وسط التصعيد الأعنف منذ سنوات بين إسرائيل وإيران، يبقى السؤال الأثقل في كواليس الحرب: ماذا لو أعطت طهران الضوء الأخضر لحزب الله اللبناني والحوثيون اليمنيون للدخول بشكل كامل على خط الحرب المفتوحة؟
تبدو المعارك بين الطرفين حتى الآن محصورة في مساحات محدودة من المواجهات الجوية والضربات المتبادلة، لكن ربما تكون لحظة الانفجار الشامل أقرب مما يتصور البعض، وقد تشهد ساحة الشرق الأوسط في أي وقت، مواجهة إقليمية غير مسبوقة في مداها واتساعها.
حزب الله: رأس الحربة الذي ينتظر الإشارة
منذ تأسيس الحزب في ثمانينيات القرن الماضي، تحول حزب الله إلى أخطر أدوات إيران العسكرية في المنطقة، متجاوزاً حدود لبنان الضيقة إلى مساحة أوسع من التهديد الاستراتيجي المباشر لإسرائيل.
وتشير التقديرات الاستخباراتية إلى أن الحزب يمتلك اليوم ترسانة صاروخية تتراوح بين 150 إلى 200 ألف صاروخ وقذيفة، تتنوع بين القصيرة والمتوسطة المدى، مع عدد متزايد من الصواريخ الدقيقة التي جرى تهريبها عبر مسارات معقدة من سوريا والعراق.
كما بات للحزب قدرات هجومية أخرى تشمل الطائرات المسيرة، ووحدات الكوماندوز المدربة على اقتحام المدن والأنفاق، ما يجعله قوة متكاملة قادرة على إدارة حرب طويلة الأمد ضد الجبهة الداخلية للكيان المحتل.
ورغم الاستنفار القائم على الحدود الشمالية لإسرائيل، إلا أن حزب الله ما يزال حتى الآن في دور "المراقب النشط"، لكنه يملك خيارات متعددة حال قررت طهران دفعه إلى المعركة.
فإما يكتفي الحزب بانخراط محدود بإطلاق دفعات صاروخية محدودة على مناطق مثل الجليل وحيفا، بهدف استنزاف المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، دون فتح حرب شاملة قد تجر لبنان كله إلى هاوية التدمير الكامل.
أو في حال اختارت إيران التصعيد الكامل، قد يطلق حزب الله آلاف الصواريخ يومياً، مع محاولات تنفيذ تسللات برية نحو الجليل الأعلى.
وقد ترد إسرائيل حينها باستهداف جنوب بيروت والبقاع والبنية التحتية اللبنانية بشكل واسع، وهو ما قد يؤدي لانهيار اقتصادي واجتماعي شامل داخل لبنان المُنهك أساساً.
التداعيات الإقليمية والدولية
إذا دخل حزب الله في المواجهة بقوة، قد يفرض ذلك متغيرات جذرية في المنطقة مع تصعيد كامل، لأنه سيؤدي إلى احتمال تدخل أمريكي مباشر لحماية إسرائيل، واستنفار أمني خليجي خشية توسع نطاق الهجمات، مع مراقبة روسية دقيقة خشية انهيار النفوذ الروسي في سوريا والعراق، وقلق صيني متزايد من اضطرابات الطاقة وأمن الملاحة العالمية.
الحوثيون: ورقة إيران الجنوبية في قلب الصراع
على الجبهة المقابلة، يبرز الحوثيون كورقة إضافية خطيرة في يد طهران، فخلال السنوات الماضية، عملت إيران على تطوير قدراتهم العسكرية بشكل متسارع من خلال تدريبهم في معسكرات الحرس الثوري، ليصبحوا اليوم جزءاً من معادلة التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
ومن خلال الدعم العسكري الإيراني لهم، يمتلك الحوثيون حالياً صواريخ باليستية متوسطة المدى قادرة على استهداف جنوب إسرائيل، إلى جانب طائرات مُسيَّرة بعيدة المدى وزوارق هجومية مفخخة وصواريخ مضادة للسفن، ما يجعلهم قوة بحرية وجوية لا يستهان بها في البحر الأحمر وباب المندب.
لماذا قد تدفع طهران الحوثيين للتصعيد؟
هناك عدة أهداف استراتيجية قد تدفع إيران لاستخدام الورقة الحوثية بشكل أوسع:
أولًا: فتح جبهة جديدة لإرهاق الدفاعات الإسرائيلية وتشتيتها من خلال تهديد مهاجمة السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
ثانيًا: تهديد الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
ثالثًا: الضغط على الغرب وأمريكا عبر تهديد أمن النفط والممرات البحرية.
لماذا تتريث طهران؟
رغم امتلاك أوراق القوة، تفضل إيران حتى اللحظة الاحتفاظ بهذه الأوراق كورقة ردع مؤجلة، فأي تحرك غير محسوب قد يؤدي إلى تدمير قواعد الحوثيين في صنعاء وصعدة، وإشعال غضب دولي واسع قد يصعب احتواؤه.
كما تخشى طهران من استنزاف جميع أدواتها دفعة واحدة، ما قد يتركها عارية استراتيجيًا إذا تطورت المواجهة إلى حرب إقليمية مفتوحة لسنوات.
الشرق الأوسط على فوهة بركان
يقف المشهد حالياً عند حدود خطيرة، حيث يراقب الجميع متى تتحرك هذه الأوراق، فانخراط حزب الله والحوثيين معاً قد يطلق شرارة حرب إقليمية شاملة، تتجاوز طهران وتل أبيب وبيروت إلى الخليج وباب المندب وسوق الطاقة العالمي.
لهذا تمسك كل الأطراف اليوم بأعصابها، مع إدراك أن أي خطأ صغير قد يكسر هذا التوازن الهش، ويشعل مواجهة تعيد رسم خرائط الشرق الأوسط لعقود قادمة