* سيناريوهات الحرب مفتوحة علي مصراعيها.. وتدخل أمريكا سيحول المنطقة لحرب أقليمية.. وباكستان تنتظر.
* الشرق الأوسط الجديد بهيمنة إسرائيلية مرهون بسقوط النظام الإيراني.. ومصر وتركيا "بيت القصيد" !
تشهد المنطقة واحدة من أكثر اللحظات اشتعالا في تاريخها الحديث إذ تتزايد سخونة الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران وسط حالة من الغموض حول أهدافها الحقيقية، فهل المقصود القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟.. أم إسقاط نظام الملالي.. أم أننا أمام لعبة استراتيجية معقدة ترسم ملامح شرق أوسط جديد تكون فيه الهيمنة المطلقة لإسرائيل؟
منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وسقوط نظام الشاه الموالي للغرب، دخلت طهران وتل أبيب في حالة صراع أيديولوجي وعسكري بارد.. إلا هذا الصراع تطور خلال الأسابيع الأخيرة إلى مواجهات مفتوحة.. واغتيالات وضربات صاروخية وهجمات سيبرانية وقصف متبادل داخل حدود كل من الدولتين وحلفائهما في سوريا ولبنان والعراق والخليج.
لكن ما هو ما الهدف الحقيقي من وراء التصعيد المفاجيء وإندلاع الحرب بين الطرفين الآن؟
السيناريو الأول والمطروح منذ زمن بعيد والذريعة الأولي لكل من أمريكا وإسرائيل هو إنهاء البرنامج النووي الإيراني.. هذا هو التبرير الرسمي والمعلن من جانب الطرفين.. في حين أن إسرائيل وحدها هذه الأيام رأت أن إيران باتت على بعد خطوات من امتلاك سلاح نووي وهو ما تعتبره خطا أحمر وجوديا، لذا تقوم منذ سنوات على إبطاء هذا البرنامج عبر عمليات استخباراتية واغتيالات لكبار العلماء النوويين.. لكن لماذا التصعيد المباشر الآن مع أن إيران تخصب اليورانيوم منذ سنوات؟
هل إسرائيل غير قادرة على توجيه ضربة جراحية دقيقة للمفاعلات النووية الإيرانية مثلما فعلت مع العراق في 1981 وسوريا في 2007..
السيناريو الثاني والذي اتضح مؤخرا هو إسقاط نظام "الملالي" وعودة إيران إلى ما قبل الثورة.. وهنا تتسع زاوية التحليل إذ لا تقتصر الأهداف على النووي فقط، بل تشمل تفكيك النظام السياسي والديني الحاكم في طهران الذي أصبح يعد حجر الزاوية في محور المقاومة الممتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان (حزب الله) وحتى اليمن (الحوثيون).
وقد يكون الهدف النهائي هو إعادة إيران إلى ما كانت عليه زمن الشاه.. دولة نفطية ثرية بلا طموحات توسعية أو نووية وتدور في فلك السياسات الغربية.
وهذا السيناريو - بلا شك - يخدم مصالح إسرائيل من حيث تفكيك أكبر عدو إقليمي مهدد لوجودها، كما يخدم أمريكا من حيث السيطرة مجددا على موارد إيران الضخمة وتفكيك محور المقاومة بالكامل.
والسيناريو الثالث هو عمل فخ إستراتيجي لإختبار القوة الإيرانية قبل الضربة الكبرى.. فثمة تحليلات تشير إلى أن الحرب الجارية هي "استدراج مقصود" لإيران لإظهار كل ما في جعبتها من قدرات دفاعية وهجومية تمهيدا لضربها لاحقا بضربة ساحقة غربية – أمريكية – إسرائيلية.
ويدعم هذا الطرح مؤشرات مهمة وهي التمهيد الإعلامي الكثيف لشيطنة إيران وتصعيد العقوبات وتجميد الأرصدة الإيرانية.. ويؤكد ذلك أيضا التحركات البحرية الأمريكية في الخليج وتحذيرات واشنطن لإيران بعدم استهداف قواعدها أو حلفائها.
ولكن الأمر الذي إذا حدث فلن تحمد عقباه وهو التدخل الأمريكي في هذه الحرب والذي يمكن ان يكون الشرارة الأولي لإشتعال حرب إقليمية شاملة بالمنطقة كلها.. فإذا نفذت أمريكا تهديداتها بالتدخل العسكري المباشر فمن المتوقع أن ترد إيران بردود واسعة تشمل ضرب القواعد الأمريكية في العراق والكويت والبحرين وقطر والإمارات.. وسوف يتحرك الحوثيون لضرب الممرات البحرية الحيوية مثل مضيق باب المندب. وسيتم دفع حزب الله لفتح جبهة مشتعلة مع إسرائيل من الجنوب اللبناني.
مع احتمال تدخل حلفاء إقليميين مثل سوريا وربما حتى ميليشيات شيعية في باكستان.
وهنا سيظهر خطر التدويل الكامل للصراع والذي قد يشمل تهديدات نووية متبادلة.. وحدوث أحد الأمرين إما إنهيار لأسعار النفط أو ارتفاعها الجنوني.. وستحدث إنهيارات اقتصادية متتالية.
ولابد ألا ننسي المفاجأة الكبري وهي التهديد الباكستاني أو بالأحري "الورقة النووية الإسلامية"
التي أثارت الانتباه مؤخرا كدولة نووية إسلامية وحيدة في مسار التصعيد.. خاصة بعد تهديدات نتنياهو بإستخدام القوة ضد البرنامج النووي الإسلامي والمقصود به بالطبع إيران وباكستان.. ورغم أن باكستان لا تملك تحالفا مباشرا مع إيران إلا أن التهديد الإسرائيلي لأي دولة نووية إسلامية يقول ان الدور سيكون علي باكستان بعد إيران.. ويثير حساسيات خطيرة خصوصا إذا ما اندفعت الأمور نحو حرب إقليمية دينية..
ولكن..أين مصر وتركيا من كل ذلك؟
هنا بيت القصيد.. فـمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي يحكى عنه منذ زمن طويل يقوم على إضعاف القوى الإقليمية الكبرى "مصر وتركيا وإيران" فإذا تم إسقاط النظام الإيراني فإن العقبة التالية ستكون مصر وتركيا اللتين تعيقان تماما حلم إسرائيل بـ"الهيمنة الكاملة".. وإن كانت مصر تمر بأزمة اقتصادية خانقة تجعلها تحت ضغط دولي.. وتركيا تسير في خط متذبذب بين روسيا وأمريكا وتواجه مشاكل اقتصادية وسياسية داخلية.. وبالتالي فإن أي انهيار لإيران سيفتح المجال لإعادة رسم الخريطة بما في ذلك حصار الدور المصري والتركي اقتصاديا وسياسيا وربما عسكريا.
لا شك من أن سيناريو الأيام القادمة ستكون مفتوحة بكل الاحتمالات إذا استمرت المواجهات بين إيران وإسرائيل بدون تدخل أمريكي مباشر، فقد تطول الحرب لأشهر وتبقى ضمن حدود "الصراع غير المباشر".. أما إذا تدخلت أمريكا مباشرة فإنه وعلى الأرجح يمكن أن تشهد المنطقة حربا إقليمية شاملة قد تغير شكل المنطقة تماما.. أما إذا انهار النظام الإيراني فإن المرحلة التالية ستكون تمهيدا لإعادة تشكيل المنطقة وإقامة "شرق أوسط جديد" يقصي كل من ينافس إسرائيل على القيادة.
ولكن.. هل ستقف قوى مثل روسيا والصين وباكستان وتركيا متفرجة.. أم أننا على أعتاب مواجهة عالمية؟.. هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
-----------------------------
بقلم: ضياء عبد الحميد