15 - 06 - 2025

من بروكلين يبدأ الحلم

من بروكلين يبدأ الحلم

- أنا لازم أقول ل(أوباما) إن هناك أشياء كثيرة لازم تتغير

٠ طيب

- لازم يغير (الإنفيرومنت)، و(الرين فورست)، و(جو جرين إفري وير)....

٠ إن شاء الله، كل حاجة ستصبح خضراء

- أنا ممكن أعمل انتخابات وأفوز زي (أوباما)؟

٠ كل شيء جائز

- أكون رئيس (اليونايتد ستيتس)؟

٠ كل شيء جائز

- الآن؟ ناو؟

٠ كل شيء بميعاد يا حبيبي!"

(من حوار بين أم وابنها هاجرا إلى أمريكا، في رواية "بروكلين هايتس" للكاتبة ميرال الطحاوي.)

فالسيدة التي اضطرتها الظروف الاجتماعية للهجرة بابنها والإقامة في حي بروكلين بمدينة نيويورك الأمريكية، والعمل في تنظيف طاولات الطعام والحمامات بأحد المطاعم، يفكر ابنها الذي لم يتجاوز الثانية عشر في أن يكون رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، مثله مثل الرئيس باراك أوباما (2009 – 2017)، أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية.

تعلم عمر (ابنها) أن لا سقف للأحلام، وأن عمل أمه (هند) لا يضعه في خانة محدودة التطلعات، حتى مع إجاباتها الحذرة التي يغلب عليها الاستسلام نتيجة عادات توارثتها الأجيال، جيلاً بعد جيل، ووصلتها عبر أمها وصارت جزءًا من شخصيتها، وعندما حزمت حقائبها للسفر لم تستطع أن تتركها وترحل، كانت جزءًا من روحها، حتى وهم يداعبونها للتخفيف من وطأة البعاد وهي في طريقها إلى المطار، بأنها مسافرة إلى بلد الأحلام.

عندما أسس إيلون ماسك شركة (سبيس إكس Space X) عام 2002 بهدف تصنيع مركبات فضاء بتكاليف منخفضة، واتبعها في العام التالي بتأسيس شركة (تيسلا موتورز Tesla Motors) لصناعة السيارات الكهربائية، نظر الكثيرون لأحلام الشاب الجنوب إفريقي على أنها ضرب من الخيال، حتى مع علمهم بنجاحاته السابقة في إنشاء شركات برمجيات لتقديم خدمات مالية. ما ميزه عن الآخرين لم يكن فقط طموحه، بل إيمانه العنيد بأن الحلم ممكن، وأن العقبات ليست سوى محطات عبور.

اليوم، لم تعد سبيس إكس مجرد مشروع طموح، بل أصبحت أول شركة خاصة تُطلق رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وتضع خططًا جدية للوصول إلى المريخ. غيرت صواريخها القابلة لإعادة الاستخدام صناعة الفضاء. أما تسلا، فقد تجاوزت كونها شركة سيارات كهربائية، لتقود ثورة في الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، وتُصبح من بين أكثر الشركات قيمة في العالم. ما بدأ كحلم شاب مهاجر، أصبح اليوم واقعًا يُعيد تشكيل مستقبل البشر على الأرض والفضاء.

المشترك بين ماسك و(عمر)، قدرتهما على الحلم، غادر الأول جنوب إفريقيا للدراسة في كندا، ومنها إلى أمريكا. كان يبحث عن بيئة تناسب أحلامه.

وتعلم عمر أن يحلم ويندمج في المجتمع الجديد رويدًا رويدا، وعندما قال إنه يريد أن يصبح "رئيس اليونايتد ستيتس"، لم يكن يمزح. كان يختبر مدى احتمالية أن يُسمح له بالحلم، حتى وإن عرف بعد ذلك أن الدستور لا يسمح للأمريكيين المولودين خارج أمريكا بالترشح للرئاسة.

على الجانب الآخر، عجزت أمه عن صناعة حلم جديد والإيمان به، وظلت أسيرة صراعاتها الداخلية ومحاولات التأقلم مع الحياة الأمريكية.  

صناعة الحلم ليست هي الهدف، بل الإيمان به وإيجاد البيئة المناسبة لتحقيقه.

في يوم من الأيام، كان ركوب دراجة أو سيارة أو طائرة، حلمًا بعيد المنال، وكذلك ما نعيشه اليوم من مسلمات تكنولوجية، كانت في وقت سابق، أضغاث أحلام لدى المشككين وغير القادرين على الإيمان بالحلم.

وكما يحلم الأفراد تحلم الأمم، حلمت سنغافورة أن تتحول من دولة فقيرة بلا موارد إلى دولة متقدمة، وحلمت اليابان بعد ضرب هيروشيما ونجازاكي بالقنبلة النووية أن تنهض، ونهضت، وكذلك حلمت الصين وتايلاند وفيتنام، وتخطوا أحلامهم.

تحقيق الحلم صناعة يحترفها من يؤمن بأحلامه، ويصبر حين تعصف الرياح من حوله، فردًا كان أم دولة.

ها.. ما هي أحلامك القادمة؟

--------------------------------

بقلم : د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

من بروكلين يبدأ الحلم