في قراءة تحليلية للموقف الفرنسي من التصعيد العسكري المتفاقم بين إيران وإسرائيل، أكدت الدكتورة عقيلة دبيشي، مديرة المركز الفرنسي للدراسات وتحليل السياسات، أن فرنسا تتبنى ما وصفته بـ”التحذير المتوازن”، مشيرة إلى أن باريس تدرك خطورة التصعيد على الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي، لكنها في الوقت ذاته ترفض الانجرار وراء دعوات الحرب المفتوحة أو الاصطفاف غير المشروط.
وفي تصريحات صحفية، أوضحت دبيشي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعبّر عن قلق استراتيجي طويل الأمد بشأن احتمال امتلاك إيران لسلاح نووي، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لمعاهدة عدم الانتشار النووي وقد يُحدث تحولًا خطيراً في موازين القوى داخل منطقة مضطربة. إلا أن هذا القلق – بحسبها – لا يرقى إلى مستوى التفويض باستخدام القوة العسكرية أو دعم خيارات المواجهة المباشرة.
وأشارت إلى أن باريس لا تزال من العواصم الغربية القليلة التي تحتفظ بقنوات دبلوماسية مفتوحة مع طهران، رغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتزايدة، مؤكدة أن فرنسا تعوّل على الدبلوماسية كسبيل وحيد لتفادي حرب شاملة في الشرق الأوسط قد تكون عواقبها كارثية.
وفيما يخص ما يُثار من جدل بشأن ازدواجية المواقف الفرنسية، نفت دبيشي وجود أي تناقض، مشددة على أن فرنسا تؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنها في الوقت نفسه تُظهر تعاطفًا واضحًا مع المدنيين في قطاع غزة، وتتمسك بموقفها الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية وفق حل الدولتين.
وقالت إن فرنسا تحاول السير على خيط دقيق يوازن بين أمن إسرائيل من جهة، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من جهة أخرى.
ولفتت إلى أن باريس لا تنساق كلياً خلف السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، كما أنها لا تتماهى مع الطرح الإيراني، بل تتبع نهجًا مستقلًا يستند إلى مقاربة عقلانية ترى أن الرد على تهديدات إيران لا يمكن أن يكون مبررًا لتبرير الاحتلال أو قمع الفلسطينيين.
وفي ختام حديثها، شددت الدكتورة دبيشي على أن فرنسا لا تنظر إلى المواجهة الإيرانية الإسرائيلية باعتبارها مجرد نزاع إقليمي، بل كجزء من تحولات استراتيجية كبرى تشمل مستقبل الخليج، وأمن شرق المتوسط، ودور أوروبا في النظام العالمي الجديد.
وأضافت: “فرنسا تتحرك بدقة وفق حسابات استراتيجية عميقة، لا انفعالات لحظية ولا اصطفافات عقائدية”.