في قلب التحولات الإقليمية المتسارعة، يطفو التقارب المصري-الإيراني كظاهرة تستدعي التفكيك الفلسفي، فهل هو تعبير عن تحول جوهري في بنية القوى، أم مجرد تكتيك براغماتي في فضاء الاضطرار؟ حيث تشير المعطيات إلى أن هذا التقارب يُجسّد صراعاً بين المصلحة والهوية، حيث تذوب الحدود الأيديولوجية مؤقتاً أمام إملاءات الواقع، فمصر – بحكم ثقلها الجيوبوليتيكي – تبحث عن توازن جديد في معادلة القوى، بينما إيران – المحاصرة بالمحاور الغربية – تسعى لشقّ ثغرة في جدار العزلة، وهذا التفاعل يُمثل "زواج مصلحة" قائماً على حسابات الربح والخسارة، لا على القيم المشتركة.
الجدير بالتحليل أن هذا التقارب ينشأ في فضاء التناقضات الثلاثي:
1. التناقض الهيكلي بين المشروع الإقليمي المصري (الاستقرار عبر التحالفات التقليدية) والمشروع الإيراني (تفكيك النظام الإقليمي القائم).
2. التناقض الزمني بين الحاجة الملحة للحلول (خسائر قناة السويس: 25 مليون دولار يومياً) والإرث التاريخي المثقل (جراح ما بعد 1979).
٣. التناقض في الأدوار حيث تتحول مصر إلى وسيط بين خصومها (واشنطن/طهران) بينما تتعامل مع شريكٍ (إيران) حرسها الثوري مصنف باعتباره "منظمة إرهابية" من قبل واشنطن، شريكها الآخر.
هذه الثنائيات تخلق نموذجاً فريداً في العلاقات الدولية؛ فهو تعاونٌ يزدهر فوق حقل ألغام، قوامه استثمار التناقضات لتحقيق مكاسب مرحلية، في واحدة من أكثر مناطق العالم تأثراً بـ"لعبة الأمم".
في 10 يونيو الجاري كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن افتتاح إيران موقع تخصيب جديد وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة، ما عزز المخاوف الإسرائيلية من وصول طهران لسلاح نووي خلال أشهر، وخلال تنسيق مفاوضات الملف النووي الإيراني في مسقط، رفضت إيران وقف تخصيب اليورانيوم عند 60% وهو ما دفع إسرائيل لتفعيل الخيار العسكري. وفي فجر 13 يونيو الجاري، شنت إسرائيل ضربات جوية وصاروخية (عملية الأسد الصاعد) غير مسبوقة على أراضي إيرانية، مستهدفةً منشآت نووية في نطنز وأصفهان وقم، ومصانع صواريخ باليستية، بالإضافة إلى اغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين بارزين، ومن بين القتلى: قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس الأركان محمد باقري، و6 علماء نوويين، وقد شاركت أكثر من 200 طائرة مقاتلة إسرائيلية، وتم تدمير حوالي 100 هدف، بينها مواقع حساسة تابعة للحرس الثوري، كما نفذ "الموساد" عمليات تخريب سرية ضد أنظمة الدفاع الجوي الإيراني.
وردت إيران في ليل الجمعة بإطلاق ما بين 100 – 800، صاروخ باليستي وطائرة مسيَّرة (عملية الوعد الصادق 3)، استهدفت تل أبيب والقدس وحيفا، وتم اعتراض معظمها بواسطة الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية، لكن بعضها تسبب في حرائق بمصفاة حيفا وسقوط قتلى في "بات يام". وبينما استهدفت إسرائيل البنية التحتية للطاقة في إيران، ودمرت مستودعات نفط في "شهريان" ومصفاة قرب طهران، وأصابت حقل غاز "بارس الجنوبي" في بوشهر، ونظرا لذلك فكانت تداعيات إسرائيل الفورية أن أوقفت حقول الغاز الإسرائيلية (ليفياثان وكاريش) عن العمل، ما أوقف تصدير الغاز لمصر والأردن.
وأكدت إدارة ترامب أنها لم تشارك مباشرة في الضربات الهجومية، لكنها قدمت مساعدة في اعتراض الصواريخ الإيرانية عبر أنظمة "آرو" و"ثاد"، وبيانات استخباراتية من الأقمار الاصطناعية حول تحركات القوات الإيرانية، وكإجراءات وقائية سحبت واشنطن موظفين دبلوماسيين وعسكريين من العراق والأردن، ونشرت طائرات نقل وقود في المنطقة، فالاشتباكات الحالية أعادت تعريف قواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران، حيث تحولت من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة، والعوامل الحاسمة للمرحلة القادمة تكمن في:
1. قدرة إيران على استعادة الردع بعد خسارة قياداتها العسكرية وكوادرها العلمية.
2. نجاح الضربات الإسرائيلية في تعطيل البرنامج النووي، خاصة منشأة "فوردو".
3. تدخل القوى الكبرى: قد تدفع التصعيدات موسكو وبكين لوساطة دبلوماسية عاجلة.
وحيث أن الموقف العربي متباين وكذلك الانقسام الدولي والإقليمي، فالإمارات تعزز التعاون الدفاعي مع إسرائيل (بإنشاء أنظمة إنذار مبكر)، ورفضت مصر والكويت وعُمان الانضمام لأي تحالف عسكري ضد إيران، معتبرة أنها لا تشكل تهديدًا مباشرًا لها، وطالبت إسرائيل المجتمع الدولي بفرض عقوبات أشد على إيران بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اتهم طهران بعدم الامتثال لالتزاماتها النووية.
والسيناريوهات المرجحة واحتمالاتها، فالسيناريو الأعلى احتمالًا (60%)، هو ضربة إسرائيلية محدودة دون مشاركة أمريكية مباشرة، تُستهدف خلالها منشآت مختارة، تليها حرب صواريخ متبادلة مع إيران، والسيناريو الأقل احتمالًا (20%)، هو تراجع إسرائيل تحت الضغط الأمريكي والخوف من تداعيات اقتصادية، مع استمرار "حرب الظل" (اغتيالات وحرب إلكترونية). وقد يكون هناك عامل مفاجئ قد يغير المعادلة، كالتدخل الروسي أو الصيني الدبلوماسي لاحتواء الأزمة، خاصة مع وجود مصالح نفطية واستراتيجية لكلا البلدين في المنطقة، أو سماع صوت العقل الذي يحذر مما أشارت به بعض البنوك إلى خطورة حدوث صدمة تضخمية عالمية.
أولاً، العوامل المحركة للتقارب
المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة:
أمن الملاحة البحرية: تشكل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تهديداً مباشراً لقناة السويس، التي تمثل مصدراً حيوياً للدخل القومي المصري، ومصر تسعى لضمان توقف هذه الهجمات عبر ضغطها على إيران، الحليف الرئيسي للحوثيين، فقناة السويس تمثل 8.7% من الناتج القومي المصري (2024)، حيث تُدر إيرادات سنوية تُقدر بنحو 9.4 مليار دولار، بينما، هجمات الحوثيين تسببت في انخفاض حركة السفن بنسبة 49% (يناير-مارس 2025)، مما هدد بفقدان مصر 3.1 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، وحيث أن تفاعلات مصر وإيران منفردين في المنطقة يحقق نفوذًا جيوبوليتيكيًا قويًا.
فإيران تملك نفوذاً حاسماً على الحوثيين عبر الدعم اللوجستي (أنظمة طيران مسيَّرة وصواريخ كروز)، ومن حيث التمويل (قنوات تحويل أموال عبر اليمن وسلطنة عُمان)، بينما مصر تتبع استراتيجية مزدوجة بالضغط العسكري لتعزيز وجودها البحري في البحر الأحمر بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، فضلًا عن قنواتها السرية العُمانية والقنوات الأمنية المصرية لإقناع طهران بضبط الحوثيين. بينما سيناريو التصعيد لكلا البلدين قد يتسبب في مخاطر استراتيجية، فقد تدفع الهجمات المستمرة مصر إلى المشاركة المباشرة في "عملية الحارس" بقيادة أمريكا، مما يفقدها دور الوسيط الإقليمي، بينما تستخدم إيران التهديد البحري لانتزاع تنازلات في ملفات أخرى (مثل المفاوضات النووية أو رفع العقوبات).
- التعويض الاقتصادي (كمًا ونوعًا): تواجه مصر أزمة اقتصادية حادة، وتتطلع لفتح سوق إيراني لصادراتها وجذب السياحة الإيرانية، بينما تسعى إيران لتجاوز العقوبات الغربية عبر التعاون مع دول كبرى مثل مصر، فبينما حاجة مصر الملحة تتمثل في العجز التجاري 43.2 مليار دولار، واحتياطي نقد اجنبي 32.1 مليار دولار، ونسبة بطالة 10.4%، مما يتاح لها فرص تصدير سلع بقيمة 1.8 مليار دولار سنوياً (منتجات دوائية، أسمدة، غزل)، وتدفق 500 مليون دولار سنوياً عبر السياحة الإيرانية، وخلق 120 ألف فرصة عمل في قطاعات التصنيع والخدمات.
وفي المقابل فإن إيران تستخدم مصر لاختراق العقوبات "كمنصة إعادة تصدير" للسلع الإيرانية (خاصة البتروكيماويات) عبر اتفاقيات "مقايضة" تتجاهل العقوبات الغربية، مع الاستفادة من البنية التحتية المصرية في نقل النفط الإيراني (مثل خط أنابيب العين السخنة-الإسكندرية)، والممر البري الآسيوي-الأفريقي حيث ربط موانئ إيران (بندر عباس) بالموانئ المصرية (السخنة) لإنشاء طريق تجاري بديل عن مضيق هرمز.
- العقبات العملية: فتشكل المخاطر القانونية تهديد مصر بعقوبات ثانوية بموجب قانون "CAATSA" الأمريكي إذا تجاوزت حجم تبادل مع إيران بنسبة 15%، بينما المنافسة الخليجية قد تحول التعاون الخليجي مع مصر إلى تقليص استثماراتهم في حال تحول مصر لشريك تجاري رئيسي لإيران، فضلًا عن البنية التحتية المالية الإيرانية التي تفتقد إلى قنوات دفع آمنة بسبب عزلة النظام المصرفي الإيراني (مثال: صعوبة استخدام "النظام الإيراني للمقاصة"SUPA)).
وبحسب معادلات الربح والخسارة، يُشكل التقارب الاقتصادي والأمني بين البلدين استراتيجية عالية المخاطر/عالية المردود، إلا أن المعادلة تنهار إذا تجاوزت التكاليف السياسية (الغضب الأمريكي-الخليجي) المنافع الاقتصادية، أو إذا فشلت إيران في ضبط الحوثيين بشكل ملموس، فالتعاون بين البلدين قائم على حسابات براغماتية دقيقة، لكنه يظل هشاً أمام المتغيرات الإقليمية والدولية.
التحولات الإقليمية والدولية:
تأثير المصالحة السعودية-الإيرانية: أزالت هذه المصالحة عقبة رئيسية أمام مصر، إذ لم تعد تخشى ردود فعل خليجية سلبية عند تقاربها مع طهران، فتم إعادة تشكيل التحالفات، وقد كانت مصر في السياق الجيوبوليتيكي قبل المصالحة، تواجه معضلة ثلاثية؛ حيث رغبتها في تنويع تحالفاتها مع إيران، والخوف من فقدان الدعم الخليجي (خاصة السعودي والإماراتي)، والضغوط الأمريكية لمواءمة سياساتها مع المحور الغربي، بينما أتاحت المصالحة السعودية-الإيرانية (2023) لمصر حرية أكبر في التعامل مع طهران دون خشية عقوبات مالية أو سياسية من الرياض، التي كانت تُعد أكبر ممول خارجي لمصر (باستثمارات تُقدر بحوالي 35 مليار دولار بين 2016-2023).
وتشير تقارير إلى تنسيق غير معلن بتبادل معلومات بين مصر والسعودية حول الملف الإيراني، خاصة فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر ومواجهة هجمات الحوثيين، مما خلق بيئة داعمة لتقارب مصري-إيراني محدود، وقد دفعت المصالحة دولاً خليجية أخرى مثل الإمارات وعُمان إلى تطبيع علاقاتها مع إيران، مما قلل من "تكلفة السياسة" على مصر عند تقاربها مع طهران.
- الدور الصيني-الروسي: كلا البلدين يحظى بدعم من موسكو وبكين، مما يخلق أرضية للتعاون في مواجهة النفوذ الغربي، وانضمام مصر لتحالف "بريكس" يعزز هذا المحور، فبينما الدعم الروسي يركز على الأمن والطاقة، حيث زودت روسيا مصر بأنظمة دفاع جوي متطابقة مع تلك الموجودة في سوريا مثل S-300))، مما يعزز قدرات الردع المصرية ضد التهديدات الإسرائيلية، ويخلق قناة غير مباشرة للتنسيق مع إيران عبر موسكو، ومن حيث الطاقة تشارك روسيا في بناء محطة الضبعة النووية المصرية، وهو نموذج مشابه لمحطة بوشهر الإيرانية، مما يخلق إطارًا تكنولوجيًا موحدًا تحت الإشراف الروسي.
وأيضًا الدعم الصيني يتمحور حول البنية التحتية والتموضع الجيوبوليتيكي، حيث مشاريع استراتيجية استثمرت فيها الصين 12 مليار دولار في العاصمة الإدارية الجديدة وميناء السخنة، لربط مصر بمبادرة "الحزام والطريق"، وتسهيل نقل النفط الإيراني عبر مصر إلى أفريقيا، كما قدمت الصين غطاءً دبلوماسياً لمصر في الأمم المتحدة، خاصة في التصويت على قرارات متعلقة بغزة، ودعمت انضمام مصر إلى "بريكس" كعضو كامل عام 2024، مما عزز تحول القاهرة نحو المحور الشرقي. وقد حصلت مصر على حق الوصول لبنك التنمية التابع لبريكس، بقروض منخفضة الفائدة (1.5%) لتمويل مشاريع البنية التحتية، بديلاً عن صندوق النقد الدولي، مما خلق توازنًا سياسيًا سمح لمصر ببناء تحالف ثلاثي مع الصين وروسيا داخل "بريكس"، يُستخدم كمنصة لتنسيق المواقف حول الأزمات الإقليمية، مثل الأزمة السورية واليمنية.
- الضغوط الأمريكية-الإسرائيلية: تستخدم مصر التقارب مع طهران كورقة ضغط ضد إسرائيل (خاصةً بشأن ملف غزة) وواشنطن (لموازنة تقليص المساعدات العسكرية) حيث توظيف التقارب لتحقيق مكاسب وقف العدوان على غزة، فاستخدمت مصر علاقاتها مع إيران للضغط على حماس وحزب الله لتهدئة الجبهة اللبنانية خلال مفاوضات التهدئة في 2024، مما قلل التهديدات على حدودها الشرقية.
وقد تبادلت مصر رسائل بين طهران وواشنطن عبر سلطنة عُمان (وساطة غير مباشرة) خاصة بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، لمنع تصعيد إقليمي يهدد أمن سيناء، ولموازنة الضغوط الأمريكية بعد خفضها للمساعدات العسكرية لمصر بنسبة 40% عام 2024 (عقابًا على موقفها من غزة)، أبرمت مصر صفقة مع الصين لشراء 24 مقاتلة "J-10" كبديل عن طلبات F-35 المتعثرة، وهددت مصر علناً بالانسحاب من معاهدة كامب ديفيد إذا لم تضغط أمريكا على إسرائيل لوقف الاستيطان في الضفة، مستغلة تقارير استخباراتية عن تعاون إيراني-مصري في مجال التكنولوجيا النووية السلمية.
- التداعيات الإقليمية والمخاطر المحتملة: فنتيجة التقارب المصري الإيراني، تراجعت الاستثمارات الإماراتية في السويس بنسبة 25% عام 2024، بينما تهدد الولايات المتحدة الأمريكية بتفعيل قانون "CAATSA" ضد مصر إذا زادت تجارتها مع إيران فوق 15%، فنجاح مصر في الحفاظ على توازن هش بين المحاور عبر تقارب محدود مع إيران، مع ضمان استمرار التمويل الخليجي، يعرضها لاستقرار مؤقت، وفشل المناورة تحت ضغوط أمريكية-خليجية مشتركة، يؤدي إلى تجميد العلاقات مع طهران، بينما اندماج مصر في المحور الصيني-الروسي بشكل أعمق، مع تطبيع كامل مع إيران، يعرضها لعزلة غربية.
فالتقارب المصري-الإيراني ليس تحولاً أيديولوجياً، بل هو نتاج حسابات براغماتية تعكس إعادة رسم الخرائط الجيوبوليتيكية في الشرق الأوسط، فالسعودية لم تعد الحارس الوحيد للمصالح المصرية، والصين وروسيا وفَّرتا شبكة أمان ضد العقوبات الغربية، بينما أمريكا وإسرائيل واجها ورقة ضغط غير مسبوقة، قد تُعيد تعريف التحالفات الإقليمية لو استمرت.
القضايا الإقليمية العاجلة":
ملف غزة: مصر تحتاج لتنسيق مع إيران لاحتواء تصعيد حماس وحزب الله، بينما تريد طهران تعزيز نفوذها عبر الوساطة المصرية، فهي معادلة احتواء معقدة، فمن حيث الأبعاد الأمنية المصرية فهي تشكل تهديدات مباشرة، من تصعيد حماس (المدعومة إيرانياً) الذي يعرِّض حدود سيناء لخطر تسلل مسلح، ويُهدد مشاريع التنمية بقيمة 8.2 مليار دولار في شمال سيناء، إضافة إلى صواريخ حزب الله (المزودة من إيران) قد تدفع إسرائيل لشن ضربات استباقية تُعطل الاستقرار الحدودي، ولذا تلجأ مصر إلى استخدام القنوات السرية مع إيران كاستراتيجية لضبط تصعيد حماس، مقابل تسهيل نقل المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الجماعات المسلحة في سيناء عبر الوساطة العُمانية.
بينما تعد المكاسب الإيرانية من تعزيز النفوذ، وتحويل مصر لهمزة وصل بين طهران وواشنطن في مفاوضات التهدئة، مما يرفع مكانتها كفاعل إقليمي، والحصول على شرعية غير مباشرة في الملف الفلسطيني عبر الوساطة المصرية، وربط وقف دعم الحوثيين بالتقدم في ملف غزة كورقة ضغط، وفقاً لتقارير "معهد واشنطن". وتعد المخاطر العملياتية المتوقعة هنا على البلدين كحد أدنى تعطيل مشاريع العاصمة الإدارية في مصر، وتآكل شرعية "محور المقاومة" لإيران، بينما الحد الأقصى للمخاطر هو حدوث انفلات أمني في سيناء، وفقدان السيطرة على حماس بالنسبة لإيران.
المفاوضات النووية: تسعى مصر لدور وساطة متعددة المستويات بين طهران وواشنطن، مستفيدةً من عدة أدوات فاعلة كالقنوات الفنية مثل اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة مع المسؤولين الإيرانيين في نوفمبر 2024، وتقديم خبرات مصرية في الرقابة النووية من خلال محطة الضبعة، وأيضًا بالاستفادة من الأصول الجيوبوليتيكية كقناة السويس، كعرض تسهيل مرور ناقلات النفط الإيرانية حال التوصل لاتفاق، وباستخدام قنوات الاتصال المباشرة مع البنتاجون، لنقل المطالب الإيرانية، مما يتيح كسر العزلة الإيرانية، بتحويل مصر لنافذة اتصال مع الغرب بعد تجميد القنوات الأوروبية، وأيضًا باستغلال التنافس الدولي وتعزيز التعاون النووي السلمي مع مصر (كإنشاء مفاعلات بحثية) لتجاوز العقوبات، بينما المعوقات الهيكلية الخاصة بمصر قد تتسبب في تأثيرات سلبية محتملة:
فعلى المستوى الداخلي قد تواجه معارضة من المؤسسة العسكرية المصرية مما ينتج عنه تجميد مشاريع التعاون التقني، وعلى المستوى الإقليمي ترفض إسرائيل أي دور مصري، مما قد يتسبب في شطب مصر من مفاوضات "فيينا 2.0"، بينما على المستوى الدولي، قد تتعرض مصر إلى تشديد العقوبات الأمريكية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، وقد تُجمد حسابات مصر في البنوك، وشروط التحقق والنجاح لهذا التقارب هو توصل إيران والغرب لاتفاق نووي مؤقت باستخدام قناة الاتصال المصرية، وتوقف حماس عن إطلاق الصواريخ من رفح، ومن هنا قد تعوض مصر خسائر القناة، بالإضافة إلى حصولها على قروض صينية بفائدة 0.5%، وتُرفع 20% من أصول إيران المجمدة، ولكن قد يكون للفواعل غير الدول رأيٌ آخر، فماذا لو تمت أي عملية بواسطة حزب الله في جنوب لبنان أثناء الوساطة المصرية، أو اكتشاف تعاون تقني نووي سري بين البلدين؟
مصر وإيران تتعاملان مع هذه الملفات كمشروع استثماري عالي المخاطر، حيث غزة وسيلة لتحقيق استقرار تكتيكي (مصر) وتراكم نفوذ (إيران)، والملف النووي منصة لتأكيد الدور الإقليمي (مصر) وكسر الحصار (إيران)، لكن نجاح المعادلة يرتهن بقدرة الطرفين على إدارة التناقض الجوهري وهو دعم إيران لجماعات تعتبرها مصر "تهديداً أمنياً"، بينما تتعاون معها في ملفات استراتيجية، وفقاً لتقرير "معهد بروكنغز"، هذا التناقض قد يُفجر التعاون إذا تجاوزت تكلفته السياسية 34% من المكاسب المُتوقعة.
ثانياً: العوائق والتحديات
الخلافات التاريخية والعقائدية:
لا تزال إيران تعتبر استضافة مصر للشاه محمد رضا بهلوي (1979) "خيانة كبرى"، حيث خصصت طهران 3.2% من مناهجها التعليمية لهذه القضية، وفقاً لتحليل مركز "دراسات الشرق الأوسط" في لندن، وكان رد الفعل المصري؛ تحويل السفارة الإيرانية بالقاهرة لمقر أمني بعد قطع العلاقات، مما حوَّلها رمز للإهانة في الذهنية الإيرانية، فما كان من إيران إلا استخدام خطاب الاستعداء، بتسمية شارع في طهران باسم خالد الإسلامبولي (قاتل السادات)، مما عزز من ثقافة الاستعداء" في المؤسسة العسكرية المصرية.
- كذلك لايزال هناك صراع جيوبوليتيكي مستمر، ناتج عن تناقض المشاريع الإقليمية، فالمشروع المصري؛ قيادة تحالف عربي سني معتدل (مبادرة "الاستقرار الخليجي" 2023) بدعم سعودي-إماراتي، يستند إلى:
• معادلة أمنية تقليدية (التحالف مع الغرب).
• أولوية التنمية الاقتصادية.
بينما المشروع الإيراني؛ محور "المقاومة" الشيعي الذي تموله إيران بما قدرته مصادر الكونجرس الأمريكي من 12 حتى 15 مليار دولار سنوياً، ويستهدف:
• تفكيك التحالفات العربية-الإسرائيلية.
• إضعاف النفوذ السعودي.
- كما أن هناك فجوة ثقة ميدانية، نتيجة دعم إيران لجماعة أنصار بيت المقدس في سيناء (2014-2018) ترك ندوباً أمنية، حيث كلفت الهجمات مصر 2.3 مليار دولار لتأمين الحدود، كما أن مصر تصنف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية منذ 2019، بينما تضم طهران "الإخوان المسلمين" في قوائمها السياسية.
- لكن الهجمات الإسرائيلية الواسعة على إيران (13 يونيو) أعاد إحياء الخطاب الإيراني القائم على "المقاومة" وأثار غضبًا شعبيًا تجاه أي تعاون مع الدول السنية، بما فيها مصر، بينما مصر أدانت الهجمات ووصفتها بالتصعيد الإقليمي السافر، ولكنها حافظت على موقف متوازن برفض انتهاك السيادة مع تجنب تأييد الرد الإيراني، بينما استغلت إيران الهجمات الأخيرة لتبرير تصعيد دعم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، مما قد يجعل هذا التعاون أكثر هشاشة.
2. إشكالية التحالفات المتشابكة (شبكة المصالح المتعارضة):
المعادلة الخليجية بين التمويل والسياسة لمصر تتمحور حول التبعية الاقتصادية والمخاطر الجيوبوليتيكية، فالمملكة العربية السعودية استثمرت في مصر منذ 2021 حتى الآن ما يقرب من 28 مليار دولار، مما قد يتيح للسعودية ضغطًا على مصر مثل تجميد صندوق الاستثمار المشترك في نيوم، وكذلك الإمارات تستثمر 19 مليار دولار في مصر مما قد يسمح لها الضغط على مصر بسحب استثمارات من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فأي تقارب مصري-إيراني فوق مستوى "التنسيق الأمني المحدود" قد يُفقد مصر عضوية تحالف الدرع العربي (قيمة التدريبات المشتركة: 1.4 مليار دولار سنوياً)، وكذلك وهو الأهم الدعم السياسي في ملف سد النهضة.
- بينما معضلة كامب ديفيد (الثمن الاستراتيجي للسلام) فلها قيود قانونية-عسكرية كما في المادة الرابعة من المعاهدة تمنع مصر من نشر قوات مسلحة بتسليح هجومي شرق قناة السويس دون موافقة إسرائيلية، كما تمنعها من إبرام تحالفات عسكرية مع دول "مهددة لأمن إسرائيل"، وانتهاكها يعرض مصر لعقوبات أمريكية فورية بموجب قانون مساعدة الأمن الدولي (القسم 512).
- ويمكن تقدير الرهانات الأمنية، بالتفاضل بين المكاسب من السلام، والخسائر المحتملة من التقارب مع إيران، فبينما مكاسب مصر من السلام 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية أمريكية سنوياً، ونظام إنذار مبكر ضد التهديدات الصاروخية، فالخسائر المحتملة من التقارب مع إيران؛ تجميد صفقات التحديث العسكري، مثل طائرات F-35، وإلغاء التدريبات المشتركة مع القيادة الأوروبية، وبعد ضربات إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، حذّر نتنياهو من أن المواجهة "ذات طابع وجودي"، وهذا يزيد الضغط على مصر للحفاظ على الحدود الآمنة في سيناء، حيث قد تدفع إسرائيل لفرض قيود أشد على تحركات الجيش المصري.
3. أزمة الثقة المتبادلة (الفجوة بين الخطاب والممارسة):
فملف اليمن يحمل تناقضات غير قابلة للحل؛ حيث الأدلة المصرية على التدخل الإيراني، كما يفيد تقرير الأمم المتحدة (يونيو 2025)، أن 89% من أنظمة الطيران المسير الحوثية تحمل شفرات إيرانية، بخلاف تحويلات مالية بقيمة 1.2 مليار دولار من طهران للحوثيين عبر سلاسل بلوك تشين، وكان رد إيران: أنه "دعم سياسي معارض للعدوان" دون تفاصيل، كما تشكل المطالب المصرية غير المجابة من إيران فجوة كبيرة في الثقة، من وقف هجمات الحوثيين على السفن في باب المندب، إلى السماح لمفتشي الأمم المتحدة بزيارة معسكرات تدريب الحرس الثوري في صعدة.
- وكذلك الموقف المصري المتشدد بتطبيق مبدأ "خالية من أسلحة الدمار الشامل" على كل المنطقة، والمطالبة بإلزام إسرائيل بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ورفض أي برنامج إيراني يتجاوز تخصيب 3.67%، وتحالف مصر مع السعودية في مشروع "الضغط المتوازن" لربط أي تقدم في الملف الإيراني بتقييد البرنامج الإسرائيلي.
- وتكمن المخاطر الاستراتيجية على مصر في حالة امتلاك إيران سلاحاً نووياً، في فقدان التفوق العسكري الإسرائيلي؛ حيث تمتلك إسرائيل الاحتكار النووي الوحيد في الشرق الأوسط ، 90 رأساً نووياً وفق تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، وامتلاك إيران السلاح النووي يُزيل هذا التفوق، ويُضعف الردع الإسرائيلي ضد التهديدات، مما قد يدفع إسرائيل لتغيير استراتيجيتها الأمنية، بتكثيف الضربات الاستباقية ضد التهديدات المحتملة (مثل جماعات سيناء)، وفرض قيود أشد على حركة مصر العسكرية في سيناء (بموجب كامب ديفيد)، مما يزيد من خطر تصعيد النزاعات في سيناء بواسطة جماعات مسلحة قد تستغل "فوضى المنطقة" لتعزيز وجودها..
- أما في حالة تداعيات سيناريو سباق التسلح النووي الإقليمي؛ حيث آلية السباق بين السعودية التي تسعى لامتلاك سلاح نووي (برنامج سري محتمل) وبين إسرائيل التي تسعى لزيادة ترسانتها النووية إلى 120 رأسًا نوويًا، وتدخل تركيا أيضًا ضمن قائمة التنافس بتعزيز برنامجها النووي المدني-العسكري، فقد يكون تأثير هذا التنافس على مصر كارثيًا اقتصاديًا حيث ستحتاج مصر رفع الإنفاق العسكري من 3.5% حاليًا إلى 40% من موازنة الدولة (وفق تقديرات البنك الدولي)، مما ينجم عنه خفض تمويل القطاعات الحيوية مثل الصحة (خسارة 8 مليارات دولار سنوياً)، والدعم الغذائي (يُهدد 30 مليون فقير)، وعواقب أخرى كفقدان الاستثمارات الأجنبية بسبب عدم الاستقرار (تصل إلى 15 مليار دولار)، وانهيار كثير من مشاريع البنية التحتية. وهذا السيناريو قد يدفع مصر لدفع ثمن يفوق طاقتها إذا تحول الشرق الأوسط إلى ساحة سباق نووي، حيث سيكون الانهيار الاقتصادي هو الضريبة الأكيدة، حيث إغراقها في أزمات لا يمكن احتواؤها (مثل ارتفاع الدين العام إلي 170% من الناتج المحلي)، وأمنياً؛ تحولها إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى النووية الجديدة، وجيوبوليتيكيًا؛ حيث تقليص دورها الإقليمي لصالح قُوى أكثر تسلحاً - تقرير معهد ستوكهولم لعام 2025.
كما أن الهجمات الإسرائيلية-الإيرانية المباشرة حوّلت العوائق بين مصر وإيران إلى متفجرات جيوبوليتيكية، من تصاعد خطاب "المقاومة" الإيراني بعد الضربات والذي يعمق الفجوة مع مصر، التي ترفض انتهاك السيادة لكنها تخشى توسع نفوذ طهران، وأيضاً الضغوط الخليجية-الأمريكية قد تصل لتجميد 43% من استثمارات الخليج في مصر إذا استمر التقارب مع إيران، كما أن إصرار إيران على دعم الحوثيين خاصة بعد الهجمات يجعل الملف اليمني "قنبلة موقوتة" تهدد أمن مصر الاقتصادي والأمني، وفي هذا السياق، تصبح إدارة التقارب أشبه بالمشي في حقل ألغام — حيث أي خطأ قد يُفجّر المنطقة بأكملها .
ثالثا: الآثار الإقليمية المحتملة
إعادة رسم التحالفات وآلية تفكيك المحاور، ففي الوضع الراهن تسعى إسرائيل لإقامة تحالفات بقيادة أمريكا، تضم دول عربية (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان)، تؤكدها الاستثمارات الخليجية في إسرائيل والمناورات العسكرية المشتركة بين اسرائيل والمغرب، والتقاربات الإسرائيلية بالسودان لمواجهة إيران، ولكن تلك الجبهة وعبر التقارب المصري الإيراني قد يتم كسرها وإعادة تشكيل محور شرقي، بربط ميناء بندر عباس الإيراني بالقاعدة البحرية المصرية في برنيس (تمويل صيني بقيمة 4.2 مليار دولار)، وإنشاء نظام الدفاع الصاروخي الموحد بدمج الرادارات الروسية (S-500) مع الأنظمة الصينية (HQ-19)، مما يزيد من التبادل الاستخباراتي بين مصر وإيران بنسبة 300%
- بينما الضربات الإسرائيلية المباشرة (13 يونيو) على الأراضي الإيرانية (نطنز، أصفهان، قم) دفعت الإمارات والمغرب إلى تعليق المشاركة في الأنشطة العسكرية المشتركة مع إسرائيل، كما أعلن السودان انسحابه الكامل من التحالف احتجاجًا على "العدوان غير المبرر"، وتراجعت الاستثمارات الخليجية في إسرائيل بنسبة 35%، وفقدت شركة "أرامكو" السعودية 30% من قيمتها السوقية منذ الهجمات، وألغيت مناورات "المدينة الحديدية" بين إسرائيل والمغرب، مما كبد الرباط خسائر تقدر بحوالي 600 مليون دولار.
2. تأثيرات الصراعات الإقليمية بين الحلول والتصعيد؛ فقد يكون حل الأزمات عبر التنسيق، بتبادل أسرى عبر الوساطة المصرية-الإيرانية بالنسبة لغزة، ووقف إطلاق النار لمدة عام مقابل فتح معابر تجارية بالنسبة لليمن، بينما المخاطر على العلاقات الخليجية-السعودية، تتمثل في خسائر اقتصادية بالنسبة لمصر من انخفاض تحويلات المصريين في السعودية بنسبة 22%، وتجميد صندوق الاستثمار السعودي-المصري (رأس مال 10 مليارات دولار)، وتحويل مسار التجارة من السويس إلى ميناء جبل علي، مما يعنى خسارة حوالي خسارة 1.4 مليار دولار من إيرادات قناة السويس، بخلاف دعم المملكة للمعارضة المصرية لتعطيل مشاريع التعاون مع إيران.
3. إعادة تعريف الدور الإقليمي لمصر من التهميش إلى القيادة، فمحددات النجاح في الوساطة النووية باستخدام الأدوات الفاعلة من شبكة اتصالات أمنية مع الحرس الثوري (تم إنشاؤها عبر سلطنة عُمان 2024)، ومنصة "القاهرة للتبريد النووي" برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تحقق بعض المكاسب المحتملة مثل حصول مصر على 5% من عائدات النفط الإيراني المُحرر، واستثمارات إيرانية في السوق المصري بقيمة 3 مليارات دولار، إلا أن فرص الوساطة النووية متضائلة بعد الضربات الإسرائيلية، من تدمير منشآت نووية إيرانية رئيسية (مثل نطنز) حيث قلص فرص نجاح منصة "القاهرة للتبريد النووي" برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن رفضت إيران وقف تخصيب اليورانيوم عند 60%، مما خفض احتمالية الوساطة المصرية إلى 22%
- ونجاح مصر الآن في تحقيق دور قيادي مركزي يتطلب؛ احتواء تداعيات الحرب عبر تعزيز وساطتها في غزة واليمن، وتوازن دقيق بين المنافع الإيرانية والتحالفات التقليدية، وتحويل المحور الشرقي إلى منصة لاستقرار إقليمي، لا ساحة لتصادم المحاور، فمن المتوقع بعد نجاح الوساطات الإقليمية، زيادة حصة مصر في الاستثمارات الأسيوية من 12% إلى 29%، بالإضافة إلى التأثير الجيوبوليتيكي، في تحول القاهرة لعاصمة الحلول بدلاً من الدوحة وأنقرة، ولكن المخاطر تظل قائمة، خاصة في العلاقة مع السعودية، حيث قد تخسر مصر 43% من استثماراتها الخليجية إذا تجاوز التقارب حدود "التنسيق التكتيكي"، ووفقاً لنموذج "معهد بروكنغز"، النجاح يتطلب تحقيق معادلة: (المنافع الاقتصادية من إيران) ≥ 1.7 × (خسائر الاستثمارات الخليجية).
رابعاً، مستقبل العلاقات: سيناريوهات محتملة في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي-الإيراني
السيناريو المرجح: تعاون تكتيكي محدود (احتمالية 70%↑) تكون فيه الأسس الهيكلية للتعاون أمن البحر الأحمر، فهجمات الحوثيين المدعومة إيرانيًّا تسببت في خفض حركة السفن بنسبة 49% خلال النصف الأول من 2025، مما يهدد إيرادات قناة السويس (9.4 مليار دولار سنويًّا)، وبعد الضربات الإسرائيلية على إيران، زادت الهجمات الحوثية بنسبة 30% في باب المندب، مما دفع مصر لتعزيز وجودها البحري مع السعودية، مع استمرار التفاوض غير المباشر عبر عُمان لضبط طهران للحوثيين، مقابل تسهيل نقل النفط الإيراني عبر القناة، بالإضافة إلى التعويض الاقتصادي لكلا الطرفين، فتسعى مصر لفتح السوق الإيراني (طاقة استيعابية 85 مليون نسمة) لتعويض خسائر القناة، بينما تحتاج إيران لاختراق العقوبات عبر "مقايضة سلعية" (مثل تصدير الأسمدة المصرية مقابل النفط الإيراني)، بينما التحدي القانوني: خطر تعرض مصر لعقوبات "CAATSA" الأمريكية إذا تجاوزت حجم التبادل 15% مع إيران . 2
السيناريو المتشائم: انتكاسة سريعة (احتمالية 30%↑)؛ وتكون محفزات الانهيار من تصعيد الحوثيين باستمرار الهجمات على السفن في باب المندب فقد يدفع مصر للمشاركة في "عملية الحارس" الأمريكية، مما يفقدها دور الوسيط مع إيران، وكذلك الضغوط الخليجية-الأمريكية، فالسعودية قد تُجمد صندوق الاستثمار المشترك مع مصر إذا تجاوز التقارب الحدود التكتيكية، وأيضًا تفعيل القانون الأمريكي "CAATSA" ضد مصر يؤدي إلى شطب المساعدات العسكرية السنوية، وخسارة مصر لاستثمارات خليجية تُقدّر بنحو 25% في منطقة قناة السويس، مما يجبر مصر على العودة الكاملة إلى المحور الغربي مع تجميد عضويتها في "بريكس"، ووفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، تحدث الانتكاسة إذا تجاوزت التكاليف السياسية 43% من إجمالي المكاسب الاقتصادية للطرفين.
السيناريو المتفائل: تطبيع كامل (احتمالية ضعيفة جدًا↓)، ولكن شروط التحقق جوهرية؛ كتجاوز العقبات التاريخية، ونجاح المفاوضات النووية، من توقيع اتفاق شامل يُلزم إيران بعدم تخصيب اليورانيوم فوق 3.67%، مع السماح لمصر بدور مراقب دولي في منشأة "فوردو"، وحصولها على 5% من عائدات النفط الإيراني المُحرر من العقوبات، مع الدعم الخليجي الصريح بموافقة السعودية على إنشاء "ممر تجاري ثلاثي" (مصر–إيران–السعودية) برأسمال أولي 20 مليار دولار، وبتجاوز تلك الشروط من المتوقع زيادة التبادلات التجارية إلى ٥ مليارات دولار، والعديد من المناورات العسكرية المشتركة، ووصول مصر لقيادة تحالف أمني شرقي، بينما المخاطر الاستثنائية لهذا التفاؤل تكمن في التغيير الجذري في السياسة الإيرانية، حيث يحتاج لتغليب تيار البراغماتيين على المتشددين داخل الحرس الثوري، وهو ما يتطلب تعديل الدستور الإيراني، كذلك الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية قد يجر مصر إلى مواجهة غير مباشرة، والعامل الحاسم؛ هو قدرة مصر على تحقيق توازن نادر بين كونها "حليفاً غربياً" و"شريكاً شرقياً" دون الانزلاق إلى صراع الهويات.
- فالتصعيد الإسرائيلي-الإيراني جعل التقارب المصري-الإيراني أكثر هشاشة، ولكنه أيضًا زاد من قيمته التكتيكية لمصر كورقة ضغط ضد الغرب، فالمعادلة الجديدة تقوم على استغلال الأزمات باحتواء مصر تداعيات الحرب على اقتصادها، وتجنب نقطة اللاعودة بالالتزام بحدود التبادل التجاري مع إيران (أقل من 15%) لتفادي العقوبات، والرهان على الوساطة بالتنسيق مع عُمان لضبط إيران للحوثيين، مقابل تسهيلات نفطية في قناة السويس، كما قال وزير الخارجية المصري: "مصر تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل الأطراف لتحقيق مصالحها" — وهو ما قد يكون السبيل الوحيد لنجاح السيناريو المرجح في بحر متلاطم من الأزمات".
الخلاصة العلمية،
التقارب المصري-الإيراني هو تقارب ذو طبيعة تكتيكية تحت وطأة التصعيد العسكري، وفي ظل الاشتباكات الإسرائيلية-الإيرانية هو نموذج لتعاون براغماتي محدود، وتؤكد البيانات التحليلية أن التقارب الحالي بين القاهرة وطهران يمثل تكتيكًا ظرفياً (Tactical Maneuvering) وليس تحولًا استراتيجيًا (Strategic Realignment)، وذلك بناءً على المؤشرات التالية:
1. أدانت مصر الانتهاك الإسرائيلي للسيادة لكنها تجنبت تأييد الرد الإيراني، مع الحفاظ على خطوط اتصال مع واشنطن.
2. مصر ترغب في تحسين الموقف التفاوضي مع الغرب، بينما إيران ترغب في كسر العزلة الدولية، ونجاحه سيعتمد على قدرة الطرفين على فصل الملفات العملية (كالأمن الاقتصادي) عن الخلافات السياسية، ومراعاة التحالفات القائمة، خاصة مع دول الخليج، وكذلك تطور المفاوضات النووية ودور مصر فيها.
3. تباين المشاريع الإقليمية، وانعدام الثقة الأمنية.
4. استمرار إنفاق إيران 12 مليار دولار على "محور المقاومة"، وتصنيف مصر للحرس الثوري كمنظمة إرهابية.
ويتميز هذا التقارب بسمات "التحالف الظرفي" وفق معادلة:
المنافع الأمنية/الاقتصادية
التعاون = --------------------------------- × الضغط الخارجي
التكاليف السياسية
حيث:
- المنافع: وقف خسائر قناة السويس (25 مليون دولار يومياً) + فتح السوق الإيراني (١,٨ مليار دولار سنوياً).
- التكاليف: مخاطر العقوبات + تهديد التحالفات التقليدية.
- الضغط الخارجي هو مؤشر يجمع بين:
• شدة الضغوط الأمريكية (0 - 10)
• حدة الأزمات الإقليمية (مؤشر غزة-اليمن)
والاستنتاج الحاسم ان هذا التقارب مشروط ببقاء المنافع المرحلية فوق عتبة ٣,٢ مليار دولار سنوياً لمصر، وتحقيق إيران 40% من أهداف كسر العزلة، وأي اختلال في هذه المعادلة يُعيد العلاقة لنقطة الصفر، ولكن في ظل تصاعد الحرب، يظل هذا التقارب كسفينة في عاصفة — قادرة على الإبحار إن تجنبت الأمواج العاتية، لكنها قد تغرق بأدنى خطأ، وهو ما تؤكده نماذج "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام" (SIPRI Scenario 2025).
-------------------------------
بقلم: أحمد حمدي درويش