مع تصاعد وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران...
- السياحة وقناة السويس والغاز والاستثمار تدفقات دولارية مهددة بالانكماش الحاد !
مع تصاعد وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران.. تدخل منطقة الشرق الأوسط مجددا نفقا مظلما من التوترات الجيوسياسية.. وبينما تتركز الأنظار على ساحات المعارك المباشرة.. فإن التأثيرات الاقتصادية الخفية وبخاصة على دولة مثل مصر تمثل تهديدا وجوديا لأمنها الاقتصادي واستقرارها النقدي.. فمصر تقف اليوم في مرمى نيران غير مباشرة تطول عصب مواردها الاقتصادية سواء من السياحة أو قناة السويس أو الغاز - الذي اوقف الكيان الإسرائيلي تصديره إلي مصر بجانب الأردن بحجة إجراءات وقائية- والكهرباء، فضلا عن التدفقات الدولارية التي تعاني من انكماش حاد أصلا.
وتعد قناة السويس واحدة من أهم شرايين الاقتصاد المصري.. ولكنها في ظل الظروف الحالية ستكون حصيلة دولارية مهددة.. حيث تدر على الدولة نحو 8.8 مليار دولار سنويا وتعد مصدرا غير قابل للتعويض في المدى القصير.. غير أن تصاعد العمليات العسكرية في منطقة الخليج وخصوصا في مضيق هرمز وباب المندب قد يؤدي إلى تحول حركة التجارة العالمية بعيدا عن القناة.. ففي حال تأثر حركة الشحن القادمة من آسيا أو الخليج وخاصة ناقلات النفط؛ فإن ذلك يعني انخفاضا كبيرا في أعداد السفن العابرة؛ ومن ثم تراجع الإيرادات. ووفقا لبعض التقديرات الأولية فإن استمرار التهديدات الأمنية لمدة تتراوح ما بين ثلاثة إلي 6 أشهر سيؤدي إلى فقدان ما بين 1 إلى 2.5 مليار دولار من عائدات القناة شهريا.
كما تمثل السياحة نزيفا جديدا للعملة الصعبة في مصر.. ولطالما كانت السياحة أحد الأعمدة الأساسية في دعم الإحتياطي النقدي المصري ومع الحرب القائمة من المحتمل أن تشهد المنطقة انكماشا في حركة السياحة العالمية الوافدة.. ويخشى أن يعاد مشهد ما بعد "حرب غزة" و"كوفيد-19" حينما سجلت السياحة تراجعا تجاوزت خسائره نسبة ال 60% في بعض الأشهر.
ومع تزايد المخاوف الأمنية والإقليمية ستتجه شركات الطيران أيضا إلى تقليص رحلاتها إلى القاهرة وشرم الشيخ مما قد يؤدي إلى خسائر تقدر بـ ملياري دولار على الأقل إذا استمرت الحرب لستة أشهر مما سيلقي عبئا جديدا على الحصيلة الدولارية المتدهورة.
ومع تصاعد حدة مخاطر الحرب في المنطقة؛ فإن ذلك يبعث برسالة واضحة للمستثمرين بأن "المنطقة غير آمنة" وتعد مصر من أكثر الدول التي اعتمدت على ما يُعرف بـ "الأموال الساخنة"، وهي استثمارات قصيرة الأجل في أدوات الدين المحلية..وهذه الأموال وإن كانت مصدرا مؤقتا للدولار ولكنها حساسة للغاية تجاه أي تغير في البيئة السياسية والأمنية.. وقد بدأت بالفعل مؤشرات هروب هذه الأموال مع توقعات بإنسحاب استثمارات تفوق 3 مليارات دولار في حال تفاقم الأزمة.
أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فهي مرشحة أيضا للانكماش الشديد خاصة في القطاعات التي تعتمد على استقرار الإقليم مثل الطاقة والسياحة والعقارات.
ثم نأتي لنقطة هامة وحساسة جدا (وأتحدث هنا من زاوية اقتصادية بحتة؛ فسياسيا يجب قطع كل الروابط مع هذا الكيان السرطاني وحصاره) ألا وهي الغاز الإسرائيلي والذي أصبح هو الأخر شريان طاقة مهدد.. فمنذ عام 2020 أصبحت إسرائيل المورد الرئيسي للغاز الطبيعي إلى مصر والذي يتم استخدامه في تشغيل العديد من محطات الكهرباء وكذلك إعادة تصديره إلى أوروبا عبر مصانع الإسالة المصرية؛ ومع اندلاع الحرب توقفت بالفعل بعض إمدادات الغاز بسبب التوترات الأمنية في منطقة العريش وخط الأنابيب الرابط.. وفي حال توقف الإمداد كليا ستضطر مصر - بلا شك - إلى شراء الغاز من مصادر عالمية بأسعار مرتفعة (قد تتجاوز 15 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية) وتتحمل مصر فاتورة إضافية قد تصل إلى 3 مليارات دولار سنويا.. مع احتمال عودة سياسة تخفيف الأحمال؛ خاصة خلال فترات الذروة الصيفية مما سيؤثر على القطاعات الصناعية والخدمية.
والأخطر من ذلك هو فقدان مصر لحصيلة دولارية كانت تأتي من إعادة تصدير الغاز الإسرائيلي؛ مما قد يضيف عجزا سنويا يقارب 1.5 مليار دولار.
لا شك من أن الصورة قاتمة خاصة إذا طال أمد الحرب لشهور قادمة وستكون التبعات على الاقتصاد المصري أشبه بالشلل شبه الكامل في التدفقات الدولارية..ومن المتوقع أن تحدث اضطرابات في سلاسل الإمداد الدولية خاصة مع تهديد مضيق هرمز وباب المندب وسترتفع أسعار الشحن والتأمين مما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد على مصر، ويزيد من الضغوط التضخمية.
ومع تناقص المعروض الدولاري وارتفاع الطلب سيكون هناك ضغط شديد على سعر الصرف مما قد يدفع البنك المركزي إلى تخفيض جديد للجنيه؛ وهو ما سينعكس مباشرة على الأسعار ومستوى المعيشة..وأرتفاع لمعدلات التضخم والبطالة.
لذا علي الحكومة المصرية أن تعكف علي وضع العديد من سيناريوهات الإنقاذ وإيجاد البدائل الممكنة مثل تنويع مصادر الغاز عبر إتفاقيات عاجلة مع الجزائر أو قطر.. وتعزيز السياحة الداخلية والإقليمية في حال استقرار الأوضاع داخليا.. والتحول إلى الإنتاج المحلي لتقليل عمليات الإستيراد. وتسريع برنامج التحول للطاقة المتجددة لتقليل الإعتماد على الغاز الطبيعي.. وإن كانت كل هذه الإجراءات تحتاج إلى المزيد من الوقت والتمويل وهي عناصر تزداد ندرتها في مثل هذه الظروف.
إن إدارة الأزمة تتطلب رؤية شاملة وسياسات استباقية وتحركا دبلوماسيا مكثفا لضمان حماية المصالح القومية والاقتصادية قبل أن يصبح الوقت متأخرا.!
------------------------------------
بقلم : ضياء الدين عبد الحميد