16 - 06 - 2025

استفزاز الدب الروسي.. هل تجاوزت أوكرانيا الخطوط الحمراء؟

استفزاز الدب الروسي.. هل تجاوزت أوكرانيا الخطوط الحمراء؟

- تصعيد خطير في الحرب الأوكرانية الروسية وردود موسكو تُعيد ترتيب موازين القوة
- العالم في حالة ترقب.. كيف يؤثر تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا على استقرار المنطقة؟

في تطور جديد ينذر بتوسع رقعة المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، تعرضت موسكو الفترة الماضية، لسلسلة هجمات متتالية أثارت قلقًا واسعًا داخليًا ودوليًا، ودفعتها إلى اتخاذ خطوات عسكرية واستراتيجية قوية للرد على ما اعتبرته استفزازًا صارخًا من الجانب الأوكراني، بدءًا بمحاولة اغتيال الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى كورسك في مايو الماضي، إلى أعنف هجوم بطائرات مسيرة على قواعدها الجوية بالأمس، جاء الرد الروسي مدويًا، ليؤكد أن روسيا لا تُستفز دون أن تُذكّر العالم بأنها قوة لا يستهان بها.

وكانت أوكرانيا أطلقت بالأمس الأحد، هجومًا جويًا واسع النطاق بطائرات مُسيرة استهدف قواعد جوية عسكرية روسية في العمق، أسفر عن تدمير أكثر من 40 طائرة حربية، من بينها قاذفات استراتيجية ومروحيات إنذار مبكر، واعتُبرت العملية من أخطر الضربات التي تعرضت لها البنية الجوية الروسية منذ اندلاع الحرب بين البلدين.

طال الهجوم خمس مناطق روسية، وأدى إلى اندلاع حرائق وأضرار مادية في عدد من الطائرات، رغم تصدي الدفاعات الجوية الروسية لمعظم الطائرات المُسيرة، وقد اعتُبر هذا اليوم نقطة فارقة في الحرب، نظراً لحجم الخسائر الروسية مقارنة بكُلفة الطائرات المسيرة المستخدمة.

الرد الروسي: هجوم مكثف وتنظيم جديد للقوات

لم تتأخر موسكو في الرد، فقد شنّت القوات الروسية في نفس اليوم، أكبر هجوم بطائرات مُسيرة منذ بداية الحرب، مستخدمة أكثر من 470 طائرة مُسيرة، إضافة إلى صواريخ موجهة استهدفت مواقع حيوية في أوكرانيا.

كما أعلنت وزارة الدفاع عن هيكلة عسكرية جديدة تتضمن تشكيل "قوات الأنظمة غير المأهولة"، وهي وحدات متخصصة في تشغيل الطائرات والمركبات الذكية، في خطوة تهدف لتعزيز القدرات الروسية في الحرب الحديثة.

محاولة اغتيال بوتين

كان الرئيس فلاديمير بوتين قد تعرض في نهاية مايو الماضي، لمحاولة اغتيال أثناء زيارته لمنطقة كورسك، بعدما رصدت الدفاعات الروسية طائرة مُسيرة يُشتبه بأنها كانت تستهدف مروحيته، ورغم أن الطائرة أُسقطت قبل أن تُحقق هدفها، إلا أن الحادثة أثارت موجة من الاستنفار في الأوساط الأمنية والعسكرية، وتعاملت معها المؤسسة العسكرية الروسية على أنها تجاوز للخطوط الحمراء.

الدعم الخارجي لأوكرانيا: أداة استراتيجية للغرب

منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، تلَّقت أوكرانيا دعمًا عسكريًا ضخمًا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، قدمت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 60 مليار دولار في دعم عسكري، بينما ساهمت بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها بمنظومات صاروخية، ودبابات، وطائرات استطلاع.

لم يكن هذا الدعم موجهاً فقط لحماية أوكرانيا، بل كان بمثابة أداة لاستنزاف روسيا عسكريًا واقتصاديًا، دون انخراط مباشر للقوات الغربية، ومع تصاعد الضغوط الداخلية في بعض الدول الغربية، بدأت بعض المؤشرات على تراجع وتيرة المساعدات، مما وضع أوكرانيا أمام تحديات جديدة.

استعراض القوة الروسية

لم يكن الرد الروسي مقتصرًا على الهجوم المضاد، بل شمل أيضًا استعراضًا واسعًا للقوة العسكرية، فإلى جانب التشكيلات الجديدة، شدَّدت موسكو على جاهزية قواتها للردع والهجوم في آن واحد، في تلويح باستخدام تقنيات متقدمة وطائرات مسيرة هجومية واستطلاعية.

كما كثّفت روسيا من رسائلها الإعلامية التي تهدف إلى تعزيز الروح المعنوية داخليًا، وتحذير الغرب من تبعات التمادي في دعم أوكرانيا.

مفاوضات بين الوفدين 

عُقدت اليوم الاثنين، جولة ثانية من المفاوضات المباشرة بين الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول، برعاية تركية ودعم أمريكي، وركزت المحادثات من الجانب الأوكراني على وقف إطلاق النار غير المشروط، وتبادل الأسرى، موافقة على اقتراح الولايات المتحدة بوقف إطلاق النار، بينما رفضته روسيا.

قلق متصاعد ودعوات للحل

أثار التصعيد الأخير ردود فعل دولية واسعة، حيث عبّرت الدول الغربية عن قلقها من توسع رقعة الصراع، ودعت الولايات المتحدة إلى مفاوضات سلام فورية، مُهددة بفرض عقوبات جديدة على موسكو، مع الإعلان عن مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا، كما طالبت فرنسا بوقف فوري لإطلاق النار، فيما أدانت المفوضية الأوروبية الهجمات الروسية على المدنيين.

في المقابل، شددت دول أوروبا الشرقية على دعم أوكرانيا، وأيدت انضمامها إلى الناتو، أما بريطانيا، فأعلنت عن زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة التهديدات الروسية، وتستمر المحادثات بين موسكو وكييف برعاية دولية رغم تعثُّرها.

التأثير العالمي للصراع

يمضي النزاع بين روسيا وأوكرانيا نحو تعقيد أكبر، مع تصاعد التصريحات والعمليات العسكرية من الجانبين، ويخشى مراقبون من أن يتحول الصراع إلى مواجهة إقليمية أوسع، أو أن يدفع العالم إلى سباق تسلُّح جديد يعيد أجواء الحرب الباردة.

على المستوى الاقتصادي، قد يؤدي استمرار الحرب إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، خاصة إذا تفاقمت المواجهات في المناطق الحساسة.

في النهاية، تؤكد التطورات الأخيرة أن الحرب لم تعد مقتصرة على حدود الجغرافيا، بل أصبحت ساحة لتبادل الرسائل الاستراتيجية بين روسيا والغرب، وهو ما ينذر بأن الأسوأ قد يكون قادمًا ما لم تُفتح أبواب الحل السياسي قريبًا.