حروب، صراعات، أزمات اقتصادية، حوادث، كوارث طبيعية. إن كنتَ تتابع الأخبار، فأنت على الأغلب تشعر بعدم الأمان وأن العالم ينحدر إلى الهاوية. قد تشعر بالتوتر المستمر أو تنتابك نوبات القلق أو التفكير المفرط، وقد تجد صعوبة في الوصول لشعور الاطمئنان.
في هذا المقال تنتاول كيفية الوصول لحالة شعورية أفضل بخطوات فعالة، مع بعض النصائح التي وردت في موقع منظمة الصحة النفسية البريطانية للحفاظ على استقرارك الشعوري بينما تتابع الأحداث العالمية.
أولًا: صغر الصورة وانظر مرة أخرى
نعم، هناك صراعات وأزمات. ولكن هل هذه الصورة مكتملة؟ هل تمثل تلك الصورة الواقع كما هو؟ أم أنها تبرز جوانب من الواقع وتتجاهل أخرى؟
إن القنوات والصحف وأحاديث الناس تتناول ما هو (غريب). على سبيل المثال: من المرجح أن ترى خبرًا عن حادث على الطريق السريع. ولكن من غير المرجح بتاتًا أن ترى خبرًا يقول أن عشرات الآلاف من المواطنين قد استخدموا الطريق بأمان وسلامة تامة لأشهر عديدة قبل ذلك الحادث، أو خبرًا على غرار (لقد ذهب ستة ملايين مواطن في القاهرة الكُبرى إلى مقر عملهم وعادوا بسلامٍ اليوم)، فكل ذلك الأمان وتلك السلامة والعافية (عادية للغاية ولا تستحق الذِكر) بالمقارنة بخبر غير سار.
عندما ترى خبر الحادث ستشعر على الأرجح ببعض القلق، أو تأتيك فكرة تقول (العالم غير آمن)، ولكن لن يتبادر إلى ذهنك حقيقة أن تلك الحادثة يُقابلها مئات الآلاف من المرات التي أحاطت فيها السلامة بكل شيء. بالتالي عندما ينتابك شعور بالقلق: صغر الصورة.
خبر عن أزمة اقتصادية .. صغر الصورة .. هناك أيضًا المليارات من البشر ينعمون بالطعام والشراب والرزق الطيب.
حادث بين زوجين.. صغر الصورة. هناك ملايين البيوت السعيدة، الدافئة المليئة بالحب والرعاية.. لكنها لا تصدر ضجيجًا
شخص ما فاسد .. صغر الصورة، قد يكون مخطئًا ولكن ليس بتلك الدرجة.. وهناك الملايين من ذوي الشفافية والصدق.
ثانيًا: تذكر قانون الموجة
.ينص أشهر قوانين الفيزياء، قانون نيوتن الثالث، على أنه: (لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه) هذا القانون ليس فيزيائيًا فقط، فهو قانون يعكس توزان الحياة بأكملها. يقول نابليون هيل في كتابه (فكر تصبح غنيًا): "كل محنة، وكل فشل، وكل أسى يحمل معه بذرة نفع مماثلة له أو أكبر منه". ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: "فإن مع العسر يُسرا، إن مع العُسر يسرا". يصف الكاتب والمفكر صلاح الراشد ذلك القانون بـ(قانون الموجة)، حيثُ يشبه الأمر بالموجات المغناطيسية أو موجات رسم القلب، فكلما زاد عمق الموجة زاد في المقابل ارتفاعها. كلما زادت المحنة زادت المنحة. ولكن مرة أخرى، هذا ليس ما تركز عليه الصحف والقنوات وأحاديث الناس.
عندما تتذكر أنه كلما زادت الصراعات (موجة منخفضة) زاد السلام (موجة مرتفعة)، وكلما زاد الزيف (موجة منخفضة) زاد وهج الحقيقة (موجة مرتفعة)، وكلما زادت الأزمات الاقتصادية، زادت سهولة تكوين الثروة وتعددت مصادر الدخل. عندما تتذكر ذلك، وجه انتباهك وتركيزك لتكون قادرًا على رؤية اليُسر وسط العُسر، وبذرة النفع الوفير وسط ما يبدو أنه فوضى، والفرصة وسط ما يبدو كانعدام الفرص. فليَكُن تركيزك على النعم والعافية الموجودة بالفعل والسلامة والأمان، ولتشكر عليها وتكتشف أدوات زيادتها.
ثالثًا: ابق مدركًا لما يحدث حولك، ولكن كن واعيًا لحدودك
اسأل نفسك: "ما مقدار المعلومات والأخبار العالمية المزعجة التي أتابعها حاليًا؟ وكيف يؤثر ذلك عليّ؟"
إذا كان لها تأثير سلبي على مشاعرك، فجرب الآتي:
خذ استراحة من الأخبار- اكتم أو أوقف إشعارات الأخبار على هاتفك الذكي- اكتم أو الغِ متابعة حسابات التواصل الاجتماعي التي تنشرها- أو حدد قراءتك للأخبار بمرة واحدة يوميًا- بعد الاستراحة، اسأل نفسك: "كيف أشعر الآن بعد أن ابتعدت عن الأخبار؟"
إذا وجدت أن الاستراحة مفيدة، فحاول الاستمرار في الاطلاع على الأخبار ولكن على أجزاء صغيرة، وأخذ استراحة من الأخبار عند الحاجة، وتوقف من حين لآخر للاطمئنان على مشاعرك، وتفاعل مع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بناءً على ما تُشعرك به
إضافةً إلى ذلك، حاول أن تتخير بحكمة كيفية استهلاكك للأخبار، وتجنب، قدر الإمكان، جلسات "التصفح" الطويلة. وحاول أن تتقبل حقيقة أنه على الرغم من أننا قد نرغب في المساعدة أو تغيير الوضع العالمي والوطني الحالي، إلا أن بعض هذه الأمور قد تكون خارجة عن سيطرتنا. وفي تلك اللحظات تذكر أنك لستَ مسؤولًا عن تغيير العالم، أنت فقط مسؤول عن إدارة حياتك بأفضل طريقة ممكنة، فلتركز على ذلك الأمر.
رابعًا: تفاعل مع مجتمعك بطريقة هادفة
إذا كان عدم اليقين الناتج عن الأخبار يُثير فيك مشاعر القلق أو الخوف أو العجز أو العزلة، فتذكر أن هناك دائمًا أشخاصًا آخرين يشعرون بنفس الشعور الآن. هناك أشياء يمكننا القيام بها للتعامل مع هذه المشاعر أو تخفيفها.
يمكنك التواصل مع الآخرين المتأثرين في مجتمعك. قد يكون ذلك في منطقتك أو في مجتمعات الإنترنت. يمكن أن يساعدك هذا على الشعور بمزيد من التمكين وتقليل الشعور بالوحدة.
هناك طرق عديدة للتواصل مع مجتمعك مثل: المشاركة في فرص التطوع، والانضمام إلى الحملات الشعبية المحلية، أو المجموعات المجتمعية التي تعمل على قضايا تهمك، أو الانضمام إلى مجموعة على (فيسبوك) أو (ميت اب) مع أشخاص في منطقتك.
البشر مُصممون عصبيًا للتواصل مع الآخرين. مساعدة الآخرين والتفاعل مع مجتمعنا المحلي بطريقة هادفة مفيد لصحتنا النفسية.
خامسًا: لا تكبت مشاعرك
إذا شعرت بالاضطراب، احاول أن تتلقَ الدعم، تحدث مع أصدقائك أو أفراد عائلتك. هناك الكثير من الأشخاص والمؤسسات التي تريد مساعدتك. مثل وحدة الدعم النفسي التابعة للأزهر الشريف 19906، أو التواصل مع الخط الساخن الخاص بالأمانة العامة للصحة النفسية (التابعة لمبادرة الدولة: 100 مليون صحة نفسية) 16328، كما أن هناك عددًا من المستشفيات والمعالجين الذين يعرضون خدماتهم بأسعار زهيدة أو مجانًا.
سادسًا: اعتنِ بصحتك النفسية
حاول تخصيص وقتٍ كافٍ للأشياء والأنشطة والتصرفات المفيدة لصحتك النفسية. يختلف ما يناسب كل شخص، لذا ركّز على ما يناسبك. من أكثر الخطوات فعالية: اتباع روتين نوم صحي، وإضافة بعض الحركة إلى يومك كممارسة الرياضة أو المشي، والتعرض للشمس في الصباح الباكر، وتناول الطعام الصحي، حيث يلعب الطعام دورًا كبيرًا في استقرارك الشعوري، وقضاء الوقت مع الأصدقاء أو العائلة، والتواصل مع الطبيعة لتقليل التوتر وتحسين مزاجك. ابدأ بالخطوات البسيطة التي يمكنك اتخاذها في اللحظة الراهنة لترَ الفرق.
تذكر أن صحتك النفسية أولوية، وأنها تدعم بقية جوانب حياتك من صحة جسدية ونجاح في العمل وعلاقات رائعة مع العائلة وحياة مالية. إن كنت تشعر بالاضطراب مع متابعة الأخبار، يمكنك بخطوات بسيطة التحسين من الأمر والوصول للتوازن. مثل: رؤية الصورة الأكبر للأمور، تذكر قانون الموجة، ومعرفة حدودك في متابعة الأخبار واحترامها، والتفاعل مع مجتمعك، والتنفيس عن مشاعرك، واتباع أسلوب حياة أكثر صحة.
-------------------
ترجمة: فدوى مجدي
مترجم بتصرف، المصدر:
https://www.mentalhealth.org.uk/explore-mental-health/articles/tips-look-after-your-mental-health-during-traumatic-world-events
من المشهد الأسبوعية