19 - 06 - 2025

جوجل والذكاء الاصطناعي: من يتولى دفة المستقبل؟

جوجل والذكاء الاصطناعي: من يتولى دفة المستقبل؟

في أوائل التسعينيات، ولأغراض البحث العلمي، كان على الباحث أن يتوجه إلى أكاديمية البحث العلمي بشارع القصر العيني، كي يتمكن من الوصول إلى الأبحاث والدراسات المتاحة على الشبكة العالمية عبر كمبيوتر مركزي Mainframe Computer، وذلك مقابل رسم مادي؛ أظنه كان أربعون جنيهًا. 

يملي الكلمات المفتاحية Key Words على مُشغل الكمبيوتر – إذ لم يكن يُسمح للباحث بالعمل على الكمبيوتر بنفسه - من أمامه لوحة مفاتيح وشاشة فاقع لونها، وطالعة Dot Matrix يعلو أزيزها عند طباعة قائمة بعناوين الأبحاث مع ملخص من فقرة أو فقرتين لكل منها، لتبدأ بعدها رحلة الحصول على كامل البحث وهذا أمر لو تعلمون عظيم.

عملٌ عُد بمقاييس زمنه ثورة، وبمقاييس الحاضر خطو سلحفاة. فما كان يتباهى به الكمبيوتر المركزي منذ ثلاثين عامًا من سرعة وسعة تخزين، يتضاءل اليوم أمام أبسط الحواسيب، ولا غرابة، فحاسب اليوم سوف يحبو في الغد.

في الوقت الراهن، تتجول محركات البحث (Search Engines) في مليارات المواقع والملفات لتقدم لنا ما نبحث عنه من معلومات وبيانات بصورها المقروءة والمسموعة والمرئية.

ومع تصدُّر برنامج جوجل Google قائمة محركات البحث لأكثر من خمس وعشرين عامًا، فقد أطلق عليه البعض لقب "العم جوجل".

كان أهم ما ميز جوجل عند إطلاقه على يد كل من سيرجي براين ولاري بيج، منهج بحثه المعتمد على ثلاث مراحل؛ الأولى استكشاف صفحات الويب على الإنترنت، وتنزيل النصوص والصور والفيديوهات الموجودة فيها، والثانية تحليل النصوص والوسائط المختلفة وتنظيمها في قاعدة بيانات ضخمة تسمى فهرس جوجل، وأخيرًا فرز النتائج وعرضها.

ومع أنه ما زال يستحوذ على 90% من السوق العالمي لمحركات البحث، إلا أن مكانته تهتز بفعل امتلاك منصات الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence, AI من أمثال Chatgpt, Deepseek, Perplexity قدرات محركات البحث، فضلاً عن شاشات تفاعلية، لا تكتفي بعرض نتائج جافة، بل توفر حوارًا بناءً يساعدك في اتخاذ الكثير من القرارات، حتى لتشعر أنك تطوف خلف علاء الدين من فوق سجادة خوارزميات سحرية في فضاءات خوادم الشبكات، ليقدم لك بعدها مصهور وخلاصة ما وجد في سبيكة من صنعه.

عندما سألت بعض منصات الذكاء الاصطناعي عن التحديات التي تواجه محركات البحث، تنوعت تفاصيل الإجابات بين منهجية العمل، والجوانب التقنية، والبعد الاجتماعي والسياسي، والتوازن والشمول، وما تواجهه من تحديات في البحث بالبصمة الصوتية أو بدلالة الصور، وكذلك عدم قدرتها على فرز الأكاذيب عن الحقائق.

وبينما رأي ChatGPT أن إجابته تناسب القاريء العام، رأى Deepseek أنه يخاطب المتخصصين، فيما أعطى Perplexity تحليلاً استراتيجيًا، وقد أجمعت المنصات على أن إفراط محركات البحث في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفقدها هويتها.

في المقابل، وفي محاولة لمواكبة التسارع الضوئي في تطور برمجيات الذكاء الاصطناعي، قدمت شركة جوجل في مؤتمرها الأشهر Google I/O خلال شهر مايو نسخة محدثة من برنامجها الرائد "جيميناي Gemini" للذكاء الاصطناعي المصمم خصيصًا لفهم وتحليل البيانات.

وإلى جانب ذلك أطلقت الشركة منصة الخدمات المدفوعة Flow لصُناع الأفلام والإعلانات، وبرنامج Google Beam لمكالمات الفيديو ثلاثية الأبعاد مع الترجمة الفورية، وكذلك نموذج Imagen 4 لتوليد الصور، ومع أنه أعطاني نتائج غير دقيقة عندما جربته بشكل شخصي، لكنه بلا شك أداة هامة سوف تنضج مع الوقت خاصة مع محدودية مهارات منصات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال. 

من جانب آخر، تواجه جوجل تحديات قضائية معقدة تتعلق بالاحتكار في أسواق البحث والإعلانات والتطبيقات، مع احتمال فرض عقوبات واسعة أو حتى تفكيك بعض أصولها الرئيسية. ومع أن نظر هذه القضايا قد يستغرق عدة سنوات، لكنها تضع مستقبل الشركة على المحك.

تُرى من يقود دفة المستقبل؛ العم جوجل، شرط الموازنة بين تطلعاته المستقبلية والتحديات القضائية، أم أبناء الذكاء الاصطناعي؟

---------------------------------------

بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

جوجل والذكاء الاصطناعي: من يتولى دفة المستقبل؟