- أسماء النقود تعكس تاريخ مصر ووقائعه وأحداثه المختلفة، كما تحمل أسماء الحكام ومدى تطور الاقتصاد في عهدهم
- الفلوس عملة اعتبرها المقريزي عارًا على المصريين وتمنى زوال تداولها
- الريال بوطاقة والريال أبو مدفع أسماء مصرية لنقود أجنبية إسبانية وألمانية جرى تداولها في مصر
- زر المحبوب والفندقلي أسماء للعملات الذهبية التي ميزت مصر العثمانية
ترتبط الكثير من الأمثال والألفاظ التي نتداولها، بحقب زمنية قديمة، وسياقات ثقافية متشعبة، وعلاقات اقتصادية واجتماعية اندثرت مع الأيام، مما يجعلها تشبه المتحجرات الجيولوجية، تحتفظ في نواتها بماضٍ سحيق، يتكشف لنا مع الملاحظة والتدقيق.
ومن بين هذه المتحجرات اللغوية التي تكشف عن نمط اقتصادي، كان شائعًا لقرون في مصر، وهو استخدام كلمة «حبة» في صيغ، مثل: أن يقول المشتري للبائع «زود حبة كمان»، أو «نقص حبة»، أو المثل القائل «زود حبة تزيد محبة». مما يطرح التساؤل حول علاقة «الحبة» بالمكيال والميزان، وهل كانت الحبة معيارًا للوزن؟
هذا ما تكشفه كتب التراث، وربما كان أمرًا لا يسترعي الانتباه، منذ قرنين من الزمان، ولا يستدعي هذا التساؤل من الأساس، عندما كانت الحبوب بالفعل هي المعيار الذي توزن به الحبوب، إذ كان يقدر أهل الاختصاص وزن هذه العملات التي تختلف تسمياتها، عبر العصور، وكذلك أوزانها.
حبة الخروب
يكشف المقريزي في كتابه "الرسائل" عن هذه العلاقة بين النقود والحبوب، إذ أنها كانت وسيلة وزن كل عملة من العملات، فيجري معايرة الوزن من خلال الحبة، فعلى سبيل المثال: كان وزن القيراط 3 حبات من الشعير متوسطة الحجم، والمثقال 100 حبة من الخردل البري متوسط الحجم، وكان يختلف وزن ونوع الحبوب التي يجري المعايرة بها، فالدرهم كان يساوي 50 حبة، والدينار 72 حبة، وفي بعض الأوقات كانت تجري المساواة بين الدرهم والدينار، في عدد الحبوب، مع اختلاف مادة الصنع، الفضة للدراهم، والذهب للفضة، وفي مصر بعهد السيوطي كان وزن الدرهم 18 حبة خروب، وتزن حبة الخروب 3 حبات من القمح، بينما كان وزن المثقال 24 حبة من الخروب.
وعبر تاريخ مصر، تنوعت العملات التي استخدمها المصريون، التي تعرفنا دراستها بجزء من التاريخ، ووقائعه، وأحداثه المختلفة، وأسماء الحكام، وألقابهم، ومدى تقدم وتدهور الاقتصاد في عهدهم. وقد عرف المصريون عملات عدة، عبر تاريخيهم، من الدينار الذي يرتبط بالعملات الذهبية، والدرهم المرتبط بالعملات المصنوعة من الفضة، والبرونز والنحاس في عصر الكساد الاقتصادي المملوكي.
النقود الذهبية
لم تعرف مصر - طبقًا لما ينقله المقريزي - طوال تاريخيها حتى وصول صلاح الدين الأيوبي، عملة من العملات يجري تداولها بشكل رسمي، سوى العملات الذهبية فقط. أول عملة ذهبية خاصة بمصر في عهدها الإسلامي عرفت باسم:
- «الدينار الأحمدي»: نسبة إلى أحمد بن طولون، الذي سك عملة باسمه بعد أن استقل بحكم مصر عن الدولة العباسية عام 254هـ، 868م.
- وهناك «الدينار المعزي» نسبة إلى المعز لدين الله الفاطمي، الذي سك دنانير ذهبية باسمه عام 385هـ، 969م.
- وفي عهد الناصر فرج خرج «الدينار الناصري» نسبة إلى الناصر فرج بن السلطان برقوق، أول مملوك شركسي يصعد إلى الحكم في مصر، وسكت عام 808ه، 1405م.
- وفي العهد العثماني ظهرت عملة ذهبية ظلت مستخدمة حتى وصول الحملة الفرنسية «الفندقلي/ الفندقي»، أو «السكين» نسبة إلى البندقية.
- واستخدمت أيضًا محليًّا في هذا العصر، عملة تسمى «زر محبوب» وهي عملة ذهبية أيضًا، وكلمة «زر» فارسية تعني الذهب أي ذهب المحبوب، وكانت متداولة إلى جانب الفندقلي، لكن يختلفان في الوزن والقيمة، وكان يطلق على النصف منها اسم «نصفية»، والربع «ربعية»، أي: نصف زر محبوب، وربع زر محبوب.
النقود الفضية
وعرفت مصر أيضًا في وقت متأخر نسبيًّا، في عهد صلاح الدين الأيوبي، الدراهم، أي: العملات المصنوعة من الفضة والبرونز؛ لأنه قبل قدوم صلاح الدين الأيوبي 567ه 1171م - كما ذكرنا سابقًا - كانت العملات الذهبية وحدها، هي العملة القانونية والمشروعة في مصر. وحملت هذه الدراهم أسماء الملوك والأمراء الذي حكموا مصر.
- «الدرهم الناصري» وضُرب عام 583هـ، 1187م نسبة إلى الناصر صلاح الدين الأيوبي، كأول درهم عرفته مصر بشكل رسمي.
·«الدرهم الكاملي» إلى نسبة إلى الكامل ناصر الدين 622ه، 1225م.
·«الدرهم الظاهري» نسبة إلى الظاهر بيبرس 658هـ، 1260م.
·«الدرهم المحمودي» نسبة إلى الأمير محمود بن علي سنة 781هـ، 1379م.
·«الدرهم المؤيدي» وهو آخر الدراهم التي سكت في مصر عام 818هـ، 1415م.
عملات أجنبية
بخلاف الدراهم المصرية المسكوكة في مصر السابقة، عرفت مصر دراهم قادمة إليها من الخارج؛ وأشهر هذه الدراهم:
- «الدرهم البغلي» والمعروف أيضًا بالدرهم الأسود، وهو عملة فارسية عرفت باسم البغلي - كما ينقل المقريزي - نسبة لشخص كان يسكها، يطلق عليه العامّة في بلاد فارس اسم رأس البغل. أما اسم الأسود فبسبب الشكل الذي تكون عليه هذه العملة، مع تقادم العهد، فتتحول إلى اللون الأسود؛ بسبب التفاعلات الكيميائية مع الجو، وتمييزًا لها أيضًا عن الدرهم الطبري الأبيض.
- «الدرهم الطبري» الذي يستمد اسمه من طبرية.
·«الدراهم اليمنية» القادمة من اليمن، والتي تستعمل في التجارة معها.
·«الدراهم المغربية» القادم من بلاد المغرب.
·«القرش الإسباني» هو أحدث في الاستخدام من العملات السابقة، وكثر استعماله في مصر قبيل قدوم الحملة الفرنسية.
·«التالر الألماني» وتعرف باسم الرسدال أو الريال، وكان شديد الانتشار في مصر كذلك، إبان الحملة الفرنسية، وكان يساوي قيمة القرش الإسباني، ويجري الاستبدال بينهما بسهولة، وإن كانت قيمة التالر الألماني تكون عادة أعلى قليلًا؛ بسبب دقة صنعه، ووزنه الأكبر من القرش الإسباني.
ومن المهم هنا أن المصريين كان يطلقون على هاتين العملتين اسم «الريال» وهي تحريف لكملة الرسدال، ويطلقون على كل منهما اسمًا خاصًّا يميزه عن الآخر.
- «الريال أبو مدفع» وهو الاسم الذي أطلقه المصريون على القرش الإسباني؛ لأن على أحد وجهيه أعمد تشبه المدافع.
·«الريال بوطاقة» ويطلق على التالر العملة الألمانية، ويعني الريال المرسوم عليه طاقة (التي تعني نافذة أو شباك)؛ لأن على أحد وجهي العملة عقاب مقسوم على أربعة أجزاء، تشبه المشربيات المصرية والطاقات.
·«القروش» وهي عملة مصرية من الفضة، سكها علي بك الكبير، لم يكتب لها الشيوع، وكانت لها فئات متعددة تساوي 20 و 40 و80 و100 مديني، وألغيت وسحبت من الأسواق بعد هزيمة علي بك الكبير، وأعادت الحملة الفرنسية سكها عام 1798م، 1213هـ.
واختلف وزن كل نوع من هذه الدراهم التي جرى تداولها في مصر، منذ الفتح الإسلامي، فعلي سبيل المثال: الدراهم السوداء التي ألغى صلاح الدين الأيوبي التعامل بها، كانت شديدة الثقل، وذات معيار عالٍ، ثم سكَّ الكاملي نوعًا من الدراهم تحت اسم «أوراق» التي يُعتقد أن عملة «المديني» - التي ظلت تستخدم في مصر حتى قدوم الحملة الفرنسية - قسم منها. وكانت هذه العملة (المديني) خفيفة جدًّا، لدرجة أنه يمكن أن يجمع الألف منها في قاع قرطاس، وأي نفخة هواء قادرة على أن تبعثرها. وينقل علماء الحملة الفرنسية في كتاب وصف أن أصل تسمية مديني يرتبط بدراهم المؤيدي، التي حرفتها العامة تخفيفًا إلى الميدي أو المديني.
النقود النحاسية
لم تكن العملات المصنوعة من النحاس في مصر، ذات قيمة عالية، ولم يكن المصريون يفضلونها، وقد عبّر المقريزي عن ضيقه الشديد من استخدام هذا المعدن كعملة في مصر، وذكر في رسالته شعوره بالعار لمجرد تدوين ذلك الأمر، فيقول في رسالته عن النقود النحاسية وضيقه منها:
«وأما الفلوس، فإنه لم تزل سنة الله في خلقه وعادته المستمرة، منذ كان الملك إلى أن حدثت الحوادث والمحن بمصر، منذ سنة ست وثمانمائة، في جهات الأرض كلها، عند كل أمة من الأمم،... أن التي تكون إثمانا للمبيعات، وقيم الأعمال، إنما هي الذهب والفضة فقط. ولا يعلم في خبر صحيح ولا سقيم عند أمة من الأمم، ولا طائفة من طوائف البشر، أنهم اتخذوا أبدًا في قديم الزمان ولا حديثه، نقدًا غيرهما،... وتالله، إن هذا الشيء يستحيى من ذكره؛ لما فيه من عكس الحقائق، إلا أن الناس لطول تمرنهم عليه ألفوه، إذ هم أبناء العوائد، وإلا فهو في غاية القبح، والمرجو أن يزيل الله عن بلاد مصر هذا العار، بحسن السفارة الكريمة».
وبدأ ظهور العملة المصنوعة من النحاس، إبان الظاهر برقوق المملوكي 781هـ 1379م، وكانت تعرف العملة المصنوعة من النحاس باسم «الفلوس» تلك اللفظة التي ستصبح علمًا فيما بعد على أي نوع من أنواع النقود في مصر حتى الآن، سواء التي كانت مصنوعة من الذهب، أو الفضة، أو من الورق في أيامنا هذه.
-----------------------------
تقرير - د. عبدالكريم الحجراوي
من المشهد الأسبوعية