01 - 06 - 2025

لمن تقرع طبول الحرب في سيناء؟

لمن تقرع طبول الحرب في سيناء؟

منذ بداية الأزمة الحالية في غزة، وبين مبارزات سياسية وعسكرية متقاطعة، قفزت من حين لآخر آراء بعض "الخبراء" الإستراتيجيين في مصر التي تحاول فهم الأهداف الحقيقة للحرب من وجهة نظر وزارة الحرب في إسرائيل، وتطوع بعضهم بإتهام "حماس" بأنها السبب الأساسي للأزمة، وأنها تهدف إلي "توريط" مصر في الحرب ضد إسرائيل.

وقد أكد هذا "البعض" علي أن "مسؤولية مصر هي فقط الدفاع عن أمنها القومي" ، وأنه علي "الفلسطينيين" أن يدافعوا عن ترابهم الوطني.

وبغض النظر عن حقيقة أن هذا "البعض" هو جزء أو استمرار لما أطلق عليه "نهج كوبنهاجن"، الذي ذهب إلي "حتمية السلام والتطبيع" مع إسرائيل، فلا يبدو أنهم اقتنعوا أن سلوك تلك الدولة العدواني منذ أن وقعت مصر معه معاهدة السلام، يثبت تهافت "نظرية السلام" بأي ثمن التي تبناها هذا "البعض" .

وغني عن الذكر أن هؤلاء، ومن لف لفهم، لا يفهمون حقيقة "الأمن القومي المصري"، ولا يعرفون ما هي المخاطر التي تهدد هذا الأمن، وحدوده الجغرافية والتاريخية، بل ومدي اقتران هذه الحقيقة بالأبعاد الثقافية والوجدانية للشعب المصري.

ومن ناحية أخري، كان هناك علي الجانب الآخر من يحض علي المبادرة بالإشتباك مع العدو الذي تجبر واخترق كل المعايير الإنسانية والقانونية سواء في الحرب أو السلام، وتواترت الإنتقادات ضد الصمت والسكون، وعدم إستغلال الفرصة التاريخية للانهيار الواضح للجيش الإسرائيلي، واستمرار الحرب لشهور متعاقبة بالمخالفة لمبادئ الحرب التي وضعتها إسرائيل لنفسها، بما أثر علي اقتصادها، ومعنوياتها، فضلاً عن فقدانها معركة الصورة، وانقلاب الرآي العام الدولي ضدها بشكل غير مسبوق.. أنها فرصة لا ينبغي أن تفوت لتلقين هذا العدو الدرس النهائي.

ولكن هؤلاء قد لا يدركون أن الحرب ليست نزهة سهلة، وأن تكاليفها باهظة، وتتطلب إجراءات معقدة أبرزها إعداد الدولة للحرب، وتعميق العقيدة القتالية، والتمهيد الدبلوماسي الجيد، وضمان قدرة الاقتصاد علي التحمل، والأهم هو استعداد الشعب نفسه للحرب، وثبات النسق السياسي في بناء صلب، فلا مواءمة ولا معارضة، وإنما دولة تخوض غمار معركة كي تنتصر.

وهناك الكثير مما يمكن أن يقال حول كل ما سبق، ولكن الأهم هو أن هناك إطار سياسي وقانوني يجب الإنتباه له، وهو يمثل قيوداً علي حرية الحركة، وهو إطار لا يمكن التحلل منه إلا بحسابات دقيقة، وربما في ظروف محلية مختلفة للدولة نفسها، وظروف دولية تتيح ذلك، وهو ما لا يتوفر حالياً.

يكفي أن أشير هنا وفقاً لما ورد في مذكرات كيسنجر "سنوات البيت الأبيض" ، وكتاب "الأزمة"، وتصريح له عام ٢٠٢٠ نشر في كتاب عن الدبلوماسية، أنه عندما عرض ما تطلبه جولدا مائير من خفض للقوات المصرية في سيناء، فإنه لاحظ الدموع في مقلتي الجنرال الجمسي، مما أقلقه علي حياة السادات، فسأل الجمسي عن سبب دموعه، فقال له الجنرال: "لو تعرف كم من الدماء والدموع سفكت كي تعبر هذه القوات إلي شرق القناة، لفهمت حزني لموافقة السادات علي سحب معظمها بينما لا زالت قوات العدو تحتل أرضنا.. ولكنني يا معالي الوزير رجل عسكري لا أملك سوي أن أؤدي التحية العسكرية وأنفذ ما تراه القيادة السياسية".. ويعلق كيسنجر أنه فوجيء بالسادات يستدعيه، ويطلب منه أن يخبر جولدا مائير أن السادات لا يريد وضع أي قوات في سيناء، لأنه يرغب في السلام، ولكن عليها أن تتفهم إن المسألة تتعلق بكرامة الجيش.

وفي النهاية وافق السادات علي إستبقاء عدد أقل كثيراً مما كانت تطلبه جولدا مائير، والذي أصر عليه الجنرال "دايان"، وهو ألا يكون لمصر أي وجود عسكري في سيناء يتيح لها في أي وقت شن أي عمليات عسكرية ضد إسرائيل، ولا شك أن ذلك يتضمن أيضاً آن يسمح ذلك الوضع بإمكانية عودة احتلال القوات الإسرائيلية لشبه جزيرة سيناء، متي شاءت ذلك إذا وجدت المبرر لذلك.

لقد مرت مياه كثيرة تحت الجسور منذ ذلك الوقت، وقد لا يكون مطلوباً المبالغة في دق طبول الحرب، ولكن لا ينبغي أن تسترخي تلك الطبول، بل يجب أن تكون جاهزة إذا لم يعد منها مناص آخر.
--------------------------
بقلم: معصوم مرزوق
* مساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات اخرى للكاتب

لا تحضر العفريت.. كن حاضرا له !