لم تحظَ قضية إفراج عن سجين سياسي، بنفس الزخم الذي حظيت به قضية الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، ثم جاء إضراب والدته عالمة الرياضيات الدكتوره ليلى سويف عن الطعام منذ 240 يومًا، لينقل القضية من مربع السياسة إلى مربع الإنسانية، دون أدنى بادرة لاستجابة. أغلقت السلطة عينيها، وصمت أذنيها، وكأن شيئًا لا يحدث.
في الساعات الأخيرة، ومع اقتراب عالمة الرياضيات من موت محقق، ازدادت المناشدات دون بصيص أمل، في أن يتحرك مسؤول كبير لإنقاذها، غيبة إدراك أنها يمكن أن تتحول إلى أيقونة ووصمة عار في جبين من يديرون الأمور في البلاد.
وتسلَّمت رئاسة الجمهورية في عابدين، ظهر اليوم السبت، طلبًا جديدًا بالعفو عن علاء عبد الفتاح، دون توقيع على الاستلام، بعد نحو ساعتين من رفضه "لانعدام الصلة"، فيما ناشدت 21 منظمة حقوقية دولية ومصرية بالتحرك العاجل للإفراج عن علاء، الذي انتهت مدة حبسه القانونية في 30 سبتمبر الماضي، وإنقاذ والدته ليلى سويف المضربة عن الطعام منذ ذلك التاريخ.
وحاول الوفد الذي ضم نشطاء؛ أبرزهم: المحامية الحقوقية ماهينور المصري، وأحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 أبريل، وأحمد دومة، وأسماء محفوظ، نيابة عن عدد من النشطاء الحقوقيين والسياسيين، تسليم طلب العفو الجديد في قصر رئاسة الجمهورية في عابدين، وجاء قبول الرئاسة الطلب بعد نحو ساعتين من الرفض "لانقطاع الصلة بين علاء والنشطاء مقدمي الطلب" وفق ما أبلغ الموظف أعضاء الوفد، حتى انتهى الأمر إلى قبوله من ماهينور المصري موقعًا بأسماء 18 ناشطًا.
وناشدت حركة 6 أبريل الرئيس بالإفراج الفوري عن علاء عبد الفتاح، بعد انقضاء مدة حبسه، وحذّر من تدهور خطير في حالة والدته الصحية، وفق تقرير طبي بريطاني.
وكانت أسرة علاء، المضرب عن الطعام منذ ثلاثة أشهر في سجن وادي النطرون، احتجاجًا على استمرار حبسه، تقدمت في وقت سابق بطلبين لرئاسة الجمهورية للإفراج عنه. ففي منتصف مايو الجاري، سلّمت كل من: شقيقته سناء سيف، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، طلبًا مرفقًا به تقارير طبية لإعياء والدته الأكاديمية ليلى سويف؛ نتيجة إضرابها عن الطعام احتجاجًا على استمرار حبسه. ومطلع مارس الماضي، سلّم وفد نسائي متضامن مع ليلى سويف، قصر الاتحادية الرئاسي، عريضة التماس موقعة من 665 امرأة مصرية، إلى انتصار السيسي زوجة الرئيس؛ للمطالبة بالإفراج عن علاء وإنقاذ حياة والدته.
وسبق وقدمت سناء سيف وشقيتها منى في 4 ديسمبر الماضي، طلب عفو آخر، من خلال وسيط، إلى رئاسة الجمهورية، وقالت حينها إنها قدمت طلبات مماثلة في وقت سابق، من خلال لجنة العفو الرئاسي والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لكن دون رد.
كانت ليلى سويف البالغة من العمر 69 سنة، بدأت إضرابًا كليًّا عن الطعام، في اليوم التالي لانقضاء محكومية علاء، لكن بعد وعود بإمكانية الوصول لحل بعد جولة من المناشدات وطلبات العفو عنه، حولت ليلى إضرابها بعد 156 يومًا لإضراب جزئي، بداية مارس الماضي، حيث تناولت 300 سعر حراري في اليوم.
لكن تحركات محلية ودولية لم تُسفر عن أي جديد بشأن الإفراج عن علاء، ما دفعها قبل 9 أيام إلى معاودة الإضراب الكلي؛ من أجل إطلاق سراح نجلها.
ومساء أمس الأول، تدهورت الحالة الصحية للأكاديمية ليلى سويف، ونُقلت إلى مستشفى سانت توماس في لندن مجددًا، بعد 9 أيام من عودتها للإضراب الكلي عن الطعام؛ احتجاجًا على استمرار حبس نجلها.
وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، في ديسمبر 2021، حكمًا بالسجن خمس سنوات على علاء، الذي كان رهن الحبس الاحتياطي منذ سبتمبر 2019، بتهمة "نشر أخبار كاذبة". ويقول فريق دفاع علاء، إن السلطات تحتسب بداية العقوبة من تاريخ تصديق الحاكم العسكري على الحكم في يناير 2022، ولا تحتسب مدة الحبس الاحتياطي ضمن العقوبة بالمخالفة للقانون.
وتنص المادة 482 من قانون الإجراءات الجنائية، على أن مدة العقوبة المقيدة للحرية تبدأ "من يوم القبض على المحكوم عليه بناءً على الحكم الواجب التنفيذ، مع مراعاة إنقاصها بمقدار مدد الحبس الاحتياطى ومدة القبض".
وأكد مقدمو الطلب أن استجابة الدولة له لن تُقرأ فقط كاستجابة لأسرة مكلومة، ، بل كدلالة على دولة قوية عادلة، قادرة على الإنصاف والإنصات لصوت مواطنيها دون انتقاص
وتابعوا: "إن إنقاذ حياة والدته ليس فقط واجبًا إنسانيًّا وأخلاقيًّا، بل رسالة سياسية واضحة بأن الدولة لا تغلق أبوابها أو تدير ظهرها عن صوت أمهات مصر، وتطبق القانون على معارضي النظام مثلما تطبقه على مؤيديه".
والأسبوع الماضي، طالب فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، بالإفراج الفوري عن علاء، وقال إنه "محتجزٌ تعسفيًّا لدى السلطات المصرية، بما يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، ويوجب إطلاق سراحه وتعويضه".
وتحولت قضية إنقاذ حياة الدكتورة ليلى سويف إلى قضية رأي عام، حيث كتب الشاعر عبدالرحمن مقلد قائلًا: "من أيام، حلمت بليلى سويف معافاة وسعيدة، تصنع لنا فطائر بالسكر، كما كانت تفعل جدتي.. كنت أحس بأن الفرج قريب.. وأن مصر لن تقترن بعار أن تموت أمٌّ في سبيل نجاة ابنها من السجن.. دائمًا ما كانت الأم تنتصر في مصر.. إيزيس انتصرت وحمت ابنها حتى شبّ وحكم البلاد.. أم موسى النبي حمت إرادتها وانتصر ابنها.. السيدة زينب نجت في مصر وعاش نسل النبي محمد.. ميراث الأمومة الذي حملته جداتنا وأمهاتنا؛ ربين واقتصدن وكافحن من أجل أبنائهن، حرمن أنفسهن من الشباب والرغد في سبيل حياة عيالهن.. ميراث الأمومة الذي تحمله ليلى سويف الآن يكاد يفتك بها، وعلينا أن نرفعه عن كاهليها.. أما أن تترك لتموت، فهذا عار لن ينجو منه أحد".
وكتب الصحفي المخضرم حمدي حمادة يقول: "غريب من بيده الأمر! هل انتزعت الرحمه من قلبه ولا يشعر بتأنيب الضمير؟ أم وليست أي أم.. دكتوره علمت، ودرست، وربت أجيالًا.. ويصل الجحود إلى مداه، ولا يتم الإفراج عن ابنها فلذة كبدها، رغم انتهاء عقوبه حبسه! من يبقيه ويصر على بقائه وللآن في محبسه ومنذ شهور؟ ومن ينتقم من تلك الأم الدكتوره ليلى سويف؟ من أيها السادة ودون مراعاة لشيخوختها؟ الوضع مبهم وغريب، وكأن عصور الظلام قد عادت من جديد، والسياف شاهر سيفه ودون أن يردعه أي أحد!".
بينما كتب المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي: "د. ليلى سويف قاب قوسين أو أدنى من الموت، إنقاذها هو انقاذ لمعنى المروءة في بر مصر، وإلا سيلاحقنا عذاب ضمير لن نشفى منه".
وكتب السفير أيمن زين الدين: "أضم صوتي إلى صوت الدكتوره ليلى سويف وأسرتها وباقي المخلصين المطالبين بالإفراج عن علاء عبد الفتاح؛ لأنه أمضى بالفعل في السجن وقتًا أكثر من المدة المحكوم بها عليه، ولأن أيًّا ما كان فعله أقل من أن يبرر تعرضه لكل هذا التنكيل، ولأن معاناة أمه وباقي أسرته تخطت كل احتمال، وهذه الدعوة تمتد إلى كل المسجونين في قضايا سياسية، سواء كانت الأحكام الصادرة ضدهم تنص على ذلك، أو حتى لو كانت تنص على أنهم ارتكبوا جرائم جناية، بينما يعلم الجميع أن السبب الحقيقى لسجنهم سياسي. لكنني - في نفس الوقت - أتمنى من كل قلبي أن تراجع الدكتوره ليلى قرارها الاستمرار في الإضراب عن الطعام، فالمؤكد أن علاء لا يرضيه أن تعرض حياتها للخطر بهذا الشكل، بالذات مع محدودية فرصة أن يكون لذلك تأثير على من يملكون قرار إطلاق سراحه، كما أن لا أحد يتمنى أن يحدث لها مكروه مع بقاء علاء مسجونًا.. حفاظ الدكتوره ليلى على صحتها، وتوجيه طاقتها لتعبئة الضغط للإفراج عن علاء، استثمار أفضل لصحتها وحياتها".
وكتب الأكاديمي والناقد الكبير د. محمد عبدالباسط عيد: "كل الذين اختبروا صلابة الأمومة فشلوا، لا يغرنك ضعف الجسد وشيخوخته، فهذه السيدة الشريفة ليست مجرد أستاذة جامعية، وليست مجرد أمّ.. لقد باتت مثلًا وعلامة.. لا ضعف، لا استسلام، لا انحناء".
وكتب الصحفي أحمد طه النقر قائلًا: "عيد الأضحى فرصة ذهبية لإطلاق علاء وكل سجناء الرأي، وإنقاذ حياة ليلى سويف، "دون خدش غرور النظام"، اغتيال ليلى جريمة سيدفع ثمنها الكل".
أما خالد البلشي نقيب الصحفيين فأكد أن والدة علاء عبد الفتاح، اختارت أن تضع حياتها على المحك من أجل خروج ابنها، عبر إضراب جزئي وكلي عن الطعام، استمر لأكثر من ٢٤٣ يومًا.. حالة ليلى سويف وصلت إلى مرحلة الخطر، بعد أن انخفض معدل السكر في الدم لديها إلى ٢٠.. ومؤشراتها الحيوية تنهار من لحظة لأخرى، مما يقتضي تحركًا عاجلًا وفوريًّا، وإنسانيًّا في قضية علاء، فربما لم يعد في وقتنا لإنقاذ ليلى سوى ساعات، حتى بعد التدخلات الطبية الأخيرة، والتي رفعت معدل السكر قليلًا بعد حقنها بهرمون. أُسَر عددٍ كبيرٍ من المحبوسين، حلمهم الأول، وربما الوحيد، هو صدورُ قرارٍ إنسانيٍّ رحيمٍ يعيدُ الغائبين إلى أماكنهم الشاغرة، ويُعيد لأسرهم الحياة.
وكتب المحامي والمبدع أدهم العبودي: "ليلى سويف مش مجرد أم بتحاول تنقذ ابنها، دي شخصية متمسكة بإنسانيتها وعندها أمل في العدالة، بتحاول تحمي مجتمع كامل من الاستسلام للظلم، علاء قضى محكوميته وانتهت عقوبته، أخطأ - إن جاز التعبير- ودفع تمن خطئه، هنا لا فيه محاولات للضغط، ولا فيه محاولات لابتزاز السلطة، ولا حتى فيه لعب على المشاعر، كل ما في الأمر إن المحبوس خلص سنوات حبسه، وكفاية إنه كمان بيدفع ضريبة غيره. ليلى سويف بتشاورلنا على نقطة النور اللي في آخر النفق، بس احنا مصرين إننا نغمض عنينا ونضبش في الضلمة".
وكتبت إيمان عوف عضو مجلس نقابة الصحفيين: "دكتوره ليلى عالمة الرياضيات قالتلي في مرة وانا بتناقش معاها وبحاول أقنعها تفك الإضراب: بحسبة بسيطة كده كده، اللي باقي في عمري كام سنة، ولو ضاعوا عشان أديهم لابني يعيش بيهم مع ابنه هكون راضية.. دكتوره ليلى أم قررت تضحي بحياتها عشان ابنها.. أتمنى تفهموا دا.. أتمنى ترحموا أم كل اللي عايزاه إنها تعيش كام يوم متجمعة بولادها وأحفادها من غير حبس ولا قلق".
أما الأكاديمية د. ثناء هاشم فكتبت: "هناك فرق بين الدولة القوية والدولة الباطشة، الدول العظيمة لا تنتقم أو تعتمد العناد مع مواطنيها، نختلف أو نتفق مع الآخر في منهج تفكيره أو مسلكه، لا يعني أن نؤمن على القهر، أن نستمرئ استمرار حبس مواطن قضى فترة عقوبته ويزيد، بحكم القانون مهما اختلفنا معه، الحق أولى أن يتبع، أخرجوا المعتقلين الذين لم يقترفوا إثمًا، أو دفعوا ثمنًا وانتهى. ما يحدث مع دكتوره ليلى سويف وهي تنزف حياتها أمام أعيننا، من أجل أن ترى ابنها ولو لمرة واحدة قبل أن يحكم الله في أمر كان مفعولًا، حدث غير مسبوق، قلبها وقلب كل أم يحترق حرمت من ابن أو ابنة خلف غياهب السجون، نذير شؤم على الوطن بأكمله".
ورأى الكاتب عمر شهريار أن "هذه المرأة، هذه الأم المكلومة، سيذكرها التاريخ طويلًا، وستصبح أيقونة لو - لا قدر الله - حدث لها مكروه.. كفاية غباء بقى!".
أما طبيب ليلى سويف فخاطبها في تقرير طبي قائلًا: "انخفاض مستوى السكر في الدم لديك يُعدّ حالة طبية طارئة لم تُعالج بعد، وأنا قلق جدًّا من أن أي انخفاض طفيف إضافي قد يؤدي إلى فقدان الوعي، بل وحتى الوفاة. وبينما أكنّ كل الاحترام لعزيمتك، إلا أنني – كطبيب – أجد لزامًا عليّ أن أحثكِ على إعادة النظر في موقفك من قبول العلاج بالجلوكوز (سواء عن طريق الفم أو الوريد)، إضافة إلى أشكال أخرى من الغذاء، إذ إن الامتناع عنها يعرّضكِ لمخاطر واضحة؛ منها: الموت المفاجئ وهو خطر قائم، ضرر دائم لأعضاء حيوية مثل: القلب، والدماغ، والكليتين، زيادة احتمالية حدوث مضاعفات خطيرة في حال استئناف التغذية مستقبلًا".
هل تستجيب السلطة وتضع حدًّا لأوجاع الضمير التي يحس بها أغلب المعنيين بالشأن العام في مصر؟