محاطة بلهيب الصراع، وجدت قطر نفسها في موقف غير مألوف على الاطلاق، بعد ان طلبت الولايات المتحدة منها ان تتوسط لإنهاء حرب كان أحد طرفيها يطلق الصواريخ على أراضيها.
لكن قلما تجد بلدًا يتسم بتعدد الأوجه وتعقيد العلاقات مثل قطر، او صراعًا يتشابك الى هذا الحد مثل الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل.
يبدو أن الهجوم الإيراني المعروف مسبقًا على قاعدة العديد الجوية، التي تمتد على مساحة ستين فدانًا وتُعد أكبر منشأة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، قد تحول إلى فرصة لاستئناف المسار الدبلوماسي.
مهد الهجوم، الذي لم يسفر عن إصابات، الأرضية امام دونالد ترمب وقطر للعمل معًا من اجل تأمين وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران، وهو ما يبرز مجددًا دور قطر كوسيط محترف، وهي خدمة مصممة خصيصًا توفرها هذه الدولة الصغيرة شديدة الثراء من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى غزة.
كانت قطر في طليعة الدول التي ادانت الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران قبل 12 يومًا، واعتبرت هذا الهجوم "انتهاكًا صارخًا لسيادة إيران وأمنها، وكذلك خرقًا واضحًا للقانون الدولي".
لكن في الوقت نفسه، تستضيف قطر دون مقابل، قاعدة العديد الجوية الضخمة التي تستخدمها الولايات المتحدة، وهي أحد أطراف الحرب ضد إيران، وتُقدّر الاستثمارات القطرية في البنية التحتية للقاعدة بنحو ثمانية مليارات دولار على مدى سنوات، وهو ما اشترى لها رضا أميركيًا، رغم أن سياسات الدولة تختلف كثيرًا عن شعار ترامب "أميركا أولًا".
وقد شهدت علاقات إيران مع قطر تحسنًا مطردًا، خاصة منذ أن وقفت إيران إلى جانب قطر خلال فترة المقاطعة الخليجية.
كان وابل الصواريخ الذي أطلقته إيران مساء الإثنين بمثابة هجوم رمزي، شبه مهذب، على القاعدة الجوية الأميركية، ردًا على الضربات الأميركية التي استهدفت منشآتها النووية، وقد شكر ترامب إيران بعد ذلك على التحذير المسبق الذي أتاح إخلاء القاعدة قبل وقوع الهجوم.
وأصدر وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، سلطان بن سعد المريخي، "إدانة شديدة" للهجوم، وأبلغ السفير الإيراني، علي صالحي آبادي، بأن قطر تحتفظ بحق الرد، وفي الوقت ذاته، حرص نائب وزير الخارجية القطري، ماجد الأنصاري، على تحقيق توازن في الموقف، فدان التصرفات الإيرانية، لكنه أشار إلى أن قطر كانت من أولى الدول التي حذرت من مخاطر التصعيد الإسرائيلي في المنطقة.
من جهتها، أكدت الهيئة العليا للأمن القومي الإيراني أنها "تظل ملتزمة بالحفاظ على العلاقات الدافئة والتاريخية مع قطر واستمرارها".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن طهران لن تسمح لما وصفه بـ "الاعتداءات الإجرامية والسياسات الخبيثة" للولايات المتحدة وإسرائيل بأن تخلق انقسامات بينها وبين "الدول الشقيقة" في المنطقة.
نادرًا ما ترافقت انتهاكات لسيادة دولة أخرى بهذا القدر من الندم من قبل الإيرانيين.
وفعلًا، وبمجرد أن تصدت الدفاعات الجوية القطرية للقصف الشكلي تقريبًا، اتصل ترامب بأمير قطر طالبًا منه إجراء المحادثة اللازمة مع الإيرانيين لتأمين موافقتهم على وقف إطلاق النار، وكان الموقف الإيراني منذ بدء النزاع هو أن مسؤولية وقف الضربات تقع على إسرائيل، لكن إذا تمكن ترامب من تأمين وقف إطلاق نار إسرائيلي، فإن طهران سترد بالمثل، وهو ما قيل لقطر.
وهكذا أثبتت قطر مجددًا قيمتها في المنطقة كالدولة الوحيدة القادرة على الحديث مع أعداء أميركا الكبار سواء طالبان، أو حماس، أو إيران.
كما أن قطر أتقنت التعامل مع البيت الأبيض، ليس من خلال توفير طائرة رئاسية جديدة معدلة لترامب فحسب، بل أيضًا بكونها محل ثقة كل من الديمقراطيين والجمهوريين.
وقد شدد ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب، على هذه القيمة في مقابلة حديثة مع تاكر كارلسون، حيث قال مادحًا قطر: "يتم انتقادهم أحيانًا بأنهم غير مخلصين، وهذا سخيف. إنهم مخلصون، وأناس طيبون ومحترمون. إنهم يسعون لوساطة فعالة تحقق هدف السلام. ولماذا؟ لأنهم دولة صغيرة ويريدون أن يُعترف بهم كصناع سلام".
وعندما سُئل عما إذا كانوا عملاء لإيران، أجاب ويتكوف: "انظر، هم دولة مسلمة.. صحيح أن لديهم في الماضي آراء كانت متطرفة بعض الشيء، لكنها اعتدلت كثيرًا.. إنهم يدفعون كل دولار يُنفق على القاعدة الجوية. لا يمدون يدهم لطلب أي شيء، ولا يوجد شيء تحتاج الولايات المتحدة لتمويله فيما يخص هذه القاعدة. وهذا أمر نادر جدًا".