19 - 06 - 2025

دموع الأفاعي والعدوان على الشعب الإيراني

دموع الأفاعي والعدوان على الشعب الإيراني

في لقاء تليفزيوني منذ يومين مع سفيرة الكيان الصهيوني في بريطانيا التي دعت سابقاً لقصف كل المدارس في غزة دون رحمة .... تباكت تلك السيدة أمام الكاميرا وقالت بأن أبيها الطاعن في السن اضطر للذهاب إلى الملجأ بسبب صواريخ إيران. وكلما حاولت المذيعة على الجانب الآخر الرد لتوضح بأن ما يحدث هو نتيجة عدوان الكيان الغاشم على إيران قامت السفيرة بالمراوغة والحديث عن ٧ أكتوبر..... الخ. وبغض النظر عن رفضنا القاطع لترويع وقتل المدنيين من جميع الأديان مهما كانت الأسباب؛ فإن الصهاينة تاريخياً كانوا ولا يزالون يخلطون بين اليهودية والصهيونية؛ وظلوا عبر السنين يجيدون لعب دور الضحية ويستجدون العطف من الغرب وطوال الوقت يسعون لتصوير أنفسهم كضحايا للاضطهاد الديني وأكذوبة معاداة السامية؛ وهو شيء أصبح راسخاً  في الثقافة الاوروبية وفي مناهج التعليم وبات متغلغلا  في الوعي الجمعي الغربي بشكل عام نتيجة للدعاية والأخطبوط الإعلامي الرهيب المهيمن على العالم بالأكاذيب والتلفيقات؛ ولذلك نجد هذا التأييد الوقح  في وسائل الإعلام الأمريكية على وجه الخصوص لكل ما يرتكبه الصهاينة من مجازر بذريعة عدم تكرار المحرقة وحق الدفاع عن النفس هو حق ينزعونه من الآخرين. ومن المعروف أن الإعلام والصحافة الغربية يتناولان قضايا الصراع في الشرق الأوسط بمنتهى النفاق وبمعايير مزدوجة ودائماً يلقيان باللوم على الضعفاء والمظلومين ويناصران القتلة والمجرمين ويتبنيان سرديتهم الكاذبة بلا حياء.  هذا التدليل والدعم الدائم للكيان له جذور جيوسياسية وتاريخية ودينية واستعمارية يطول شرحها.

 لكن من ناحية أخرى أشعر بالاشمئزاز من سلوك بعض شراذم المتطرفين العرب الذين يشمتون على مواقع التواصل الاجتماعي في الشعب الإيراني المسلم؛ في هذا الوقت بالذات وهو يتعرض لهجمة إرهابية قذرة من قبل كيان مجرم مدعوم عسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً من شلة السفاحين واللصوص والعصابة التي تحكم العالم حالياً. وفي ذات الوقت أقدر موقف الحكومات العربية والإسلامية بشكل عام وأثمن على وجه الخصوص دور الحكومات الخليجية التي سارعت بإدانة العدوان على الشعب الإيراني.  وسواء اتفق أو اختلف البعض مع نظام الملالي الحاكم؛ فيجب على الجميع إدانة العدوان الذي يقع على امتداد الجغرافيا الإيرانية ويحصد أرواح أبرياء يذبحون بآلات الموت الأمريكية والبريطانية ليلا ونهارا على مدار الساعة من أجل تحقيق أهداف شريرة وشيطانية ترضي ثلة من الشخصيات السيكوباتية ومصاصي الدماء.  لذلك يجب على المتطرفين الذين يروجون لخلافات وخزعبلات مذهبية بين المسلمين في هذه اللحظة الحرجة وهم يتابعون شلال الدماء المنهمر وجثث الأطفال والنساء والرجال الممزقة ويشاهدون تدمير ثروات ومقدرات المسلمين وقتل كبار وصفوة العلماء؛ على هؤلاء أن يخجلوا من أنفسهم وأن يسدوا أفواههم بأوسخ أنواع الأحذية لأن التاريخ لن يرحمهم. 

من ناحية أخرى؛ أرى أن الاعتداء على الشعب الإيراني المسلم من وجهة نظري المتواضعة ليس له علاقة فقط بتدمير البرنامج النووي والصاروخي في البلاد بل إسقاط النظام الإيراني بأكمله وهدم الدولة وتفكيك الجيش بمساعدة الخونة والعملاء مثلما حدث في العراق وليبيا وسوريا (والبقية تأتي) تمهيدا لنهب البترول والغاز وبقية الثروات في إيران وربما يهدف رعاة البقر لتحويل مدينة قم ذات الموروث الديني والتاريخي العريق إلى لاس فيغاس واستنساخ ديزني لاند شرق أوسطية في مدينة أصفهان. من ناحية أخرى تهدف هذه الحملة إلى تحجيم دور الصين التجاري والاقتصادي الذي يعتمد على النفط الإيراني وتدمير مصانع المسيرات التي تمد روسيا بالطائرات حتى يضعف موقف بوتين في الحرب مع أوكرانيا. ولذلك لا تصدقوا أن الكيان وحده هو من يعتدي على إيران حاليا لأن هذه فبركات صهيوأمريكية معروفة. لا مندوحة أن الجيش الامريكي شريك أساسي في كل ما يحدث بدءاً من توفير المعلومات الاستخباراتية وزرع شبكات التجسس والمسيرات التي ضربت مراكز القيادة واغتالت علماء الذرة والقيادات العسكرية وانتهاءً بتحريك قاذفات ال ب ٢ وب ٥٢ التي تحمل قنابل تزن ١٥ طنًا لكل قنبلة لتخويف إيران ودفعها للاستسلام (وهذا لن يحدث فالتاريخ يشير أن هذا الشعب لم يستسلم للغزاة منذ عهد الإسكندر الأكبر الذي هزم الإمبراطورية الفارسية بعد حروب طاحنة). كذلك تشارك بريطانيا وألمانيا ودول أخرى بطرق مختلفة في الحرب ضد إيران. من الجدير بالذكر أن الكيان لم يدخل أي حرب منفردا منذ حرب ٤٨ التي خاضتها العصابات الصهيونية ضد الجيوش العربية بالأسلحة التي جاءت أو هربت من أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية كما اشتركت قوات الكيان مع بريطانيا وفرنسا في عدوان ٥٦ على مصر وفي حرب ٦٧ ساعدت طائرات الأسطول السادس الأمريكي الكيان في الحرب ضد الدول العربية ( مصر وسوريا والأردن) وفي حرب ٧٣ تدخلت أمريكا مباشرة في الحرب بعد تدمير خط بارليف وتحرير  هضبة الجولان؛ مما أدى لفرض الهدنة وتداعياتها المعروفة علاوة على ذلك يقاتل جيش الكيان الفلسطينيين والدول المجاورة بأسلحة وذخيرة مصنوعة في المصانع الأوروبية والأمريكية ويمتلك طائرات وأسلحة متقدمة لا تمتلكها دول الناتو. لكن ما يجري الآن على الساحة يؤكد وجود فوارق شاسعة إلى أقصى حد في القدرات العسكرية والاستخباراتية والتقنية بين العرب والكيان وهذا الأمر يثير علامات استفهام عديدة لا مجال هنا للحديث عنها.  وفي النهاية ندعو العقلاء والأحرار للتدخل لإيقاف الحرب وحقن دماء المدنيين على الطرفين وندعو الله أن يحفظ شعوب وبلاد العرب والمسلمين من كل سوء وندعو الله أن تنتهي هذه الحرب المفتعلة في أسرع وقت وأن ينعم على منطقة الخليج العربي بالأمن والسلام.

  طابت أوقاتكم.

---------------------------

بقلم: د. صديق جوهر

أكاديمي وناقد ومترجم  

مقالات اخرى للكاتب