رغم أنّه كان بقريشٍ أولو نُهى وأصحابُ رأى إلا أنهم لم يُصدقوا أنّ النّبيّ أُسرى به من مكة إلى المسجد الأقصى، وعاد من ليلته؛ لمُخالفة ذلك طاقات البشر آنذاك .
وقياسا مع الفارق فإنّه خلال جولة بعالم اليوتيوب الأحمر، وجدت فنانة، بينها وبين الدين ثأر (بايت)، اتخذت من العري، والألفاظ الإباحية وسيلة لدغدغة مشاعر أصحاب القلوب المريضة، قد وعدت بتقديم برنامج ديني بعنوان (عقوق الوالدين) على إحدى الفضائيات؛ لبثّ العلم النافع لجمهور المشاهدين .
لاقى هذا الخبر وقتئذ كثيرا من الدهشة والاستغراب من العامة قبل الخاصة، وصرح حينها علماءُ الأزهر بأنّ مصر لم تُعدم علماءها، لتأتى راقصةٌ تُقدم برنامجا دينيا في شهر رمضان المبارك .
والحقيقة أنّ زوبعة الشارع والمُتخصصين آنئذ حول هذا التصريح المستفز لها مبررها من وجوه:
أولها أنّ تلك الفنانة، سكتت دهرا، ونطقت كفرا، فأعلنتْ أنّها ترفض لبس الحجاب، وستُقدم برنامجها بهيئتها السافرة، والتي هي عبارة عن زيٍ يكشف أكثر مما يستر، وذلك بحضور علماء يجيبون عن أسئلة المشاهدين، ويقدمون صحيح الدين، وهذا هو العجبُ العُجاب في أيامنا (الهباب)، إذ إنّ من دوافع قبول النصيحة أن يكون مُقدّمها قدوة لمُتلقيها، فكيف تُقدم راقصىةٌ - من أهمّ سماتها بحكم مهنتها العرى - نصائح في الدين الإسلامي القائم على الطُهر والحشمة والعفاف، وكلّها صفات لا تتوافر قطعا في الراقصة؟
وادعاء الراقصة - صاحبة تلك الضجة - بأنّ العُرى في الفكر وليس في الجسد مردودٌ عليه، بأنّ كليهما عرى، (والله العظيم تلاتة)، أحدهما مادىٌ وهو عرى الجسد، والآخر معنوي، وهو عرى الفكر، وبالتالي فلا يصح أن نحتفي بالفكر ، ونُحلق به في الآفاق، تاركين الجسد عاريا، تغوص في تضاريسه عينُ كلّ من هبَّ ودبّ، ويفحصه من ( فوقه لتحته) !
والوجه الثاني أنّ تصريح الراقصة بأنّ المُطالبة بالحجاب رجعية، يجعلُني أهمس، بل أصرخ في أذنيها؛ لتُصاب بالصمم بأنك مُخطئة، لأنَّ الرجعية الحقيقية في العرى، الذى تُعتبرين من أهمّ سفرائه، وهو ما تؤكده دراسةُ تاريخ البشر، فقد ولد الإنسانُ، وعاش عاريا، ولمّا عرف الحضارة والدين تستر، ولبس الزى .
فدعوتك للتكشف وخلع الحجاب، هي مُطالبةٌ بعودتنا للعصور الحَجرية، وأزمنة الرجعية الأولى.
إضافة إلى ما سبق لو اعتبرنا - كما زعمتِ - أنك ستكونين مجرد وسيط بين الجمهور والعلماء، ولن تتكلمي في الدين، فنقول لك: شكر الله سعيك، فأريحي نفسك لأنّ هناك كثيرا غيرك يُمكنهم القيام بهذا الدور؛ لأنهم مؤهلون علما وثقافة، هيئة وحضورا، حشمة ووقارا؛ ومن ثم فإنّ حديثهم في الدين سيصل إلى القلب؛ لأنه بلا شك سيكون نابعا من القلب، وليس بغرض الدعاية الرخيصة، والشهرة الزائفة.
واختيارُك تقديم هذا البرنامج في شهر رمضان يُعتبر الطامة الكبرى، إذ إن مُشاهدة الصائم لبرنامجك بعد امتناعه عن الطعام والشراب، وجميع المُفطرات سيكون الحمقَ بعينه؛ إذ سيصدُق عليه قولُ النّبي: رُب صائمٍ ليس له من صومه إلا الجوع والعطش؛ وذلك لما سيراه ويسمعه، ويُسيل لعابه من أفعال تتنافى وأخلاقيات ذلك الشهر الفضيل .
وهذا لا يعنى أن نُسلبك حقك في النصيحة في الدين، فهذا هو الغبنُ بعينه؛ لأنّه كما أخبر النّبيّ: الدينُ النصيحة، ولكن لا بد أن تلتزمي بآدابها أولا، ثم تُقدِمي على بذلها بعد ذلك؛ لأنّ فاقد الشيء لا يُعطيه.
وإذا كان من قول النّبيّ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، فإنّ الأمر مع تصريح تلك الراقصة القديم الجديد بإعادة سماعه عبر (يوتيوب)، وفى بلد بحجم مصر والأزهر، يختلفُ تماما.. إذ لا يصح أن يموء قطٌ وسط السباع !
---------------------------------
بقلم: صبري الموجي
* مدير تحرير الأهرام