اغتيال اسرائيل لخمسة من صفوة علماء وخبراء البحوث و الأنشطة النووية فى إيران "دفعة واحدة" ؛ وفى عمليات لا تخلو من"خيانة" عناصر من الداخل الإيراني؛ خلال عدوانها على ايران على مدى الاثنى عشر يوما الماضية؛ يؤكد مجددا أن إسرائيل بانت تخشى"عقول"العرب والمسلمين أكثر من "سلاحهم.". وأن معاركها مع تلك العقول للتخلص منها ومن إنتاجها العلمى صارت مفتوحة ؛ و بلا سقف عسكرى أو رادع أخلاقى..!!
اغتيال علماء إيران الخمسة يعيدنا بالذاكرة إلى معركتها مع العالم المصرى الدكتور يحيى المشد "ابو البرنامج النووى العراقى"؛ الذى استدرجه الموساد إلى باريس بالتعاون مع المخابرات الفرنسية؛ لقتله هناك ولتقيد القضية بعد ذلك ضد مجهول!!.
وحتى لا تنسي الأجيال الجديدة فصول وإبعاد تلك الحرب ومعاركها المفتوحة أحسب أنه من الضروري أن "ننبش" فى القبور لنعيد قصة الدكتور المشد إلى الأضواء.. لكى نعتبر ونحتاط..
الدكتور يحيى المشد عالم ذرة وهندسة نووية مصري ولد فى مدينة بنها عام 1932 ؛ تخرج في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية 1952 واختير لبعثة الدكتوراه في إنجلترا ثم في موسكو، وعاد إلى مصر 1963 متخصصا في هندسة المفاعلات النووية ،ليعينه الرئيس جمال الراحل عبدالناصر في هيئة الطاقة النووية المصرية.
سافر إلى النرويج لحضور مؤتمر عن الطاقة النووية والذرية وأثناء إلقائه كلمته في المؤتمر تطرق للقضية الفلسطينية بحماس ووطنية ؛ وتحدث عن ضرورة امتلاك مصر والعرب للطاقة النووية حتى يكون الميزان معتدلا بينهم وبين إسرائيل وأمريكا.
بعد انتهاء المؤتمر عرضت عليه جماعات "يهودية" الانضمام إلى منظمة أمريكية ومنحه الجنسية الأمريكية ولكنه رفض العرض وإغراءاته ، وبعدها بيومين قابله ضابط من الموساد وعرض عليه نفس العرض؛ أو بيع أبحاثه وعلومه مقابل أي مبلغ مالي يريده ؛ وحذره بأنه سيواجه مخاطر على حياته فى حالة الرفض، فما كان منه إلا أن تركه غاضبا وذهب إلى فندق إقامته وحزم حقائبه وعاد إلي مصر تاركا المؤتمر حيث عُيّن أستاذا بجامعة القاهرة بجانب عمله بهيئة الطاقة الذرية المصرية ولكن بعد نكسة ١٩٦٧ تم تجميد البرنامج النووي المصري؛ و استمر في عمله أستاذا بجامعة القاهرة وبعد حرب أكتوبر رأت مصر تأجيل برنامجها النووي لإتمام عملية السلام.
في 1975 وقع صدام حسين اتفاقية تعاون نووي مع فرنسا وسافر المشد إلى العراق معارا ؛ بعد أن طلبه الرئيس صدام حسين بالاسم؛ وانضم إلى البرنامج النووي العراقي؛ وقام برفض بعض شحنات اليورانيوم الفرنسية لأنها مخالفة للمواصفات؛ وهو ما زاد من ثقة صدام حسين فيه وعينه رئيسا للبرنامج النووي العراقي ؛ لاحقا أصرت فرنسا على حضور المشد إلى فرنسا للتنسيق ولإستلام صفقات اليورانيوم...
وسافر فعلا إلي فرنسا لاستلام اليورانيوم المرسل إلي العراق ومعه اثنين من حرس الأمن العراقي، وأثناء إقامته بفندق المريديان في باريس أرسلت عناصر "الموساد" "عاهرة" فرنسية تدعى (ماري كلود لاجال) إلى غرفته؛ لكي تقيم معه علاقة ؛ ويتم تصويره لابتزازه ؛ ولكنه رفض وطردها ؛ وبعدها بدقائق جاء أحد عناصر الموساد الإسرائيلي وطرق باب غرفته قائلا له : (افتح الباب نحن أصدقاء، إحنا ولاد عم...)، ولكنه رد صارخا : (اذهب يا ... أنت ومن أرسلوك..)
وفى اليوم التالى ١٤ يونيو ١٩٨٠ تسلل عنصران من الموساد إلى غرفته رقم (٩٤١) بالفندق في غفلة من حراسه العراقيين وقاما بقتله وتحطيم رأسه تماما.. !!
وفي صباح اليوم التالي وجدوه في غرفته مقتولا وتمت التحقيقات في الحادث من جانب سلطات فرنسا ؛ و عندما تم استدعاء العاهرة لاستجوابها وبحثوا عنها وجدوها مقتولة ؛ بعد أن صدمتها سيارة مجهولة و أغلقت القضية في فرنسا وقيدت ضد مجهول.!!
وبعد اغتيال الدكتور المشد بشهور تم قصف وتدمير المفاعل النووي العراقي بضربة طيران إسرائيلية - امريكية أثناء الحرب الايرانيه العراقية.
والغريب أنه بعد نبأ اغتياله مباشرة قطع راديو وتلفزيون إسرائيل بثه ليذيع على الإسرائيليين خبرا عاجلا نصه: (سيكون من الصعب جدا على العراق مواصلة جهوده من أجل إنتاج سلاح نووي في أعقاب اغتيال العالم المصري المشرف على البرنامج في باريس منذ قليل)، وفي اليوم التالي عنونت صحيفة (يديعوت أحرنوت ) الإسرائيلية: (كل الأوساط في إسرائيل تلقت نبأ اغتيال العالم المصري بسرور وفرحة).
وبعد عودة حارسي الأمن العراقيين إلي صدام حسين بدونه قتلهما صدام بنفسه ؛ واعترفت إسرائيل وأمريكا في فيلم وثائقي باغتيال العالم المصري بالتعاون مع المخابرات الفرنسية.
وقالت: (إنها طلبت من المخابرات الفرنسية أن تصر علي استدعائه إلى فرنسا لإستلام اليورانيوم الذي سيُرسل إلى العراق)، وذكر الفيلم أن (الموساد الإسرائيلي عرض عليه الجنس والمال والسلطة وأي جنسية يختارها وذلك مقابل تعاونه معهم)، وعندما وجد الموساد الإسرائيلي رفضا قاطعا منه قرروا قتله....
ومازالت الملاحقات والمعارك تتواصل ضد الأدمغة العربية والإسلامية..
رحم الله علماء وخبراء إيران و يحيى المشد..و مصطفى مشرفه وسميره موسي وجمال حمدان وسلوى حبيب؛ وغيرهم من نوابغ وعقول العرب والمسلمين.
----------------------------
بقلم: عبدالرزاق مكادي