ودّع الوسط الفني والثقافي في مصر والعالم العربي، اليوم، الفنانة الكبيرة سميحة أيوب، إحدى أيقونات المسرح العربي، وواحدة من أبرز رموز الفن في القرن العشرين، عن عمر ناهز الـ92 عامًا، بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من سبعة عقود، أثرت خلالها الحياة الثقافية بأعمال خالدة على خشبة المسرح، وفي السينما والتلفزيون.
بصوتها العذب، وأدائها المتقن، وحضورها الطاغي، صنعت سميحة أيوب مجدًا مسرحيًّا لا يُنسى. تنقلت بين الكلاسيكيات والدراما الحديثة بسلاسة نادرة، وقدّمت على خشبة المسرح أعمالًا أصبحت علامات في تاريخ الفن العربي؛ منها: سكة السلامة، السبنسة، الناصر صلاح الدين، الدرس انتهى لموا الكراريس، دماء على ستار الكعبة، والعباسة أخت الرشيد.
رغم ارتباط اسمها بالمسرح، فإن سميحة أيوب تركت بصمة واضحة في السينما والتلفزيون. شاركت في أعمال بارزة مثل: فجر الإسلام، قنديل أم هاشم، أرض النفاق، السراب، خالتي صفية والدير، العائلة، الضوء الشارد، وأوان الورد. كما لم تغب عن الكوميديا، إذ أطلت بروحها المرحة في أفلام مثل: تيتة رهيبة، ومسلسل مغامرات زكية.
لم يكن عطاؤها الفني محصورًا في التمثيل، بل امتد إلى الإدارة المسرحية، إذ تولت إدارة المسرح الحديث عام 1973، والمسرح القومي في فترتين بين 1975 و1988، لتكون أول سيدة عربية تتولى هذا المنصب. خلال هذه الفترة، قادت إنتاج عروض مسرحية عانقت هموم المجتمع، وشاركت فرقًا عالمية، مقدّمة عروضًا دولية منها: فيدرا في باريس، أنطونيو وكليوباترا، ودائرة الطباشير القوقازية.
كرّمتها الدولة المصرية والعالم العربي بعدد كبير من الجوائز والأوسمة؛ أبرزها: وسام الفنون والآداب من الطبقة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون. كما احتفى بها عدد من المهرجانات والمؤسسات الثقافية بوصفها قامة استثنائية ساهمت في ترسيخ مكانة المسرح العربي على الساحة الدولية.
برحيل سميحة أيوب، تفقد مصر والعالم العربي رمزًا من رموز الفن الأصيل، وفنانة لم تكن فقط ممثلة بارعة، بل مدرسة كاملة، وصوتًا للإنسان المهمّش، ووجها ناصعًا من وجوه الثقافة الوطنية. رحلت "سيدة المسرح العربي"، لكن أعمالها ستظل حيّة في ذاكرة الأجيال، وصوتها سيبقى يتردد في أروقة المسارح التي شهدت مجدها.