25 - 06 - 2025

اليتيم ينزف... والفرح قائم

اليتيم ينزف... والفرح قائم

(عن الحرب التي اشتعلت فوق الجنازة)

في زمنٍ تختلط فيه المعاني،
قد ترى الحرب وتُظنها فرحًا،
وقد تُذبح البراءة على قارعة المشهد
بينما الكاميرات تتسابق لالتقاط المفرقعات في السماء،
لا لتوثيق الدم الذي يسيل على الأرض.

هناك...
في أقصى ركن من هذه الجغرافيا المتوحشة،
ينزف جسد صغير بصمت،
ويعلو صوته في صمتٍ أشد.
هذا هو اليتيم — لا لأنه بلا أهل،
بل لأنه أصبح بلا أحد.

وفي الجهة المقابلة...
الفرح مشتعل.
ليس فرح زفاف، بل فرح الحرب:
أصوات عالية، قرارات مصيرية،
ضربات محسوبة بدقة،
وكل ضربة ترفق معها بيانًا مزركشًا
عن "الردع"، و"الحق المشروع"، و"حماية الذات".

كأنّ الطفل اليتيم الذي أشعلت باسمه أول النار،
قد صار رمادًا لا يُذكر.
كأنّ الطهر الذي جُرح في وضح الشمس
قد أُغلق ملفه، ليُفتح غيره:
ملف الهيبة، الملف النووي، الملف الاستراتيجي،
ملف التحالفات التي لا تلتفت أبدًا إلى وجه الطفل… الملطّخ بالتراب.
---
في فرح اللئام،
الدم يُقرأ في نشرات المساء، لا في وجدانهم.
الدم هناك مجرّد إحصائية،
تُضاف تحت سطر: "الأضرار الجانبية".

المُدهش أن هذا الفرح لا يخجل،
بل يزيد كلما زاد وجع الطفل.
فكلّ قذيفة تسقط بعيدًا عن مائدة اللئام،
هي بالنسبة لهم "نجاح جديد".

وكلّ شهيد لا يُناسب العنوان السياسي…
يُهمَل.
---
اليتيم ما زال ينزف…
لا سلاح في يده، ولا وفد على بابه،
لكن لديه شيء لا يملكه اللئام:
ذاكرة.
ذاكرة من جمر.
كل جرح فيها موثق،
كل خيانة محفوظة.
---
اللئام لا يشعرون.
يرقصون على السلالم بينما الأدوار السفلية تحترق.
يجرّون معاركهم خلفهم كذيول ملتهبة،
غير معنيين إن احترقت بها عائلة نائمة أو حضن صغير ما زال دافئًا.

وكلما سقط اليتيم،
قالوا:
"ليست حربنا. تلك حرب الكبار."
ثم عادوا للاحتفال.
---
لكن السؤال المخيف،
ليس متى ينزف الطفل،
بل متى يتوقّف عن الصمت؟
---
سيظلّ الطفل واقفًا في الظل…
لا يصرخ، ولا يتقدّم،
فقط ينظر.

كلّ ما حوله يعلو:
ضجيج الحرب، خطب الكبار، صفقات السلاح،
وكلّ ما فيه ينزف:
ذاكرته، طفولته، وجه أمّه التي لم تُدفن بعد.

قد يظنّ اللئام أن الفرح لهم وحدهم،
وأن اليتيم لا يملك إلا البكاء،
لكنهم ينسون…
أن بعض الدموع،
تُخزَّن في الأعماق كوقودٍ لما لم يأتِ بعد.
-----------------------
بقلم: محمد عبدالحميد

مقالات اخرى للكاتب

اليتيم ينزف... والفرح قائم