هكذا سقطت إيران تحت أعين الموساد.. تفاصيل أخطر عملية أمنية في العصر الحديث
لماذا تقف إيران عاجزة بعد الضربة الإسرائيلية؟ قراءة في 20 عامًا من التمهيد الأمني
شنَّت إسرائيل هجومًا جويًا واسعًا على إيران، فجر اليوم الجمعة، أسمته "عملية الأسد الصاعد"، استهدف منشآت نووية وعسكرية حساسة داخل العمق الإيراني.
أغلقت إيران الأجواء بالكامل، وأعلنت السلطات حالة الطوارئ، فيما أسفر الهجوم عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، وإصابة المئات من العسكريين والمدنيين في أنحاء متعددة من البلاد.
وبحسب البيانات الإيرانية الأولية، شملت قائمة الضحايا:
حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني.
محمد باقري رئيس الأركان.
وأمير على حاجي زاده، قائد القوة الجوية بالحرس الثوري.
وغلام علي رشيد رئيس هيئة خاتم الأنبياء للدفاع الجوي.
بالإضافة إلى قادة صواريخ و6 علماء نوويين، إضافة إلى أكثر من 329 مصابًا حسب البيانات الأولية.
لم تكن هذه الضربة العسكرية سوى الفصل الأخير في قصة حرب سرية ممتدة بدأت منذ عقدين، تديرها إسرائيل في الظل عبر أذرعها الاستخباراتية، وعلى رأسها جهاز الموساد، مستهدفة تدمير البرنامج النووي الإيراني دول الدخول في مواجهة مفتوحة.
متى بدأت الحرب الخفية على إيران؟
منذ بدايات البرنامج النووي الإيراني مطلع الألفية الثانية، وضعت إسرائيل هدفاً استراتيجيًا يتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي بأي وسيلة ممكنة، مستخدمة كل أدوات الحرب غير التقليدية من تجسس، إلى اختراق اليكتروني، واغتيالات، وتخريب صناعي ممنهج، متجنبة بذلك خيار الحرب الشاملة، ومُفضلة شن حرب استخباراتية معقدة.
مراحل الاختراق الإسرائيلي لإيران
2005 - 2010: تأسيس شبكة الاختراق
بدأ الموساد في بناء شبكات تجسس داخل إيران عبر تجنيد مجموعة من البلوش والأكراد والعرب والأذريين، إضافة إلى اختراق مؤسسات الدولة الحيوية مثل وزارة الطاقة، والجامعات، والشركات النووية الحكومية.
اعتمدت عمليات التجنيد على شركات وهمية بالخارج، واستخدام جوازات سفر أوروبية مزورة، وشبكات مالية تديرها واجهات تجارية في دبي وتركيا وماليزيا وأفريقيا، كما تم تجنيد معارضين إيرانيين في المهجر وتحويلهم إلى قنوات اتصال استخباراتية مع الداخل الإيراني.
2010 - 2020: الاغتيالات وتخريب العقول النووية
مع اكتمال شبكة المعلومات الداخلية، انتقل الموساد إلى تنفيذ عمليات تصفية دقيقة استهدفت أبرز علماء المشروع النووي الإيراني، من بينهم:
مسعود علي محمدي في2010 قُتل بتفجير عن بُعد.
ومجيد شهرياري 2010: قُتل بإطلاق نار مباشر.
وداريوش رضائي نجاد 2011: قُتل بإطلاق نار في العاصمة طهران.
ومصطفى أحمدي روشن 2012: أُغتيل بقنبلة مغناطيسية تم وضعها على سيارته.
وآخرهم محسن فخري زاده الذي أُغتيل في عام 2020 بهجوم آلي بواسطة روبوتات مسلحة أثناء ذهابه لقريته رفقة زوجته، وكان يُعد العقل المدبر للبرنامج التسليحي النووي.
وجهت هذه الاغتيالات ضربات قاصمة للبنية البشرية للمشروع النووي الإيراني، وأثارت أزمات ثقة كبرى داخل أجهزة الأمن الإيرانية نفسها.
2010 حتى الآن: الحرب السيبرانية و"ستاكسنت"
في نفس الفترة بداية من العام 2010 إلى الآن، أطلق الموساد بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، والأمن الهولندي؛ أخطر فيروس صناعي في تاريخ الحروب الإلكترونية، والمسمى بفيروس "ستاكسنت".
تسلل الفيروس إلى أنظمة التحكم في منشأة نطنز النووية، عبر مهندس هولندي مجند، وعطَّل ما يزيد عن 1000 جهاز طرد مركزي، ما تسبب في تأخير البرنامج النووي الإيراني عدة سنوات.
ثم وسَّعت إسرائيل نطاق الحرب السيبرانية لتشمل تعطيل شبكة القطارات، وتعطيل توزيع الوقود، وتفجيرات صناعية متزامنة، واختراق لشركات النفط وشبكات الاتصالات داخل إيران.
2018: سرقة الأرشيف النووي في قلب طهران
في واحدة من أجرأ العمليات الاستخباراتية المعاصرة، اقتحم الموساد مستودعًا سريًا للأرشيف النووي في منطقة شورآباد بطهران، واستطاع خلال 7 ساعات فقط سرقة آلاف الوثائق والأقراص الصلبة، وتم تهريب الأرشيف بالكامل عبر طرق سرية إلى إسرائيل.
وكشفت إسرائيل من خلال هذا الأرشيف للعالم حقائق خطيرة عن البرنامج العسكري النووي الإيراني، وأثبتت أن طهران تخفي أنشطة تسليح سرية حتى بعد توقيع الاتفاق النووي في عام 2015 مع دول الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الذي كان يستهدف الحد من قدرات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
2020 – 2025: تدمير البنية التحتية الصناعية والعسكرية:
وانتهجت إسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة، استراتيجية تدمير البنية التحتية الإيرانية، من خلال تفجيرات ضخمة في منشآت نظنز وأصفهان، وحرائق متكررة في مصانع الصواريخ والطائرات المُسَّيرة، وتخريب سلاسل الإمداد الصناعي الإيراني، وسلسلة انفجارات غامضة في مصانع الذخائر ومنشآت الحرس الثوري.
تسببت هذه العمليات في تفكيك جانب كبير من البنية التحتية النووية الإيرانية، وزادت من حالة الارتباك الأمني داخل أجهزة الدولة الإيرانية، وإقالة وتصفية عشرات من مسؤولي المخابرات الإيرانية، واختراق كبير للحرس الثوري نفسه عبر تجنيد أو تصفية بعض قادته.
لماذا نجحت إسرائيل؟
استطاعت إسرائيل بالتخطيط الاستراتيجي الطويل على مدار العقدين الماضيين، والذي تم من خلال توظيف للاستخبارات البشرية والتقنية، والدعم غير المعلن من دول إقليمية في نقل المعلومات؛ حسب تقارير استخباراتية غربية، بالإضافة إلى التعاون السري العميق مع الولايات المتحدة ودول أوروبا، من القيام بعملية استنزاف بطيء وهندسي للدولة الإيرانية، حيث تمكنت إسرائيل من تعطيل المشروع النووي الإيراني، وضرب مفاصل النظام الأمني الإيراني، دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية مباشرة.
وهكذا، عندما شنَّت إسرائيل هجومها العسكري الصريح فجر اليوم، كانت تعلم جيدًا أن الرد الإيراني سيكون محدودًا في ظل واقع أمني وعسكري مُثقل بالخسائر الداخلية على مدار عشرين عامًا من الحرب السرية المعقدة.