تحليل الهجوم الأوكراني على العمق الروسي
في ليلةٍ بدت كغيرها في سهوب سيبيريا الباردة، كانت شاحناتٌ عابرةٌ تحمل "حظائر خشبية" عاديةً تمخر طرقات إيركوتسك النائية، لكن تحت أسقف هذه الهياكل الخشبية، كان كابوس روسيا يتربص؛ عشرات الطائرات المسيرة المزودة بالمتفجرات، مصفوفة "كبيض العنكبوت" تنتظر إشارة الانقضاض، وعندما ارتفعت الألواح الخشبية عن بُعدٍ كالأجنحة، انطلقت الطائرات من مسافة خمسة كيلومترات فقط من قاذفات "تو-95" النووية الروسية، محوِّلةً سماء سيبيريا إلى جحيمٍ من اللهب في هجومٍ غير مسبوقٍ على أربع قواعد جوية استراتيجية، وهذه العملية التي أُطلق عليها اسم "شبكة العنكبوت"، لم تكسر فقط قواعد الحرب التقليدية، بل حوَّلت حظائرَ خشبيةً رخيصةً إلى سلاحٍ يضاهي الصواريخ الباليستية مدىً وتأثيرًا، مستهدفةً قلب القوة الضاربة لروسيا في عمق أراضيها ..
وتم اختراق المستحيل بحيلة الشرانق، شاحنات تجارية عادية تسير على طرق سيبيريا.. لكن بداخلها حظائر خشبية تخفي عشرات الطائرات المسيَّرة، تنتظر إشارة لتنقضّ! مثل ثعبان ينهش فريسته قبل أن تهرب! لم تكن الأهداف أهدافاً عشوائية؛ قاذفات Tu-95 العملاقة التي تمطر أوكرانيا بصواريخ "Kh-101" تحوَّلت إلى كرات نار! والرقم الصاعق 41 طائرة قاذفة مدمرة – ثلثي القوة الضاربة لروسيا تبخرت في ساعات! لقد كانت ضربة في مقتل.. يكمن السر في عقول بشرية وتكنولوجيا عالية، حيث شكلت شبكة جواسيس غير مرئية نسَّقت العملية داخل الأراضي الروسية، ونجحت في توجيه طائرات مسيرة سعرها 500 دولار فقط تصطاد طائرات بمئات الملايين من الدولارات!
والدروس الصاعقة هنا هي، كيف كُسر جبروت السلاح الروسي؟ إنها ثغرة في الحصن الروسي، حيث الاعتماد على الدفاعات الحدودية المتقدمة (أنظمة "S-400")، وإهمال مراقبة البنية التحتية الداخلية، فاستغلت أوكرانيا نقطة عمياء قاتلة - تفتيش الشاحنات التجارية - فروسيا حصَّنت حدودها جيدًا ولكنها نسيت أن الخطر يدخل كبضاعة عبر الحدود، وصارت معادلة الرعب: طائرة مسيرة رخيصة = تدمير قاذفة نووية! والخسائر سبع مليارات دولار مقابل آلاف الدولارات! فضلاً عن الضربة النفسية العميقة، حيث الهجوم تم قبل محادثات إسطنبول بيوم واحد – كرسالة واضحة أنه حتى سيبيريا ليست آمنة..
نجحت أوكرانيا في تصميم إستراتيجية "شبكة العنكبوت" وهي مستوحاة من عناكب "باراماتاشيا" التي تبني شبكات مستطيلة غير مرئية في الظروف القاسية، وأوكرانيا حوَّلت الحظر التقني (نقص الصواريخ) إلى فرصة للابتكار، كما نجحت في تحويل الجغرافيا إلى سلاح، فتجاوزت عجزَها في الصواريخ الباليستية (مدى 1000 كيلومتر) بتهريب الطائرات المسيرة إلى عمق 4300 كم داخل الأراضي الروسية، مستفيدةً من اتساع المساحات وضعف المراقبة اللوجستية، واستُخدمت الحظائر كمنصات إطلاق خفية تشبه فخاخ العنكبوت، تختفي في العلن، ثم تنقض فجأةً.
والنتيجة زلزال استراتيجي وانسحاب القوات الجوية الروسية من سيبيريا إلى مخابئ مجهولة – فهذه أول مرة تتراجع فيها "الوحوش الحديدية" منذ الحرب الباردة! وقد تكون "بيرل هاربر القرن 21"، بينما موسكو تصرخ "إرهاب"، فالمفاوضات لم تتوقف.. لكن ميزان القوى انقلب، وأوكرانيا تثبت أنها تستطيع الوصول إلى أحشاء الدب! فكان كابوس القواعد الروسية كالآتي:
- قاعدة بيلايا (سيبيريا): 15 قاذفة Tu-22M تشتعل ناراً، حيث شكلت انهيار 30% من ضربات العمق.
- قاعدة ريازان: طائرات الإنذار المبكر A-50 تتحطم، مما يصيب "عيون" الجيش الروسي بالشلل.
- قاعدة إيفانوفو: 10قاذفات Tu-95 تتفكك، حيث تقليص هجمات الصواريخ على أوكرانيا بنسبة 40%.
إنها ثورة الحرب الذكية! فهذه ليست مجرد عملية عسكرية.. إنها إعلان نهاية عصر السيطرة التقليدية، فالضعيف لم يعد ضعيفاً، فحظيرة خشبية وطائرة مسيرة = سلاح يفوق الصواريخ الباليستية! هي قواعد اللعبة الجديدة، فلم تعد الأسلحة الفتاكة هي الأغلى.. بل الأذكى والأخفى! والآن سؤال الرعب الروسي "هل نملك ما يكفي من شبكات عنكبوت لتغطية 17 مليون كم²؟"
والحقيقة الأكثر إثارة، أن أوكرانيا لم تخترق دفاعات روسيا.. بل اخترقت عقلية الحرب نفسها! فماذا تخبئ "شبكات العنكبوت" القادمة في جعبتها؟
---------------------------
بقلم: أحمد حمدي درويش