أفادت وسائل إعلام إيرانية وإسرائيلية بوصول شحنة صواريخ من باكستان إلى إيران.. ورصد طائرة شحن عسكري صينية تتجه لطهران، مما يعني دخول أطراف أخرى للمواجهة، وسط مخاوف إسرائيلية بدعم الصين وروسيا وكوريا الشمالية بأنظمة دفاع جوي وصواريخ تغير التوازن العسكري.. وكانت إسلام أباد قد أعلنت دعمها لإيران، وتردد أنها حذرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بتدخلها على خط المواجهة في حال قدمت تلك الدول دعم أو مساندة لإسرائيل في مواجهتها مع إيران.
......
العلاقات الإيرانية الباكستانية تاريخيا مرت بعدة حقبات ما بين الثبات والعلاقات المميزة إلى حقبات من الفتور ، والقطيعة أحيانا متأثرة بالمشهد السياسي في كلا البلدين وبعلاقاتهما ببلدان أخرى؛ حسب المصالح مع دول الجوار؛ ومن المهم أن نعرف أن البلدين لا يوجد بينهما أي مشكلة حدودية، وفي أصعب أوقات العلاقة بقيت العلاقات الاقتصادية موجودة ومتكاملة بين البلدين المتجاورين.
كانت العلاقات ممتازة في الحقبة الشاهنشاهية وتعامل الطرفان كحلف تابع للمنظومة العربية كقوى إسلامية في وجه الإحتلال السوفياتي لجارتهما أفغانستان وكانت إيران مساندة لقضية كشمير وإقليم البنغال وكذلك باكستان دائما كانت مساندة للمصالح الإيرانية؛ وارتبط الدعم الإيراني في قضية كشمير بالمصالح المشتركة لكلا البلدين لأسباب عرقية وطائفية.
بعد الثورة الإسلامية في إيران ونشوب الحرب العراقية الإيرانية تدهورت العلاقات الثنائية وأهم سبب كان هو خروج إيران من المنظومة الغربية في حينه وتموضع باكستان مع سياسة البديل الغربي لإيران أي السعودية وهذا رد فعل طبيعي بسبب المعايير الطائفية وللإعتماد الباكستاني على الأسلحة الغربية في وجه المنظومة الشرقية في تلك الحقبة، والسبب الأخر بعد تثبيت حكم طالبان من قبل باكستان المناهض لإيران قبل الحرب الأمريكية على أفغانستان.
بدأت العلاقات بين البلدين تعالج المصالح المشتركة بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان وفتح باب التعاون الأمني وفيما بعد التعاون السياسي؛ وأسست لعلاقات متينة أزالت كل العقبات ومنها إزالة البنى التحتية لمعارضي البلدين من أرضيهما مؤخرا مثل مجاهدي خلق والمعارضات القبائلية الباكستانية وأهم نقطة في مجال التعاون كان البرنامج النووي لكلا البلدين.
القاسم المشترك بينهما كثير والمصالح كبيرة؛ ولكن أهم حافز لتطوير العلاقات كان مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني الذي ربط البلدين في أهم حلقة إقتصادية دولية؛ والتنافس أصبح واضح المعالم ما بين المشروع الأمريكي من خلال الممر الهندي والمبادرة الصينية بالإضافة إلى تلاقي المصالح الإقتصادية بينهما بعد تواتر الأزمات الهندية الباكستانية والدعم الإيراني لباكستان.
لا بد من الإشارة إلى أن المشروع الأمريكي يريد إحتواء الصين عبر حدودها البرية معتمدا على التوتر الباكستاني الهندي؛ وما حصل في الأونة الأخيرة من مناوشات على الحدود بين الطرفين يصب في خانة استطلاع القوة الباكستانية المعتمدة بنسبة 81% على التسليح الصيني الذي أثبت قدراته أمام السلاح الهندي المعتمد على السلاح الأمريكي والإسرائيلي, وكان المطلوب أن يجعل المنطقة غير قابلة للإستثمار وجعل كل الإستثمارات الصينية بالطرق البرية عبر باكستان إلى المحيط الهندي غير ملائمة، وكذلك ما يريده الأمريكي من إيران غير الملف النووي وهو فتح الأسواق العالمية أمام النفط الإيراني لحرمان الصين من الأسعار المخفضة بسبب العقوبات.
هذا التنافس بين المشروعات الإقتصادية الدولية جعلت من الدولتين تحت مصير واحد ومسار واحد؛ من هنا نثبت أن العلاقات الإيرانية الباكستانية تجاهلت كل الأوهام الطائفية وذهبت بإتجاه المصالح المشتركة في كافة المجالات؛ ومن الواضح أن أعداء الطرفين مشترك وخصوصا الكياان الصهيوني العدو التاريخي للدول الإسلامية والشعوب العربية.
تأتي المصالح التجارية بين البلدين بقدرة استهلاك متساوية بحيث أن عدد سكان باكستان 240 مليونا وعدد سكان إيران 91 مليونا مع فارق القدرة الشرائية بين الشعبين، ولكن يبنى عليها إمكانية تكامل اقتصادي كامل، وهذا مدروس بين الطرفين بعد حل أزمة البلوش في البلدين وتزويد منطقة بلوشستان الباكستانية بكهرباء إيرانية حسب المشروع الصيني، المهم أن الصين جعلت من التشبيك الإقتصادي بين البلدين منطلقا لتطوير العلاقات الشاملة.
تأثير التدخل الباكستاني في الصراع الإيراني مع الكيان الإسرائيلي
اندفعت باكستان لمساندة إيران في معركتها ضد الكيان الصهيوني لثلاث أسباب وهي:
1. العداء العقائدي مع الكيان الصهيوني وهي فرصة للجيش الباكستاني للمشاركة في هذا الصراع بشكل مباشر، خصوصا وأن الصهاينة هم حلفاء الهند وتمت مساندة الهند في معركتها الأخيرة، وتزيدها بأسلحة مؤثرة في المعركة كمسيرات "هرمز وايتان" ومن المعلوم أن إيران ساندت باكستان في هذه المعركة عبر تزويدها بالصواريخ البالستية
2. تعرف باكستان جيدا أن هزيمة إيران كنظام إسلامي وعودتها إلى الحضن الأمريكي يعني أن باكستان أصبحت محاصرة، وبنفس الوقت فشل كل المشاريع الإستثمارية الطامحة لها مع الصين وستكون الهدف الثاني بعد إيران لأن الهدف الأمريكي هو محاصرة الصين.
3. دخول الصين من بوابة باكستان إلى الحرب مع إيران ليبعد أي صدام مباشر عنه، وبنفس الوقت ليضمن الإنتصار الإيراني كي يحافظ على مشاريعه الإقتصادية في الدول المجاورة بعد أن خسر أهم طريق بري في غرب آسيا مع خروج سوريا من المنظومة الشرقية؛ وعودتها يلزمها زمن كبير لتمرير الطريق البري عبرها.
وأما التاثيرات على مجريات المعركة فهي كبيرة من ناحية دخول دولة حليفة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه المعركة وهي دولة نووية وهذا ينفي حاجة طهران الى سلاح نووي ويؤكد الردع النووي للأراضي الإيرانية دون أمتلاك هذا السلاح؛ ومن ناحية أخرى يمكن لإيران من خلال باكستان ترميم الصدع الذي حصل في أنظمة الدفاع الجوي والرادرات من خلال الصين عبر باكستان.. والدخول المباشر في الإشتباك يدخل الطيران الباكستاني الصيني الصنع لحماية الأراضي الباكستانية وهذا له أهداف إضافية من قبل الصين مع إيران غير الذي ذكرناه وهي أهداف تجارية.
لأن ايران دائما كانت تذهب إلى روسيا لتسليح سلاح الجو الإيراني الذي يعتبر قديما جدا؛ ومنعت إيران عبر العقوبات من ترميم سلاحها الجوي وهذا يعطي إيران خيار الذهاب للصين ليتزود بهذا السلاح.
والمهم من كل ما تقدم أن تأثير الدخول الباكستاني في الصراع اليوم إلى جانب إيران سيحول الصراع إلى مراكز نفوذ جديدة تهمش بعض عواصم العالم الإسلامي كتركيا لحساب باكستان وتعيد رسم خريطة جديدة مبنية على نتائج هذه المعركة، وهذا يعطي حافزية لإيران بعدم الخروج من هذه المعركة إلا بعد تحقيق أهداف بحدها الأدنى حل الصراع في غزة ولبنان، وبحدها الأقصى إنهاء الحالة الإسرائيلية بالكامل.
-----------------
بقلم: العميد الركن / نضال زهوي
رئيس قسم الإستراتيجية في مركز الدراسات الأنثروستراتيجية