالتالي فالأرقام المتداولة عن نتائج الحرب ستظل في إطار التقديرات استناداً إلى ما أعلنه الطرفان.
والسؤال المطروح من الخاسر ومن الرابح في هذه الحرب التي فرضتها قوات الاحتلال للأراضي العربية على إيران؟.. في إطار الإجابة عن ذلك، من المهم أن نستبعد الضربات التي شنتها القوات الأمريكية المعتدية على سيادة إيران من هذا الحسبة، لأنها ضربات تدخلت بها واشنطن لحماية الكيان الصهيوني من هزيمة، وللتعجيل بوقف إطلاق النار.
كافة الدلائل تشير إلى أن الحرب أثبتت أن إسرائيل غير قادرة على الصمود طويلا في حرب مع جيش نظامي يمتلك قوة من العتاد العسكري المتنوع، حتى وإن كانت الحرب تكنولوجية، وعن بُعد مثلما شاهدنا وتابعنا الأحداث على مدى 12 يوما.
صحيح أن إسرائيل أوقعت في أول ضربة خسائر كبيرة بإيران، وتم اغتيال عدد من القادة العسكريين، وسعت إلى تدمير البنية العسكرية الإيرانية، إلا أن الكيان المحتل تخيل أن إيران لن ترد، أو سيكون ردها كبير، والعكس هو ما تم فمن اليوم الثاني للحرب، يمكن القول إن الحرب بدأت فعليا، بين طرفين المسافة بينهما أكثر من ألف كيلومتر.
ووفقا لرؤية العسكريين، فإن الكيان متفوق في القوات الجوية، بسبب الدعم الأمريكي اللامحدود على مدى سنوات بأحدث الطائرات الحربية، وهو ما أعطاه تفوقا نوعيا في استخدام الطائرات، وفي المقابل فإن إيران وعلى مدى سنوات نجحت في تطوير منظومة صواريخ، نجحت في الوصول إلى العمق الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويكاد هناك توازن خلال الحرب في منظومة الطائرات المسيرة.
على مستوى الخسائر البشرية، فوفقا لما أعلنته طهران فإن الحرب أسفرت وفي غضون 12 يوما عن مقتل 610 أشخاص على الأقلّ وإصابة أكثر من 4700 شخص بين عسكريين ومدنيين، ورقم الوفيات قابل للزيادة في ضوء الإصابات الخطيرة للبعض.
وإيران لم تنكر حجم الدمار الذي أصاب البني التحتية وفي المستشفيات، وهو ما يؤكده ما كتبه المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية "حسين كرمانبور" على منصة "إكس" أنه "خلال الأيام الـ12 الأخيرة، عمت المستشفيات مشاهد مروّعة جدا"، كما تضررت سبعة مستشفيات وتسع سيارات إسعاف جراء الضربات الإسرائيلية.
ولم ينكر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تصريحات صحفية حجم الدمار الذي أصاب المنشآت النووية، ولكن مازال الحصر جار لتقديم حجم الأضرار.
وفي ميزان تحليل الخسائر في جانب الكيان المحتل، فإن الحرب أسفرت - وفقا لما أعلنته حكومة الاحتلال - عن مقتل 30 إسرائيلياً وأكثر من 1300 مصاب، وكما أحدثت دمارا واسعا في المنشآت العسكرية، والمدنية والبحثية، وغيرها.
ولكن الملفت للنظر أن التأثير النفسي كان بارزاً جداً على جانب الكيان الصهيوني، فقد وصلت التقديرات إلى هروب مئات الألاف وربما ما يقارب المليون إسرائيلي، إلى الخارج، خصوصا إلى قبرص واليونان، وإيطاليا، وبعض من الدول الأوروبية، حتى الولايات المتحدة، وبلدان عربية، مثل المغرب، وبعض المدن القريبة في المحيط الإقليمي، وهذا لم يحدث على الإطلاق على الجانب الإيراني.
أما الكلفة الاقتصادية على إسرائيل في الحرب، فقد تجاوزت 3 مليارات دولار، وفق تقديرات خبراء، خصوصا فيما يتعلق بعمليات الاعتراضات التي تتم عبر القبة الحديدية، والتي تعتمد على أعلى الأنظمة تكلفة، وهو ما دفع تل أبيب في مرحلة سابقة إلى البحث عن بدائل لاعتراض الصواريخ البالستية بنظام الإشعاع، بخلاف الخسائر الكبيرة بمليارات الدولارات لإعادة بناء ما دمرته الصواريخ الإيرانية.
والكلفة الاقتصادية على طهران كبيرة هي الأخرى لعلاج ما تم تدميره من منشآت عسكرية، ومدنية، بما في ذلك ما دمره العمليات العسكرية الأمريكية لدعم الكيان الإسرائيلي والمحتل، كل هذا سيحتاج لمليارات الدولارات لإعادة الإعمار.
ولا شك أن كل من إيران وإسرائيل يتمتعان بقوة عسكرية كبيرة، إلا أن إيران لها تفوق عددي عام حيث يبلغ عدد أفرادها حوالي 600 ألف في الخدمة، و350 ألف جندي احتياطي، بينما إسرائيل، لديها 170 ألف جندي في الخدمة و450 ألف جندي احتياطي.
ولا شك ووفق كل المؤشرات، فمازالت إيران لديها مقومات القطاع النووي، وستسخر اقتصادها في الفترة المقبلة، ولن تتخلي عن برنامجها النووي، بغض النظر عن طبيعة الاستخدام، وسيظل الجدل والحوار مفتوحان إلى أخر مدى، وربما يدخل جزء كبير في جوانب سرية.
ربما يستغرق الأمر فترات أطول، بعد الأضرار التي اصابت ثلاث منشآت رئيسية، إلا أن حجم الضر لم يتم حسمه حتى، وربما التدمير الشامل لم يصل للحد الذي يروجه الأمريكان والإسرائيليون.
كل طرف يحاول الترويج أنه الفائز في الحرب، إلا أن الواقع يؤكد أنه لا خاسر ولا فائز بشكل نهائي، أو بالضربة الأقوى، في حرب الـ12 يوما، إلا أن المؤكد أن إسرائيل وصلت للنفس قبل الأخير في الحرب، وسرعان ما قبلت وقف إطلاق النار، لتقييم الحرب، وإيران وجدت في وقف الحرب فرصة لتقييم الأوضاع، وتصفية الجزء الأعظم من خونة الداخل وعملاء الصهاينة، والحفاظ على البنى النووية، التي قد تحتاج لشهور ليست بالطويلة للإصلاح، وفق تقارير إعلامية غربية وأمريكية.
وفي النهاية تتسم المرحلة القادمة بعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، بالضبابية، وربما تكون إيران في موقع أقوى، ويظل العدو الصهيوني في محور القلق، بعد عدم تحقيق أهدافه الكلية في حرب الـ12 يوما، حتى بحسابات الضربة الأمريكية الموجعة.
---------------------------
بقلم: محمود الحضري