21 - 06 - 2025

البابا والمرشد وغطرسة الغرب

البابا والمرشد وغطرسة الغرب

تتناول وسائل الإعلام تهديدات وتصريحات استفزازية لترامب وآخرين من أصدقائه المقربين من دولة الكيان - خاصة الوزير عقلة الإصبع أبو طاقية (الأبله) - عن قرب اغتيال المرشد خامنئي الذي يتمتع بمكانة دينية وروحية لدى الشعب الإيراني تماثل مكانة بابا الفاتيكان لدى الكاثوليك. على الرغم من أن أتباع التيار المعتدل في إسرائيل يرفضون استمرار الحرب مع إيران وغزة ويدعون الجميع للجلوس على مائدة المفاوضات وتخليص الرهائن سلمياً ودائماً يوجهون اللوم للسيد ذي الأذنين الكبيرتين لكن ثمة من ينادون بالانتقام ويؤججون نار الحرب ليس مع جميع دول الجوار وحدها، ولكن على بعد آلاف الأميال من حدودهم. إن محاولة تصفية المرشد عن طريق إرسال كوماندوز إلى مخبئه كما يزعم الوزير الصهيوني المتطرف، قميء الوجه، سليط اللسان قد تؤدي إلى جر المنطقة بأسرها لحرب لا يعلم مداها أحد، ولكن لا توجد ضمانات على عدم حدوث ذلك حتى هذه اللحظة، خاصة بعدما تدخل أبو حنان في الموضوع وأعلن بمنتهى الوضوح أنه يعلم أين يختبئ المرشد وهو تصريح في غاية السخافة والاستهتار بمشاعر المسلمين.

على الرغم من الضربات القوية التي وجهتها إيران للكيان المعتدي إلا أنها لا تقارن بالخسائر الفادحة التي تعاني منها إيران، فقد نجح الكيان بمساعدة كبرى الدول الغربية في استهداف أعوان إيران في المنطقة مثل الحزب اللبناني والمليشيات العراقية وجيش النظام السوري السابق وحماس والحوثيين، وأخيراً شرعت حكومة الكيان المتطرفة في قتل القيادات الإيرانية ومهاجمة البرنامج النووي والصاروخي الإيراني بحجة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، رغم التقارير الرسمية والدولية التي تثبت عدم امتلاك إيران لهذا السلاح حاليا. 

الكاوبوي الأمريكي متورط في الحرب ضد إيران منذ اللحظة الأولى لاندلاع المعارك بغض النظر عن النفي الأمريكي الرسمي، فكل هذه الألاعيب لم تعد تنطلي على أحد. في هذا السياق لا تصدقوا رعاة البقر ولا تصدقوا كذاباً ولا مخادعاً ولا طماعاً ولا قواداً ولا نخاساً ولا بائعاً للكلام والوعود، ولا من دفع الملايين ليشتري صمت العاهرات وسكوت المومسات.

تتجلى وقاحة وغطرسة الحكومات الغربية في موقفها من الحرب الدائرة حالياً بين إيران والكيان الصهيوني، فلم تجرؤ أي دولة أوروبية على إدانة العدوان الصهيوني على المفاعلات النووية السلمية الإيرانية، ما يعد خرقاً للقوانين الدولية وعدم الاكتراث بتعريض المنطقة لخطر الإشعاعات النووية. 

لقد نشبت الحرب بسبب اعتداء الكيان على إيران دون مبررات ومع ذلك ما فتئت الدول الكبرى تساند الكيان ولم تتفوه بكلمة واحدة لإدانة قتل العلماء والمدنيين على يد نظام عنصري دموي إجرامي إرهابي مازال يتصرف بعقلية عصابات الهاجاناه حتى اليوم. لقد انبرت الحكومات الغربية خاصة أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لتدافع عن الكيان وتنكر على الدولة المعتدى عليها حق الدفاع عن النفس. 

في هذا السياق أثمن دور الحكومات المحبة للسلام التي أدانت العدوان الصهيوني على المنشآت المدنية والمدن الإيرانية.

 في سياق متصل تعلم الحكومات الغربية أن الكيان يمتلك مئات القنابل النووية ولكنها تغض الطرف دون خجل عن المشروع النووي الصهيوني الذي بدأ في ستينيات القرن المنصرم. ومن المثير للسخرية على هذا الصعيد أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يتمكنا من إصدار أي قرارات ضد انتهاكات الكيان الصهيوني المتكررة للقانون الدولي والإنساني على مر السنين بسبب الفيتو الأمريكي والدعم الغربي اللا محدود.  وبدلاً من كبح جماح الكيان الغاصب يتفاخر الرئيس البرتقالي بسيطرة سلاح الجو الصهيوني على سماء إيران، ويرى في ترويع المدنيين وقصف مبنى التليفزيون وقتل الأبرياء عملاً رائعاً.

ومنذ عدة أيام تقدم المستشار الألماني بالشكر والتقدير لجيش الكيان لأنه هاجم إيران وقتل العلماء والقادة، ويساند الرئيس الفرنسي ماكرون (بعدما صفعته زوجته على وجهه) كل الجهود التي تؤدي لتدمير إيران وتجويع شعبها وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، ولا يعارض رئيس وزراء بريطانيا تزويد الكيان بأحدث الأسلحة لمواصلة العدوان على المدن الإيرانية. 

علاوة على ذلك وبلا استحياء، تدخل السفير الأمريكي (الصهيوني المتطرف) في إسرائيل في الصراع الدائر في المنطقة حالياً وتوسل لترامب لدخول الحرب ضد إيران قائلاً بأن هذه مهمة مقدسة، وذكّره بأمجاد الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي أمر بإلقاء القنابل النووية على اليابان والذي بكى عندما سمع عن قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين رغم أن القرار كان في صالح اليهود لكنه كان يتمنى أن تمنح فلسطين كلها بما في ذلك صحراء النقب لإسرائيل. 

إن المساندة العسكرية والسياسية غير المسبوقة للكيان المدلل الذي يروج لسرديات كاذبة عن أسباب الحرب رغم عدم وجود دليل قاطع على امتلاك إيران لسلاح نووي تشي بأن منطقة الشرق الأوسط تتغير بالفعل، كما قال رئيس وزراء الكيان نتنياهو الذي (حسب وجهة نظري) هو من يحكم العالم منذ أكتوبر 2023.

 ومع ذلك فربما يتأكد العالم لاحقاً بالصوت والصورة أن النظام الإيراني مثل نظام صدام ونظام القذافي والنظام السوري السابق لم يكن لديه سوى برنامج شبه نووي بدائي لا يمثل أي خطر على أحد. لقد اعتمد النظام السياسي الإيراني على الدعاية المبالغ فيها واستعراض صور المفاعلات النووية مراراً وتكراراً من أجل تخويف المنطقة والظهور في صورة أسطورية تؤكد تفوقه الإقليمي وهيمنته على الجوار باعتباره هرقل الخليج. 

من ناحية أخرى استغل الكيان بدهاء وخبث هذه الصورة المفبركة وادعى عدة مرات منذ سنوات مضت بأن إيران على عتبة تصنيع سلاح نووي وظل يكرر نفس الأسطوانة رغم عدم حدوث ذلك. إن استراتيجية تضخيم صورة العدو من أجل تبرير الحرب عليه وتدميره هي سياسة استعمارية اتبعتها أمريكا منذ عهد الهنود الحمر وحتى الحرب في أفغانستان، ومن هذا المنطلق ينسج الكيان مؤامراته الخبيثة على نفس المنوال، فلا أخلاق في الحرب، والسياسة نجاسة. 

الآن يسعى الكيان ومن يدعمونه إلى ضرب وتقويض قدرات الحرس الثوري والجيش الإيراني وتحريض الجبهة الداخلية ضد الحكومة، خاصة بسبب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن سنوات الحصار مع تصاعد الخلافات بين التيار المتشدد والتيار الإصلاحي في البلاد وفي ظل تنامي الفساد والاستبداد والتطرف الديني لنظام ديكتاتوري متسلط يحكم الناس بالحديد والنار. ولا يخفى على أحد أن الكيان ومن يقفون خلفه يسعون لإسقاط النظام بالاستعانة بقوى المعارضة المنتشرة في الخارج، والتي تتآمر على وطنها ولا يهمها انهيار الدولة وضياع مستقبل الأجيال القادمة وسلب ثروات البلاد.

ومن المتوقع في حالة هزيمة إيران وانهيار النظام أن يدفع الشعب الإيراني ثمن كل رصاصة أطلقت في هذه الحرب العبثية، تماماً كما حدث مع العراق. ببساطة الغرب والكيان ودول أخرى ممن يدعون أنهم يؤمنون بالديمقراطية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان و(حقوق الشواذ) يعتبرون مقدرات وثروات منطقة الشرق الأوسط غنائم لهم، وفي ذات الوقت يرغبون في أن تظل المنطقة للأبد مجرد سوبر ماركت كبير يبيعون فيه بأغلى الأسعار أسلحتهم المتهالكة وملابسهم القديمة ومنتجاتهم وسلعهم التي ليس لها قيمة، ومسرحاً لحروب لا طائل منها سوى تطبيق سياسة فرق تسد والمزيد من العنف والكراهية وسفك الدماء. في هذا العصر الصهيوأمريكي لن يسمح الغرب ومعه الكيان لأي دولة خارج حدودهما الجغرافية وسيطرتهما السياسة أن تتقدم قيد أنملة للأمام. 

 لن يُسمح للعرب والمسلمين بامتلاك التكنولوجيا المتطورة والسلاح النووي في ظل نظام القطب الواحد المهيمن على العالم، بعد تفكيك وتفتيت الاتحاد السوفيتي بمشاركة بعض الدول العربية، وفي ظل نظام العولمة الذي خدعونا به لأنه لا يستند على تبادل المصالح كما زعموا ولكنه يقوم على مركزية الغرب وتهميش الشرق تماماً. إن العولمة نظام مخادع وأكذوبة كبيرة وفخ وقعنا في حبائله - نظام يهدف للهيمنة على ثروات الشرق ومطاردة المهاجرين الذين فروا إليه من الدول التي نهب خيراتها وأفقرها.

ولذلك انتظروا مولد الشرق الأوسط الجديد قريباً ونهاية جامعة الدول العربية البائدة وإنشاء جامعة الدول الشرق أوسطية الشقيقة ومقرها دولة أولاد العم المتقدمة عسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً واقتصادياَ (وهذه حقيقة لا ريب فيها) ومن المنتظر يا سادتي أن تضم جامعة دول الشرق الأوسط دولة الدروز ودولة الأكراد ودولة العلويين ودولة السنة ودولة الشيعة (في سوريا) ودولة الحوثيين في مملكة سبأ ودولة الأمازيغ في شمال إفريقيا ودولتي دارفور وكردفان في السودان وهلم جرا. وسوف تتحول المحافظات والمقاطعات والكفور والنجوع والقرى الصغيرة في بلدان أخرى إلى دول، وربما تتحول أكشاك بيع السجائر إلى دول مثل دولة كشك أم خميس الديمقراطية وسوف يعلن كباريه النجوم انفصاله عن إمبراطورية الرقص الشرقي الإمبريالية من أجل قيام دولة كباريه الفنانة كيداهم الاشتراكية الشعبية والبقية تأتي.  هذه مجرد رؤية سريالية خيالية ديماغوجية لما يحلم به قادة الكيان، وأتمنى ألا تحدث وأتمنى من الله أن يحفظ دول وشعوب الخليج العربي وبقية الدول العربية والاسلامية والدول الصديقة والمحبة للسلام.  
--------------------------------------
بقلم: 
د. صديق جوهر
* أكاديمي وناقد ومترجم

مقالات اخرى للكاتب

البابا والمرشد وغطرسة الغرب