يمتلئ التاريخ بأحداث كثيرة تروي عن الخيانة وعدم الوفاء ، وربما سيضيف هذا المقال رواية أخري عن خيانة "يهودي آخر" غير " يهوذا " لمن أحسنوا إلي أجداده !.
في مايو 2018 وقف الحاخام " موردخاي بيرصوف " يخطب قائلًا :" أن الرئيس ترامب يحقق نبوءة قديمة ، حين قام بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس ، مكرراً ما فعله الملك الفارسي " قورش " قبل 2500 عام ، حين قام ببناء بيت في القدس، كما يفعل الرئيس ترامب الٱن " .
والمعروف أن اليهود بشكل عام أحبوا ذلك الملك الفارسي، لدرجة أن الكيان الصهيوني أصدر طابعاً بريدياً عام 2015 يحمل صورة اسطوانة يطلق عليها "بيان قورش" ، كما تم إصدار عملة تذكارية تحمل صورة ترامب إلي جانب صورة قورش .
وهكذا يمكن القول إن ثمة علاقة ثلاثية بين الصهيونية وترامب وقورش ، تحمل مفارقات مدهشة ، فبينما يعد قورش هو محرر اليهود من السبي البابلي 500 عام قبل ميلاد السيد المسيح ، وأنقذهم من الأسر والهوان في أرض بابل ، وأعادهم إلي فلسطين ، كما منحهم الأموال لإعادة بناء الهيكل الذي دمره "نبوخذ نصر" ، بل وسلمهم مقتنيات الهيكل السليبة .
أما ترامب فهو " الملك " الذي جاء بعد2500 عام ، كي يزود أحفاد الأسري بكل وسائل الدمار والقتل كي يحطموا بلاد قورش العظيم محرر العبيد من إليهود .
وهكذا يقوم نتنياهو برد الجميل إلي شعب إيران ، وربما تسقط قنابله الٱن لتدمر قبر قورش العظيم في شيراز . ودون أي إثارة لاتهام " معاداة السامية" ، يمكن لهذا المقال أن يعدد الأمثلة علي عدم وفاء بعض أحفاد اليهود لمن أحسنوا إليهم عبر مفارقات التاريخ المختلفة ، ويكفي أن أشير إلي أن العرب الذين كانوا الحاضنة التاريخية للمضطهدين من اليهود ، خاصة في محاكم التفتيش التي امتدت عبر كل أوروبا لمئات السنين ، بينما عاشوا وتمتعوا بالحماية والازدهار في ظل العالم العربي من المغرب إلي العراق .. هؤلاء العرب يذبحون الٱن علي أرض فلسطين بغير شفقة أو رحمة ، جزاء استضافتهم وحمايتهم لليهود .
وفي مصر وصل اليهود إلي أعلي المناصب ، وحازوا من الثروات ما جعلهم في قمة المجتمع ، ومع ذلك اثبتت مؤامرة لافون عام 1954، عدم وفائهم لجيرانهم من المصريين ، حين زرعوا القنابل في دور السينما والمكتبات والأماكن العامة، ليقتلوا من كانوا بالأمس جيرانهم الطيبين.
واليوم يضرب نتنياهو المثل الأعلي في انعدام الوفاء ، وهو يتباهي بما زودته أمريكا من أسلحة الدمار ، كي يذبح أحفاد
الملك قورش ، الذي يقدسه اليهود عبر التاريخ .
وأظن أن عملة تذكارية للخيانة وعدم الوفاء لابد أن تصك وهي تحمل علي ناحية صورة نتنياهو وترامب ، وعلي الناحية الأخري صورة قورش كي يتذكر الناس دائما هذه المفارقة التاريخية.
------------------------------
بقلم السفير: معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية الأسبق